استمرار الانتهاكات في مراكز الأمن الداخلي بشرق ليبيا: دعوات للتحقيق وشكوى إلى المفوضية الأفريقية

بنغازي (ليبيا) - اتسعت دائرة الاعتقالات السياسية في شرق وجنوب ليبيا، فيما عبرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن حزنها العميق لوفاة الناشط السياسي سراج دغمان أثناء احتجازه في أحد مقار جهاز الأمن الداخلي في بنغازي. وقالت في بيان إنها "تقدم تعازيها الخالصة لعائلته وتحث السلطات المعنية على إجراء تحقيق شفاف ومستقل في الظروف المحيطة بوفاته".
وتابعت البعثة أنها "إذ تؤكد أنها أخذت علما ببيان جهاز الأمن الداخلي في شرق البلاد بشأن وفاة دغمان، فإنها تذكر بأنه اعتقل واحتجز تعسفيا منذ مطلع أكتوبر 2023، بمعية كل من فتحي البعجة وطارق البشاري وسالم العريبي وناصر الدعيسي. ولم يتم إلى حد الآن توجيه تهم إليهم كما لم يمثلوا أمام المحكمة".
ودعت البعثة إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأفراد المحتجزين تعسفيا، بمن فيهم المحتجزون مع دغمان. كما تجدد البعثة دعواتها إلى تحقيق المساءلة ووضع حد لعمليات الاختطاف والاختفاء والاعتقالات التعسفية في جميع أنحاء البلاد"، وفق نص البيان.
وجاءت وفاة الناشط السياسي في سياق تضييق غير مسبوق على الأصوات المعارضة أو المختلفة عن توجهات السلطات النافذة في مناطق سيطرة الجيش، وخاصة من القوى الديمقراطية والليبرالية ومن أنصار النظام السابق الذين تلاحقهم الأجهزة الأمنية وخاصة في سرت وسبها، بالإضافة إلى الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وكل من ينتقد حالة الانغلاق السياسي أو يدعو إلى ضرورة تنظيم الانتخابات.
وكان جهاز الأمن الداخلي بنغازي برر أسباب وفاة دغمان بسقوطه على رأسه من مكان مرتفع أثناء محاولته الهروب من نافذة دورة المياه عبر التسلق على مواسير الصرف الصحي. وقال الجهاز في بيان له حول الحادثة إن عائلة المتوفى تسلمت جثمانه بعد استكمال كافة الإجراءات القانونية وبإشراف من النيابة العامة وإثبات أسباب الوفاة.
وتوعد الجهاز بملاحقة جميع الصفحات الممولة التي تهدف إلى ما سمته بث الشائعات بغرض إخفاء الحقائق وتزرع الفتن لصالح مموليها، فيما طالبت منظمة رصد الجرائم النائب العام بضرورة فتح تحقيق شامل ومستقل في ظروف وفاة سراج دغمان التي وصفتها بالغامضة والكشف عن نتائجه، وبمحاسبة المسؤولين عن اعتقاله تعسفيا والتسبب في وفاته، ودعت في بيان لها بشأن الحادثة، السلطات في شرق البلاد إلى الإفراج الفوري عن رفاقه المعتقلين تعسفيا ودون قيد أو شرط.
وبحسب المنظمة، فإن الناشط السياسي سراج فخرالدين دغمان (35 عاما) توفي في ظروف غامضة يوم الجمعة التاسع عشر من أبريل، بسجن غير رسمي يقع داخل مقر القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية بالرجمة جنوب شرق بنغازي. وقد تم إبلاغ أسرته بالوفاة صباح السبت من قبل السلطات الأمنية بالمدينة.
وشغل دغمان منصب مدير مركز ليبيا للدراسات الإستراتيجية والمستقبلية فرع بنغازي، وهو أحد المعتقلين تعسفيا بسجن جهاز الأمن الداخلي منذ الأول من أكتوبر 2023، بعد اعتقاله رفقة أربعة نشطاء آخرين، بناء على تقارير مقدمة ضدهم حول نشاطهم وعقدهم اجتماعات ناقشت الوضع السياسي والانتخابات في ليبيا، ومؤخرا وصل أسرته خبر نقلهم إلى سجن الرجمة دون إحالتهم إلى القضاء.
وكان مركز ليبيا للدراسات الإستراتيجية والمستقبلية، أوضح في مطلع أكتوبر الماضي أن دغمان تم استدعاؤه مع رفيقيه إلى جهاز الأمن الداخلي على خلفية “تقرير مفاده أنهم اجتمعوا بمقر المركز في بنغازي بنية إحداث تغيير يقود إلى إسقاط الجيش”.
وقال المركز في بيان له إن الاجتماع كان لبحث الوضع العام في ليبيا إثر الفيضانات التي شهدتها مدينة درنة وباقي مدن الجبل الأخضر، وهو وضع لا يمكن لأي أحد أن ينكر خطورته ومأساويته، أو يتغاضى عن الأخطاء الجسيمة التي أدت إلى هذه الخسارة الكبيرة في الأرواح.
وكان البعجة قد تولى رئاسة لجنة السياسات العامة بالمجلس الوطني الانتقالي في العام 2011، وشغل منصب سفير ليبيا في كندا حتى العام 2016، ويرأس حاليا المكتب السياسي لحزب “ليبيا للجميع” الذي طالب في بيان مشترك مع حزبي “المدني الديمقراطي” و”الاتحادي الوطني”، بالإفراج الفوري عن المحتجزين الثلاثة، مستنكرا “جميع أشكال الاحتجازات والاعتقالات خارج الإطار القانوني باعتبارها انتهاكا صارخا للحقوق السياسية والمدنية، وجريمة لا يجوز تبريرها تحت أي ذريعة، وذلك وفقا لما نص عليه الإعلان الدستوري والقوانين الوطنية النافذة، ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقات الدولية الأساسية والعالمية المعنية بحقوق الإنسان”.
وأعربت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان عن قلقها البالغ حيال اعتقال البعجة ورفيقيه معتبرة إياه “احتجازا غير مبرر وبدون مسوغ قانوني وخارج قواعد قانون الإجراءات الجنائية الليبي ويعد انتهاكا صارخا لمبادئ حقوق الإنسان والحريات الأساسية والعامة”، وفق بيان لها، وطالب المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي بضرورة العمل وفقا للقوانين الليبية والمواثيق الدولية التي تحمي هذه الحقوق والحريات الملزمة للأطراف ومنها دولة ليبيا.
ووفقا لمداخلة وزير الداخلية الأسبق عاشور شوايل، فإن أسباب اعتقال دغمان ورفيقيه تعود إلى ورشة عمل تحدث فيها المجتمعون عن حادثة انهيار سد درنة نظمت في بنغازي من قبل مركز الدراسات الإستراتيجية والمستقبلية. وفي الأثناء، قال ابن الناشط السياسي المعتقل لدى جهاز الأمن الداخلي ببنغازي فتحي البعجة إن الاتصال بوالده انقطع منذ ثلاثة أشهر، وأنه لا توجد معلومات إن كان على قيد الحياة أم لا.
وأضاف يوسف البعجة في مداخلة تلفزيونية أن مكان اعتقال والده لا يزال مجهولا، وأن آخر تقرير للطبيب المعالج سجل إصابته بالاكتئاب وفقدان الشهية ونقص الوزن، إضافة إلى اضطرابات في الكلى وسكر الدم، وفق قوله. وجاء الإعلان عن وفاة دغمان في سياق سلسلة الوفيات التي تم تسجيلها داخل مخافر الأمن الداخلي بمنطقة شرق ليبيا الخاضعة لسيطرة قوات الجيش بقيادة الجنرال خليفة حفتر.
وفي ديسمبر الماضي، أكدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وفاة وزير الدفاع الأسبق مهدي البرغثي ضمن سبعة آخرين من بينهم ابنه، اعتقلتهم قوات تابعة للقيادة العامة، وأعربت “عن قلقها إزاء الإعلان عن وفاة وزير الدفاع الأسبق المهدي البرغثي في بنغازي”، مشيرة إلى أن “ذلك يأتي في أعقاب اعتقاله من قبل السلطات في السابع من أكتوبر مع عشرات آخرين، بما في ذلك عدد من أفراد أسرته”. وأوضحت البعثة “قد تأكدت وفاة سبعة من المعتقلين، بمن فيهم البرغثي وأحد أبنائه، مع وجود مزاعم مثيرة مقلقة حول سوء المعاملة والتعذيب أثناء الاحتجاز”، مشيرة إلى أن “أسباب الوفاة لا تزال غير واضحة نظرا لمحدودية المعلومات الرسمية”.
وفي أواخر يناير الماضي، أعلنت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا عن مقتل المدرب ولاعب كرة القدم السابق عادل قدير، في مركز أمني في مدينة بنغازي، ودعت النيابة العامة إلى فتح تحقيق قضائي للوقوف على ملابسات الحادثة، مؤكدة أن الضحية “قضى نحبه تحت التعذيب الجسدي على يد عناصر جهاز الأمن بمدينة بنغازي”، كما طالبت بـ”ملاحقة جميع المتورطين المسؤولين في هذه الجريمة”.
وقال المصدر نفسه إن “قسم تقصي الحقائق والرصد والتوثيق بالمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا رصد واقعة مقتل اللاعب والمدرب السابق بنادي الهلال عادل قادير والبالغ من العمر 58 عاما بعد اعتقاله واختطافه بتاريخ السابع عشر من يناير الماضي بمدينة بنغازي، بعد خروجه من صلاة الفجر بالمسجد”، وأضاف أن “جثة اللاعب السابق ظلت ماكثة في ثلاجة الموتى بمستشفى الجلاء العام في مدينة بنغازي لعدة أيام، حيث رفضت عائلتها استلامها دون تقرير الطب الشرعي، قبل أن يتقرر دفنه”، مؤكدة “ظهور آثار تعذيب على جسده”.
◙ وفاة الناشط السياسي تأتي في سياق تضييق غير مسبوق على الأصوات المعارضة أو المختلفة عن توجهات السلطات النافذة في مناطق سيطرة الجيش
وفي الأثناء، أعربت فعاليات سياسية واجتماعية عن خشيتها من مصير مماثل قد يستهدف الشيخ علي أبوسبيحة رئيس المجلس الأعلى لقبائل ومدن فزان ورئيس فريق المصالحة التابع لسيف الإسلام القذافي بمنطقة جنوب الليبي، الذي تعرض للاعتقال في مدينة سبها وتم نقله إلى بنغازي بسبب إعلانه دعم بيان الزنتان المدافع عن حق ابن القذافي في الترشح للسباق الرئاسي.
ودان نائب رئيس المجلس الرئاسي عبدالله اللافي اعتقال أبوسبيحة، وقال “نطالب بالحرية غير المشروطة للشيخ، فاختلافنا السياسي أمر طبيعي، ودليل تعاف وقوة في اتجاه بناء الدولة المدنية المنشودة”، معتبرا أن “حق التعبير والانتماء السياسي مكفول للجميع في إطار القوانين المنظمة للعمل السياسي دون استقواء، أو طغيان أو ترهيب”.
وأعلن عبدالله عثمان، رئيس الفريق السياسي للمرشح الرئاسي الدكتور سيف الإسلام القذافي، عن التقدم بشكوى رسمية لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقيه، ضد اعتقال جهاز الأمن الداخلي للشيح أبوسبيحة. وجاء في الشكوى أن قوة الأمن الداخلي هاجمت منزل الشيخ علي أبوسبيحة فجر يوم الجمعة، الموافق للتاسع عشر من أبريل على خلفية تأييده لبيان صدر عن فعاليات مدينة الزنتان يدعو إلى المصالحة الوطنية، والسلم الأهلي، وبناء الدولة والانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة.
ودعت الشكوى مفوضية الاتحاد الأفريقي إلى التدخل الإيجابي الحاسم في الإفراج عن هذا الشيخ الطاعن في السن، والذي يعاني من بعض الأمراض المزمنة، واتخاذ موقف حاسم لإيقاف مثل هذه الممارسات التي تتعارض مع مسار المفوضية الداعم لتوجه الشعب الليبي نحو المصالحة الوطنية، وإطلاق مسيرة السلام والبناء والتنمية.
وقال المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية “إن هذه الانتهاكات التي طالت شيوخ القبائل الليبية ورموز المصالحة الوطنية ستكون لها تداعيات وخيمة على عرقلة المصلحة الوطنية والسلم الاجتماعي”، داعيا بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمنظمات الحقوقية إلى التدخل، وتحمل مسؤولياتها القانونية والإنسانية إزاء هذه الاعتقالات التعسفية التي تطال زعماء القبائل دون مبرر قانوني.
إلى ذلك، ألقى جهاز الأمن الداخلي في مدينة سرت القبض على رئيس المجلس الاجتماعي لقبيلة القذاذفة ميلاد الساعدي، على خلفية إصدار القبيلة لبيان يدعم ما جاء في بيان قوى الزنتان، ويدعو إلى انتخابات حرة نزيهة دون إقصاء، وإلى ضرورة المصالحة المجتمعية وسد الباب أمام التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للبلاد.