اشتباكات الزاوية تفضح هشاشة الوضع الأمني في غرب ليبيا

كشفت الاشتباكات المسلحة التي شهدتها مدينة الزاوية فجر أمس الأحد عن هشاشة الوضع في غرب ليبيا وعجز السلطات عن ضبط إيقاع الأمن في المدينة الواقعة إلى الغرب من العاصمة طرابلس بمسافة لا تزيد عن 45 كلم.
وبينما تحدثت المصادر الأمنية عن سقوط قتيل وعشرة جرحى خلال المواجهات بين “مجموعة القصب” و”مجموعة الشرفاء”، أعلنت المؤسسة الوطنية الليبية للنفط حالة القوة القاهرة في مصفاة الزاوية بعد تعرضها لأضرار جسيمة في ساعة مبكرة من صباح الأحد. وقالت إنها سجلت نشوب حرائق خطيرة بالمصفاة نتيجة إصابتها بأعيرة نارية جراء اشتباكات دائرة بين مجموعات مسلحة في محيطها، مشيرة إلى أن عناصر الأمن والسلامة تمكنت من السيطرة على الحرائق والتسريبات في خطوط الغاز والحد من خطورة انتشارها رغم استمرار الاشتباكات.
وقال مجلس إدارة المؤسسة إنه يضع نفسه في حالة انعقاد دائم مع كل الإدارات والمراكز التابعة له المعنية، لمتابعة تطورات الأحداث في المنطقة، واتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة حيالها، للحد قدر الإمكان من المخاطر التي قد تهدد الأرواح والممتلكات.
كما دعت وزارة النفط والغاز بحكومة الوحدة الوطنية إلى التدخل لفض الاشتباكات بأي شكل من الأشكال نظرا لما تشكله من خطر كبير على أرواح المدنيين في حالة استمرار تعرض الخزانات بالمصفاة لأضرار مماثلة، لما تحتويه هذه الخزانات من مواد سهلة الاشتعال، وقالت في بيان “بلغنا بأن المؤسسة الوطنية للنفط أعلنت وبكل أسف حالة القوة القاهرة والطوارئ من الدرجة الثالثة (القصوى) بعد تعرض عدد من خزانات مصفاة الزاوية خلال الساعات الأولى من صباح الأحد 15 ديسمبر 2024، لأضرار جسيمة أدت إلى نشوب حرائق خطيرة، نتيجة إصابتها بأعيرة نارية جراء الاشتباكات الدائرة بالمنطقة في محيطها بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة،” وأضافت “تمكن عناصر الأمن والسلامة بفضل الله من السيطرة على الحرائق والتسريبات في خطوط الغاز، والحد من خطورة انتشارها رغم استمرار الاشتباكات في محيط المصفاة حتى لحظة كتابة هذا البيان، الأمر الذي يعرض حياة العاملين وسكان المنطقة برمتها إلى مخاطر لا يمكن توقع أضرارها.”
وبعد ساعات قالت شركة البريقة لتسويق النفط إن مستودعها في مدينة الزاوية يعمل بشكل طبيعي ومستقر تماماً على الرغم من الاشتباكات المسلحة في المدينة. وأضافت في بيان لها أن المستودع والعاملين فيه يستأنفون العمل بتزويد شركات التوزيع لمصلحة المحطات التابعة لها، مشيرة إلى مشاركة فريق الإطفاء التابع لها في السيطرة على الحريق الذي نشب في خزانات شركة الزاوية لتكرير النفط، والناتج عن أعيرة نارية أصابت الخزانات.
ووجه مجلس إدارة الشركة الموظفين والإدارات المختلفة بالوقوف إلى جانب شركة الزاوية في التعامل مع تداعيات الاشتباكات، والحفاظ على سلامة المنشآت النفطية. ولا تزال مدينة الزاوية، أكبر مدن الغرب الليبي، تعيش على وقع حالة من عدم الاستقرار والانفلات الأمني المتواصل منذ سنة 2011، ما جعلها خارج سيطرة الدولة، فضلا عن كونها مركزا رئيسيا لعدد من المجموعات الإجرامية المنظمة التي تهيمن على الأنشطة غير القانونية.
◙ اشتباكات الزاوية تفضح هشاشة الوضع الأمني في غرب ليبيا، وفشل سلطات طرابلس في حل مشكلة الجماعات الخارجة عن القانون
ورأت صحيفة “تورنتو ستار” الكندية أن الاشتباكات الأخيرة في مدينة الزاوية أدت إلى اندلاع حرائق في مصفاة النفط حيث تنافست الجماعات المسلحة للسيطرة عليها، وتوضح هذه الاضطرابات حالة عدم الاستقرار المستمرة في البلاد منذ سقوط القذافي في عام 2011؛ فالسكان محاصرون والطرق مسدودة إلى جانب إعلان حالة القوة القاهرة وسط الاضطرابات.
وقالت الصحيفة إن السبب الدقيق وراء الاشتباكات للسيطرة على مصفاة النفط لا يزال غير مؤكد لكنه يوضح الصراع المتكرر في غرب ليبيا الذي تهيمن عليه الجماعات المسلحة، وتظل هذه المنطقة التي تخضع لسيطرة حكومة الوحدة الوطنية بؤرة ساخنة للعنف، مشيرة إلى أن العنف أدى إلى حدوث أضرار جسيمة في مصفاة الزاوية النفطي حيث هددت الحرائق تسرب الغاز والبنية التحتية في المدينة.
وقرر مراقب التربية والتعليم بالزاوية المركز عادل الكاسح تعليق الدراسة في جميع المدارس التابعة لمراقبة التربية والتعليم في الزاوية المركز بسبب الاشتباكات وما تمثله من تهديد مباشر لسلامة الطلاب والكادر التعليمي، مع استمرار المواجهات في الأحياء السكنية، فيما أعلنت جامعة الزاوية تعليق الدراسة على أن تستأنفها فور استقرار الأوضاع الأمنية في المدينة.
ولا تزال مدينة الزاوية، ثالثة كبرى مدن غرب ليبيا ورابعة مدن البلاد، خاضعة لسيطرة الميليشيات المسلحة التي تتحكم في الوضع المالي والاقتصادي، وتبسط نفوذها على المؤسسات الحكومية وعلى مسالك تهريب النفط والاتجار بالبشر. ولا يكاد يمر أسبوع دون الإعلان عن سقوط قتلى وجرحى بسبب الصراعات الدموية بين الميليشيات المتطاحنة.
وفي يوليو الماضي اعترف وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي بأن مدينة الزاوية خارج سيطرة الدولة، وقال إن “وزارته مستعدة لتنفيذ خطة أمنية بالمدينة إذا اتفق المسلحون على وقف الاشتباكات”، مؤكدا أن “الحكومة لا تملك أية سيطرة على الأوضاع في ثالثة مدن غرب البلاد.”
وترى المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا أنه في ظل حرمان سكان مدينة الزاوية من الحماية والرعاية التي تفرضها قواعد حقوق الإنسان بموجب الإعلان العالمي والبروتوكولات الملزمة لصياغة حق الحياة فإنها تستنكر تقاعس وعدم تحرك وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية لفض النزاع المسلح ولوضع حد لهذه التشكيلات المتشرذمة، داعية الحكومة ووزارة الداخلية إلى العمل معاً وتكثيف جهودهما من أجل تهدئة النزاع المسلح واستعادة الأمن بالمدينة وضواحيها، وحماية المدنيين وممتلكاتهم.
وبحسب المراقبين، فإن اشتباكات الزاوية تفضح هشاشة الوضع الأمني في غرب ليبيا، وفشل سلطات طرابلس في حل مشكلة الجماعات الخارجة عن القانون والسلاح المنفلت خارج سلطة الدولة، وتفتح في كل مرة ملف الميليشيات الذي لا يزال يشمل عبئا على الدولة والمجتمع منذ 13 عاما. ويعتبر المراقبون أن السلطات التنفيذية تخشى التورط في حرب خاسرة مع الجماعات المسلحة وتسعى لتطويعها بالإغراءات المادية، لكن النتيجة كانت دائما الفشل وراء الفشل.