اشتباك رئيس التحرير الأسبق في الأهرام مع إعلاميين يفتح نقاش المهنية في القطاع

أثار عبدالناصر سلامة رئيس التحرير الأسبق في الأهرام موجة من الجدل في مصر بسبب تحول مقالاته الناقدة للموقف المصري بشأن سد النهضة إلى معركة مع إعلاميين مصريين. فقد حركت مقالاته المياه الراكدة وفتحت النقاش حول الفارق بين النقد الموضوعي المهني والتحامل والعصبية المرتبطة بالأهداف السياسية لأي إعلامي مواليا كان أو معارضا.
القاهرة - كسر عبدالناصر سلامة رئيس تحرير الأهرام الأسبق واحدة من الحلقات أو المحرمات في السياسة المصرية عندما كتب قبل أيام على صفحته في فيسبوك مطالبا باستقالة الرئيس عبدالفتاح السيسي وتحميله مسؤولية الإخفاق الحاصل في حل أزمة سد النهضة الإثيوبي.
وهو ما جلب معه انتقادات حادة من قبل بعض وسائل الإعلام التي فتحت ملفات عديدة وقت أن كان رئيسا لتحرير صحيفة الأهرام الرسمية في العام الذي حكمت فيه جماعة الإخوان مصر.
وخرج ما كتبه سلامة على صفحته الشخصية من الإطار الضيق ووصل إلى وسائل إعلام مختلفة ردت على ما كتبه باتهامات وابتعدت عن التفنيد والموضوعية، واعتبرت ما كتبه يحوي أهدافا سياسية مغرضة، وخرجت الردود عن الإطار المهني إلى القذف والسب في حقه بصورة منحت المقال المزيد من الانتشار.
وحرك هذا الموقف الكثير من المياه الراكدة في مجال الإعلام، وبدلا من أن يمر كلام سلامة بلا صخب نكأ جراحا عدة، حيث كتب قبله عشرة مقالات أو خواطر جميعها تصب في نقد ما أسماه بـ”شلة المنافقين” وهم المدافعون عن النظام المصري باستماتة من الإعلاميين.
ووجدت كتاباته أصداء لدى شريحتين في مصر، الأولى محسوبة على المعارضة التي باتت تنجذب لهذا النوع من الانتقادات خاصة عندما تستهدف رأس النظام الحاكم مباشرة وغالبيتها تنتمي لجماعة الإخوان وتيار اليسار المتحالف معها، والثانية الموالون الذين رأوا فيها خروجا عن المألوف والسياق العام ويمكن أن تؤدي للمزيد من الجرأة في الإعلام فسارعوا بالهجوم عليه وفتشوا في دفاتره القديمة.
مديح مستفيض
وجد الموالون في المقالات التي يكتبها على موقع الجزيرة نت مقالا نشر في الأول من يونيو الماضي بعنوان “سلاما أهل عُمان” كال فيه المديح لسياسة سلطنة عمان، وتحدث فيه عن التناغم بين القيادة العمانية الحكيمة وشخصية العُمانيين المتميزة المؤهلة للانطلاق، مما أوجد حالة متفردة ومثيرة للحسد والغيرة من الخارج.
كتب هذا المقال بطريقة لا تتناسب مع المنهج الذي اختطه لنفسه كباحث عن الحرية والاستقلال والمهنية، فمقاله عن عُمان ووضعها في خانة الدولة النموذج في المنطقة دون أن يقترب منها بانتقادات من قريب أو بعيد جعل البعض يفتشون عما وراءه، لاسيما أن الطريقة التي كتب بها “إنشائية” وأقرب إلى طريقة “الهواة” ولا تعكس وعيا سياسيا بما يجري من تطورات إقليمية ودولية معقدة.
وبدا المضمون كأنه انتقام من بعض دول الخليج الأخرى، وبدا أيضا كأنه رسالة وفاء وإخلاص من الرجل لمسقط التي عمل في إحدى صحفها سنوات في عقد التسعينات من القرن الماضي ولم تنقطع صلته بها وغرامه المفرط بتجربتها.
تحليلات عبدالناصر سلامة في أزمة سد النهضة تتسم بالخفة والتواضع والعصبية والنيل من الموقف المصري
كما أن الموقع الذي نشر عليه المقال لا يخلو من أغراض سياسية واضحة، فقد استخدم قلم سلامة وجرى توظيفه لصالح جهات معينة، وهو ما يقلل من مصداقية كتاباته ضد النظام المصري ويجعلها عصبية أكثر من اللازم وتخدم دوائر غير معلومة، لكن جميعها تدور في المحور القطري الإخواني الذي يضع أصحابه ما يقوله سلامة في خانة الانتقام وليس الموضوعية، وهو دليل على أن المصالحة بين القاهرة والدوحة لم تنضج تماما بعد.
ودرج رئيس تحرير الأهرام الأسبق على الظهور أخيرا على شبكة الجزيرة متحدثا عن ملف سد النهضة ومتبنيا خطا معارضا طول الوقت لتوجهات النظام المصري، متغافلا عن أي جهود تبذل أو مراعاة الحسابات الإقليمية والدولية وصب كلامه المكتوب والمرئي في مربع التحريض على ضرب السد عسكريا بلا تقديرات للعواقب، ولذلك صنفه البعض بجوار “جوقة” إخوانية تدعم الضرب لتوريط القاهرة، وليس دفاعا عن الأمن القومي.
ويقول متابعون إن تحليلات سلامة في أزمة سد النهضة تتسم بالخفة والتواضع والعصبية والنيل من الموقف المصري في كل الأحوال، ما يجعل الموضوعية التي يتحدث عنها دوما غائبة إلى حد بعيد.
ويضيف المتابعون أن سلامة يخدم أجندة الإخوان في النهاية باعتبارها الجهة التي تستفيد منه ليرد لها الجميل، فهي الجماعة التي نصبته رئيسا لتحرير الأهرام عام 2013 بتنسيق مع السلفيين في ذلك الوقت الذين دعموا صعوده بقوة.
وأكد قريبون من سلامة أنه ليس “إخوانيا منظما”، لكنه شخص “برغماتي” يجيد توظيف مهاراته الشخصية وانتهاز الفرص، فهو عمل مع الإخوان وعلى استعداد للعمل مع غيرهم، وعندما وجد كل الطرق مسدودة أمامه للكتابة في مصر بعد خروجه من الأهرام بدأ يرتدي ثوب المعارض في زمن اختفت المعارضة فيه من وسائل الإعلام.
ولمع هذا التوجه في كتاباته عندما بدأ في كتابة عمود صحافي بصحيفة “المصري اليوم” المستقلة عقب خروج من الأهرام حفل بكثير من الانتقادات للحكومة المصرية، وجدف في اتجاه معاكس لما يدور في مجال الإعلام، الأمر الذي جعله بارزا وسط كتاب الصحيفة، لأن الاشتباك في الكتابة خلت منه غالبية وسائل الإعلام بمصر.
خواطر ساخنة سياسيا
تردد وقتها أن مالك الصحيفة رجل الأعمال صلاح دياب تعرض لضغوط كبيرة من جهات نافذة في الدولة لوقف مقالات سلامة، وبعد فترة من المراوغة والمهادنة اضطر لوقفها، وبعدها لجأ سلامة إلى فيسبوك لنشر خواطره الساخنة سياسيا التي لفتت الانتباه إليه لأنه اختار الطريق الصعب وفتح جبهات كثيرة عليه بسبب انتقاداته المتواصلة.
وذكر قريبون منه لـ”العرب” أن إمكانياته الصحافية “عادية” من الناحية المهنية، وعندما تولى رئاسة تحرير الأهرام لم يحدث تطورا في خطها ومضمونها التحريري، وكان حريصا على تأكيد دعمه للإخوان في الحكم، وفتح أبواب الصحيفة لقيادات وكوادر الجماعة بالتنسيق والتناغم مع رئيس مجلس إدارتها آنذاك ممدوح الولي.
ما كتبه سلامة على صفحته الشخصية خرج من الإطار الضيق ووصل إلى وسائل إعلام مختلفة ردت على ما كتبه باتهامات وابتعدت عن التفنيد والموضوعية
ويعرف عنه بأنه حاد الطباع وسريع الغضب، كذلك واضح في الصداقة والخصومة مع زملائه، وهو ما كبده خسائر معنوية في أثناء رئاسة تحرير الأهرام وصلت درجة الاشتباك بالأيدي مع إحدى المحررات التي جرته إلى ساحات القضاء.
وحمل الكثير من المرارات السياسية حيال النظام المصري الراهن، معتقدا أنه لا يقدر مواهبه الإعلامية وضيق الخناق عليه ولم يجد صحيفة معروفة تنشر له مقالاته، ولذلك جاءت كتاباته معبأة بما يوحي بالانتقام.
ويعترف بعض خبراء الإعلام أن ما أدى إلى ذيوع كتابات سلامة أنها تبدو خارجة عن الخط العام في الإعلام المصري، بما يعني أن مساحة الفراغ الحالية مكنته من أن يصبح واحدا ممن ينتظرهم رواد مواقع التواصل.
وبصرف النظر عن متانة كتاباته، فهي كشفت في النهاية عجز بعض الإعلاميين في دحض ما يقدمه من مبررات وتفسيرات واهية للانتقادات، وأكدت من حيث لا يدري أصحابها أنهم قد يصبحون أخطر على الدولة من أمثال سلامة وكل خصومها.