استهداف الأقباط يعمق التحديات الداخلية للحكومة المصرية

القاهرة- بالتزامن مع اقتراب الاحتفال بأعياد الأقباط في مصر، أعاد متطرفون النبش مجددا في الاحتقان الطائفي عبر مسارين، أحدهما يلعب على وتر غضب شريحة بسبب عدم تسمية إجازة عيد العمال بأنها لـ”عيد القيامة”، والثاني الدخول في صدام مع أقباط إحدى قرى محافظة المنيا بجنوب مصر وحرق منازل إثر شائعة بشأن تحوّل منزل مهجور إلى كنيسة.
واستبدلت الحكومة إجازة عيد العمال المقرر لها في الأول من مايو بالخامس منه ويتزامن مع عيد القيامة، دون أن تذكر في القرار أن العطلة الرسمية بسبب أعياد المسيحيين، ما أثار تساؤلات بين الأقباط، استثمرها متشددون على شبكات التواصل الاجتماعي للإيحاء بأن أعياد المسلمين هي الأصل، على الرغم من قرار حكومي صدر قبل أيام بوقف خطة تخفيف أحمال الكهرباء بالكنائس خلال أعياد الأقباط.
وضاعف متطرفون من محاولات إزعاج الحكومة بافتعال أزمة مع أقباط قرية “الفواخر” بمحافظة المنيا ومحاولة الاعتداء عليهم وحرق بعض المنازل بزعم وجود خطة سرية لتحويل بيت مهجور إلى كنيسة صغيرة، ما استدعى قوات الأمن للتدخل السريع وإلقاء القبض على المعتدين وزيادة تأمين احتفالات الأقباط بأعيادهم.
◄ السلفيون يجاهدون للضغط على الحكومة من بوابة الاستمرار في تكدير حياة المسيحيين بفتاوى تحريم التهنئة بأعيادهم والتحريض ضد ملف تقنين وبناء الكنائس
واعتاد متشددون استغلال فترة أعياد المسيحيين لمناكفتهم واللعب بورقة الاحتقان الطائفي التي تمثل ثغرة سهلة يمكن النفاذ منها لتعميق التحديات الداخلية للحكومة، باعتبار أن هذا الملف يقود بسهولة إلى ضرب السلم المجتمعي وإظهار الحكومة في صورة العاجزة عن حماية الأقباط، ما يؤثر على الاستقرار الأمني في مصر.
وأكد مصدر أمني لـ”العرب” أن التحرك السريع من جانب قوات الأمن لضبط المتورطين في أزمة المنيا، أسقط خطة المتطرفين للمزيد من التوترات، وأن المعتدين ستتم إحالتهم إلى المحاكمة كرسالة ردع من الدولة ضد إعادة صناعة مشهد سياسي قديم باستهداف الأقباط، وهو ما يستحيل السماح به.
وتحركت قوات الأمن عقب مناشدة من الأنبا مكاريوس أسقف المنيا مع بداية تحرك المتطرفين، حيث كتب على صفحته على موقع إكس أن أقباط قرية الفواخر في المنيا يتعرضون لهجوم من قبل متطرفين، وتم حرق منازل ومنع الأهالي من الخروج.
وأحدثت الحادثة أصداء سلبية لدى بعض الأقباط، وطالبوا الحكومة بالتعامل مع المتسببين فيها بطريقة أكثر حسما لردع من يرتكبون جرائم مماثلة قد تشعل فتنا طائفية بعد نجاح الدولة في فرض هيبتها ومنع الهجوم على الأقباط والكنائس خلال التوترات الأمنية التي أعقبت انهيار نظام حكم جماعة الإخوان بعد ثورة 30 يونيو 2013.
ومعروف أن محافظة المنيا، من المعاقل القديمة التي خرج منها إسلاميون متشددون، وما زالت جذور الجماعات المتطرفة موجودة، ولم يتم تجفيف منابعها بالكامل، ما تسبب في أن تصبح في صدارة محافظات مصر التي تشهد احتقانا من وقت إلى آخر.
وقال الباحث في الشؤون القبطية كمال زاخر إن حادثة المنيا محاولة لإعادة مشهد قديم بأن يتحول الخلاف بين مسلمين وأقباط إلى احتقان بين النظام والمسيحيين، واستغلال التحديات الراهنة للمزيد من محاصرة الدولة كجزء من حلم العودة للإخوان وأنصارهم من المتشددين، ودليل ذلك أنهم يختارون توقيتات دقيقة لافتعال أزمات من هذا النوع.
وأضاف في حديثه لـ”العرب” أن محافظة المنيا منطقة متناقضات، تعليميا وفكريا وثقافيا، ويقيم بها عدد كبير من العناصر المتطرفة، ومن الضروري وجود معالجات سياسية بالتوازي مع الصرامة الأمنية، لمنع تقويض جهود الدولة لأجل تكريس المواطنة والحريات الدينية وترسيخ السلم الاجتماعي.
ويرى مراقبون أن محاولات محاصرة الحكومة بأزمات طائفية سوف تظل هدفا للعناصر المتطرفة لإثبات الحضور وضرب الاستقرار السياسي في توقيتات حساسة، بحجة أن الحكومة لن تتعامل مع حماية الأقباط بصرامة في ظل ما تواجهه من تحديات إقليمية، وفي كل مرة يخيب ظن هؤلاء بردة فعل عنيفة من أجهزة الدولة تحول دون ضرب علاقة الحكومة بالأقباط أو إظهارها كأنها قليلة الحيلة.
ويحمل توقيت الفتن الطائفية في مصر دلالات تشير إلى وجود إصرار على فك الارتباط بين النظام والأقباط، كلما كانت الظروف تتطلب المزيد من دعم الاستقرار، ما يفسر البحث في إجازة أعياد الأقباط في نفس توقيت الاعتداء على بعض المنازل في المنيا، بلا مراعاة للمخاطر الخارجية التي تواجهها الدولة.
ويظل الإخوان والسلفيون أكثر فصيلين يستفيدان من استمرار الاحتقان الطائفي في التوقيتات السياسية الحساسة، فكلاهما لديه ثأر بعد تنحيتهما عن المشهد مقابل تقارب النظام مع الأقباط ومطاردة من يستهدفهم، أو تصعيدهم في مناصب مهمة، وأخيرا تقنين أوضاع دور العبادة الخاصة بهم، والسماح بترخيصها.
ولم يترك الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مناسبة إلا ويُظهر إصرارا على التعامل مع الأقباط كفصيل وطني يستحق المزيد من الدعم والرعاية من الدولة، ويداوم على حضور أعيادهم داخل الكنسية الأم، وتكليف الحكومة بتسريع وتيرة تقنين دور العبادة، وتعزيز مفهوم المواطنة والحريات الدينية، وهي إشارات ولدت لدى الإخوان والسلفيين الشعور بالحنق السياسي.
◄ حادثة المنيا محاولة لإعادة مشهد قديم بأن يتحول الخلاف بين مسلمين وأقباط إلى احتقان بين النظام والمسيحيين
وأكد كمال زاخر لـ”العرب” وجود محاولات مستميتة من جانب الجماعات المتطرفة لإظهار النظام المصري عاجزا عن حماية الأقباط من خلال محاصرته بأحداث طائفية وهي رسالة سلبية موجهة للأقباط بالداخل والخارج، بأن الدعم الذي يظهره الرئيس السيسي لهم غير موجود على أرض الواقع.
ويجاهد سلفيون للضغط على الحكومة من بوابة الاستمرار في تكدير حياة المسيحيين بفتاوى تحريم التهنئة بأعيادهم والتحريض ضد ملف تقنين وبناء الكنائس، للضغط على الدولة لتعيد حساباتها وتتعامل معهم بقدر من المرونة، ما يشير إلى استمرار الفتن الطائفية وما تحمله من إرهاب فكري.
وتتحمل الحكومة والأقباط جانبا من أزمات الاحتقان الطائفي، فالحكومة تتعامل بحذر مع مسألة التوسع في دور العبادة المسيحية المرتبطة بتركيبة سكانية يمثل الأقباط نحو عشرة في المئة فقط منها، كما أن الأقباط جزء من المشكلة لإصرارهم على التحايل على القانون بتحويل بعض المنازل إلى دور عبادة لفرض أمر واقع.
وفي هذا الخضم يدخل متشددون على خط الأزمة لاستغلال بطء الحكومة في حسم ملف تقنين دور العبادة المسيحية وتقديم أنفسهم كمناصرين في مواجهة تحايل أقباط على تحويل منازلهم إلى كنائس، ما يفرض على الحكومة المزيد من الحسم والصرامة في مواجهة المتطرفين من هنا أو هناك لتكريس قيم المواطنة.