اعتداء هاناو يذكّر ألمانيا بمعركتها ضد اليمين المتطرف

ألمانيا تتلقى رسائل تضامن إثر هجوم هاناو العنصري، ودعوات إلى المزيد من الالتزام في مواجهة الإرهاب اليميني.
الجمعة 2020/02/21
لوعة كبيرة

استفاقت ألمانيا على فاجعة الخميس بعد أن لقي 9 أشخاص مصرعهم في هجوم جد بمدينة هاناو وسط البلاد يشير عدد من المسؤولين إلى أن منفذه له دوافع يمينية متطرفة، ليؤجج هذا الهجوم صراع الألمان مع اليمينيين المتشددين الذين حصدت هجماتهم الكثير من الأرواح في السنوات الأخيرة.

هاناو (ألمانيا) – قُتل الخميس تسعة أشخاص في مدينة هاناو وسط ألمانيا في هجوم له دوافع يمينية متطرفة، حسب ما أعلن عنه عدد من المسؤولين الألمان.

 وقالت الشرطة الألمانية الخميس إن مسلحا استهدف مقهيين للنارجيلة في المدينة الواقعة قرب فرانكفورت، وقد عُثر على المشتبه بتنفيذهما جثة هامدة في منزله.

وتولت النيابة الفيدرالية الألمانية، المختصة في مكافحة الإرهاب، التحقيق وتملك “عناصر تدعم وجود دافع كراهية الأجانب”.

وبحسب مصادر قريبة من التحقيق، عُثر على رسالة اعترافات ومقطع فيديو.

وقال الخبير في شؤون الإرهاب في جامعة كينغز كوليدج في لندن بيتر نيومان إن الرسالة مؤلفة من “24 صفحة” وتعكس “كراهية للأجانب ولغير البيض”.

وكتب نيومان في تغريدة له على تويتر أن كاتب الرسالة “يدعو إلى إبادة دول عدة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى”، مستخدماً “مصطلحات تدعو صراحة إلى تحسين النسل، مؤكداً أن العلم يُثبت أن بعض الأعراق متفوقة”.

ويقول المشتبه به إنه كان “كل حياته مراقبا من جانب أجهزة الاستخبارات” ويصف نفسه بأنه “عازب غير طوعي” و”يعترف بأنه لم تكن لديه أبداً علاقة مع امرأة”، وفق نيومان.

وعثر المحققون في سيارة منفذ الهجوم على ذخائر. ويملك القاتل المفترض رخصة صيد مما قد يُجبر السلطات على إعادة النظر في شروط الحصول على رخص الصيد.

ومن جانبه قال بيتر بويت وزير الداخلية بولاية هيسه إن الشرطة تعقبت سيارة استخدمت في الهروب من موقع الهجوم ووصلت إلى عنوان مالكها حيث وجدت جثة الرجل الألماني البالغ من العمر 43 عاما وجثة والدته التي تبلغ من العمر 72 عاما.

وقال الادعاء العام إنه تولى القضية بسبب دلائل على أن الهجوم دافعه التطرف. ومقاهي الشيشة في الغرب عادة ما تكون مملوكة لأشخاص من الشرق الأوسط أو جنوب آسيا.

وقال ابن مدير الحانة الذي كان غائبا عن المحل هو ووالده وقت الاعتداء، “الضحايا أشخاص نعرفهم منذ سنوات، إنها صدمة للجميع”.

وأكد وزير داخلية ولاية بافاريا الألمانية، يواخيم هيرمان، أن جريمتي هاناو اللتين وقعتا الأربعاء ذاتا خلفية يمينية متطرفة.

ومن بين القتلى “عدة ضحايا من أصل كردي” كما أعلنت كونفيدرالية مجموعات كردستان في ألمانيا متهمة القادة الألمان “بعدم مكافحة إرهاب اليمين المتطرف بشكل حازم”.

وفي مكان الحادثة تجمع الخميس عشرة أشخاص للصلاة، بينهم امرأة كانت تبكي في حين يحاول رجل مسن مواساتها وقد دمعت عيناه.

وقال أحمد (30 عاما) -وهو من سكان الحي- “أعرف جيدا من كانوا في هذه الحانة، كان يمكن أن أكون بينهم”. وعلقت جارة “لا أفهم ما حدث، ليست لدينا مشاكل تتصل بالعنصرية هنا”.

ومن المقرر تنظيم عدة تجمعات الجمعة خصوصا في هاناو، وأيضا في برلين.

ووعد وزير الداخلية هورست شيهوفر، الذي وضع باقة زهور في موقعي الجريمتين اللذين زارهما مع وزيرة الدفاع كرستين لامبرخت، بإجراءات جديدة في الأيام القادمة.

وفي أولى ردود الفعل نددت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالحادثة، مؤكدة أن العنصرية “سم” في المجتمع.

وفي كلمة لها تحدثت أنجيلا ميركل عن قتل تسعة أشخاص من أصول مهاجرة وشرطية بين عامي 2000 و2007، بيد مجموعة نازية. وواكبت القضية سلسلة فضائح بشأن التحقيق وأجهزة المخابرات الداخلية التي تعرضت لانتقادات بداعي حيازتها قرائن من الأوساط النازية.

وغداة الحادثة دعت أربع روابط إسلامية كبيرة في ألمانيا إلى المزيد من الالتزام في مواجهة الإرهاب اليميني.

صدمة في المانيا بعد جريمتي القتل
صدمة في ألمانيا بعد جريمتي القتل

وأكد مجلس تنسيق شؤون المسلمين الذي يضم الروابط الأربع الخميس في مدينة كولونيا غربي ألمانيا أنه تم توجيه العنف ضد مهاجرين بصفتهم مجموعة مستهدفة.

وأوروبيا أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن “حزنه الشديد” و”دعمه الكامل لألمانيا في مواجهة هذا الاعتداء المأساوي”.

وأضاف ماكرون في تغريدة “أفكارنا تتجه نحو الضحايا والعائلات المكلومة. أنا أقف إلى جانب المستشارة ميركل في هذه المعركة من أجل قيمنا وحماية ديمقراطياتنا”.

وبدورها أعربت رئيسة المفوضية الأوروبية والوزيرة الألمانية السابقة أورسولا فون دير لاين عن شعورها “بصدمة عميقة”، إزاء الهجومين المتزامنين.

وكتبت وزيرة الدفاع السابقة في حكومة أنجيلا ميركل على حسابها في موقع تويتر “هذا الصباح (صباح الخميس)، بحزن عميق أفكّر في عائلات وأقارب الضحايا الذين أُقدّم لهم تعازيّ الحارة. اليوم، نتشارك حزنكم”.

وتأتي هذه الحادثة في وقت يواصل فيه الأوروبيون تكثيف جهودهم الرامية إلى تحجيم دور اليمين المتطرف الذي يجنح أكثر إلى العنف في ألمانيا حيث كثف هجماته ونفذ اغتيالات سياسية استهدفت خصومه.

واتخذت ألمانيا في الآونة الأخيرة إجراءات كثيرة ترمي إلى تعزيز الأمن ووقف هجمات اليمينيين المتشددين الدموية الذين كبدوا برلين خسائر فادحة في الأرواح.

وعادة ما يُتهم حزب البديل من أجل ألمانيا بتنفيذ مثل هذه الهجمات حيث يرفع الحزب اليميني المتطرف شعارات مناوئة للمهاجرين والمسلمين واليهود.

ولم تعد هجمات اليمين المتطرف مجرد شبح تخشاه السلطات الألمانية حيث باتت اعتداءاتهم تفتك بالأرواح، إذ تلقى الألمان في يونيو الماضي صدمة كبيرة إثر اغتيال القيادي في الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تنتمي إليه المستشارة أنجيلا ميركل، فالتر لوبكه في مدينة كاسل وهو المعروف بدعمه للمهاجرين واللاجئين.

كما تعرض معبد يهودي في مدينة هاله إلى هجوم في سبتمبر الماضي أوقع قتيلين وتسبب في جرح آخرين، وتبين في ما بعد أن منفذه من أنصار اليمين المتطرف ويحمل فكرا معاديا للسامية.

هجوم يوقع تسعة قتلى غالبيتهم من المهاجرين
هجوم يوقع تسعة قتلى غالبيتهم من المهاجرين

وتُكابد ألمانيا من أجل الحد من هجمات اليمين المتطرف ووقف خطاباتهم الداعية إلى مواجهة المسلمين واليهود والمهاجرين.

والجمعة الماضية ألقت السلطات القبض على 12 عضواً في جماعة يمينية متطرفة، وذلك في إطار تحقيق واسع النطاق لمكافحة الإرهاب. وأوقفت السلطات هؤلاء الأفراد بشبهة التخطيط لشنّ هجمات واسعة النطاق على مساجد في البلاد.

وفي ديسمبر الماضي دشن وزير الداخلية هورست زيهوفر حملة جديدة للدفاع عن ألمانيا المتسامحة من خلال إعادة تنظيم الأجهزة الأمنية المعنية بمكافحة اليمين المتطرف وردعه.

ودائما ينفي حزب البديل ضلوعه في هجمات مماثلة لهجوم هاناو، لكن السلطات الألمانية تنفذ حملات اعتقال بحق بعض قياداته بتهم تتعلق بالتحريض على العنف وغيره.

وفتح استقبال ألمانيا لعدد كبير من اللاجئين السوريين والمهاجرين في السنوات الأخيرة الباب على مصراعيه أمام اليمينيين المتطرفين لبث خطابات فيها تحريض على الأجانب واليهود والمسلمين ما جعل نسبة التأييد لهذه الجماعات تتصاعد.

5