اعتراضات تواجه احتمالات تعديل الدستور الكويتي

الجدل الدائر في الكويت بشأن إمكانية إجراء تعديل على دستور البلاد يمثّل صدى لوجود قناعتين متضادتين تقوم الأولى على حتمية إدخال إصلاحات سياسية تحدّ من حالة التوتّر الدائمة في علاقة السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتقوم الثانية على وجوب الحفاظ على ما يمنحه الدستور الحالي من سلطة رقابية واسعة لنواب البرلمان على عمل الحكومة، باعتبار ذلك “مكسبا ديمقراطيا” لا يمكن التفريط فيه.
الكويت - أثار رواج أنباء عن إمكانية إجراء تعديل على الدستور الكويتي موجة عارمة من الاعتراضات صدرت بالأساس عن شخصيات وقوى ذات حضور وتمثيل في البرلمان، كون ما تسرّب بشأن التعديل المفترض يشير إلى تقليص الصلاحيات الرقابية للمجلس على عمل الحكومة ولا يستثني إمكانية اعتماد نظام المجلسين عبر إنشاء مجلس ثان يتمّ اختيار أعضائه عن طريق التعيين ويكون له دور في مراجعة وإقرار القوانين التي يقرّها مجلس الأمّة.
وحمل المعترضون فرضية تعديل الدستور على محمل الجدّ كون الفكرة مطروحة أصلا منذ فترة ومتداولة في سياق عملية البحث عن حلول لمشكلة عدم استقرار السلطتين التشريعية والتنفيذية بسبب اللجوء بشكل متكرّر إلى حلّهما وإعادة تشكيلهما.
وتعزى هذه الظاهرة التي أصبحت سمة مميّزة للحياة السياسية في الكويت إلى كثرة الخلافات بين أعضاء البرلمانات والحكومات المتعاقبة.
وترى العديد من الدوائر الكويتية أنّ السلطات الرقابية الواسعة للبرلمان على عمل الحكومة ومبالغة النواب في اللجوء إلى الحقّ الممنوح لهم بموجب الدستور في مساءلة رئيس وأعضاء مجلس الوزراء عن طريق آلية الاستجواب، في مقدّمة أسباب التوتّر الدائم في علاقة السلطتين وفي تعطيل عملهما وإحداث انقطاعات شبه منتظمة في عملية التشريع وأخذ القرار وتنفيذ البرامج.

وتذهب مصادر كويتية إلى القول بأنّ ضرورة تغيير الوضع القائم أصبحت قناعة راسخة لدى أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أملتها المستجدّات المحلية والإقليمية والدولية وما باتت تطرحه من تحدّيات لا تسمح بالمزيد من “الترف الديمقراطي” الذي كان متاحا في فترات سابقة تميّزت على وجه الخصوص بوجود فائض كبير في عائدات النفط كانت تغطي على الكثير من الهنات والنقائص.
وكان أوضح تعبير عن تلك القناعة ما تضمّنته رسالة كان وجهها الأمير قبل أكثر من سنتين إلى نواب مجلس الأمّة دعاهم فيها إلى التهدئة والتعاون ونبذ الخلافات ورصّ الجبهة الداخلية مراعاة للظرف الدقيق المحيط بالبلد. وتضمّنت ذات الرسالة إلى جانب خطابها الترغيبي إنذارا باستخدام ما لأمير البلاد من صلاحيات واسعة لضبط علاقة الشدّ والجذب بين البرلمان والحكومة.
ويمتلك أمير الكويت حقّ تعديل القوانين وحلّ هيئات بمراسيم أميرية. وسبق له أن قام سنة 2012 بإدخال تعديل جوهري على القانون الانتخابي قضى بإلغاء إسناد أربعة أصوات لكلّ ناخب والاقتصار على صوت واحد.
ويعني تعديل الدستور الكويتي باتجاه تقليص السلطة الرقابية لنواب البرلمان على عمل الحكومة، حرمان قوى سياسية وأيضا شخصيات حزبية وقبلية من أهم ورقة للضغط على الحكومات وتحصيل امتيازات من كل الأنواع، إلى جانب إمكانية تصفية الحسابات الحزبية والأيديولوجية والقبلية وحتى الشخصية ضدّ أشخاص بعينهم.
وقال النائب عبدالكريم الكندري إنّه سيقف بوجه “أي تعديل يحاك في الظلام دون إطلاع الشعب عليه بهدف تقليص حقوق المواطنين وتقويض صلاحيات المجلس”.
أسئلة حول الجهة المخولة وضع تصورات للتعديلات المراد إدخالها على الدستور والتأثيرات المحتملة لتوجهاتها الأيديولوجية
كذلك عبّر النائب محمد المطير عن اعتراضه على “المساس بالدستور تحت أي ذريعة”، معتبرا أنّ “الوضع غير ملائم بتاتا لذلك، وخصوصا في هذا الوقت، لخطورة الأوضاع الإقليمية، ووجود القَبِّيضة والمرتزقة والصبيان في أغلب مراكز الدولة”.
وفي سياق الاعتراضات على تعديل الدستور الكويتي تطرّق النقاش الحاد إلى موضوع الجهة المخوّلة وضع التصوّرات وتحديد الخيارات في التعديل المفترض. وجاء ذلك بعد رواج تسريبات بشأن إسناد مهمّة وضع التصوّر الأولي لتعديل الدستور للجان تشاورية غير منتخبة يتمّ اختيار أعضائها وفق معيار القرب من السلطة.
وتثير بعض القوى السياسية الكويتية مخاوف من أن تُسقط بعضُ الشخصيات المشاركة في اللجان المذكورة توجّهاتها السياسية والفكرية والأيديولوجية على التعديلات المراد إدخالها على الدستور الكويتي.
وقالت الحركة التقدمية، الجمعة في بيان، “إن تاريخ محاولات تنقيح الدستور السابقة كشف أنها كانت ذات توجّه غير ديمقراطي، سواء تلك التي قدمتها الحكومة بين 1980 و1983 لتقليص المسؤوليات التشريعية والرقابية لمجلس الأمة وتوسيع دور السلطة التنفيذية، أو محاولات التنقيح المقدمة من بعض النواب لتغيير الطابع المدني للدولة وقيام الدولة الدينية”.
وعن إمكانية استحداث مجلس ثان إلى جانب مجلس النواب قالت الحركة “لا حاجة لما يتردد من البعض حول اقتراح استحداث نظام المجلسين في الكويت، بحيث يكون هناك مجلس نواب ومجلس أعيان، ذلك أن القصد الأول من نظام المجلسين هو أن يراجع المجلس الآخر، أي مجلس الأعيان أو مجلس الشورى، القوانين التي أقرها المجلس النيابي المنتخب، وهذا متحقق في النظام الدستوري الكويتي عبر منح الأمير الحق في ردّ القوانين التي يقرها مجلس الأمة”.