استفزازات أردوغان على خط النار تنذر بحرب جديدة في ليبيا

احتجاز "مبروكة" وجه طعنة إلى كبرياء أردوغان والإخوان يحرضون على الجيش بعد تحركه في أوباري.
الخميس 2020/12/10
حمولات مشبوهة تقوض استقرار ليبيا

تواجه ليبيا نذر تصعيد عسكري جديد حذرت منه قيادة الجيش الوطني، فيما لوح به النظام التركي وحلفاؤه بغرب البلاد، ومنهم وزير الدفاع المفوض بحكومة الوفاق الذي هدّد صراحة بالانسحاب من الاتفاق العسكري المبرم في جنيف في الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي والمتعلق بالوقف النهائي لإطلاق النار.

وخلال الأيام الماضية، توالت الإشارات المنذرة بعودة الصراع المسلح، وهو ما فسره المراقبون بمحاولات تركيا إعادة خلط الأوراق بما يعصف بالحل السياسي ومساراته المختلفة وخاصة على الصعيد العسكري. 

وفي هذا السياق، نفذ الطيران التركي المسيّر ليلة الثلاثاء \ الأربعاء طلعات استفزازية بمناطق الهيشة الجديدة وزمزم والوشكة، المتاخمة للخط الأحمر غربي سرت، فيما أكد المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري أن الجيش في حالة حرب مع الأتراك ليس منذ الصيف الماضي، وإنما منذ سنوات حين أعلن الجيش الليبي الحرب على الإرهاب.

وأكدت مصادر عسكرية أن عددا من المسيّرات التركية تم رصدها وهي تجوب مناطق غرب سرت، بعد أن أقلعت من مدينة مصراتة، غير أنها لم تقترب من مواقع تمركز قوات الجيش، ونعتت تلك الخطوة بالاستفزازية التي تنم عن رغبة أردوغان في إشعال حرب جديدة متحديا بذلك الإرادة الدولية والجهود الأممية لتحقيق السلام في ليبيا.

وقالت تقارير إعلامية إيطالية الأربعاء إن أردوغان هدد برد انتقامي شديد عقب سيطرة الجيش على سفينة شحن مملوكة لتركيا ترفع علم جامايكا بعد دخولها منطقة عمليات عسكرية قبالة ساحل منطقة رأس الهلال، مشيرة إلى معلومات عن تحليق عسكري تركي في منطقة سرت والجفرة، على خط الهدنة بين الجيش والميليشيات.

وأفرج الجيش الوطني الليبي عن الباخرة التجارية التركية التي كانت محتجزة واسمها “مبروكة” وترفع علم جامايكا، وذلك بعد تفتيشها وإنهاء التحقيق مع أفراد طاقمها، وبعد دفعهم لغرامة مالية لإبحارهم في المياه الإقليمية الليبية دون إذن مسبق أو تصريح من السلطات الليبية، وكذلك دخولهم إلى منطقة محظور الإبحار فيها.

وكانت القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية أكدت الأسبوع الماضي التزامها وتمسكها التام باتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه في إطار لجنة 5+5 في جنيف تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وبالمقابل أعربت عن قلقها إزاء الحشود المتزايدة للميليشيات التابعة لحكومة الوفاق في طرابلس ومصراتة، وكذلك عمليات نقل ميليشيات وأسلحة ومعدات عسكرية باتجاه خطوط التماس غرب سرت والجفرة.

وقال الناطق باسم الجيش الوطني اللواء أحمد المسماري إن “التعليمات والأوامر صدرت إلى كافة وحدات القوات المسلحة بأن تكون على درجة عالية من الحيطة والحذر”، محذرا من "الانجرار وراء الاستفزازات التي يمكن أن تؤدي إلى تصعيد الموقف العسكري".

وفي بيان له بشأن تطور الوضع الميداني في مناطق التماس مع الميليشيات، قال المسماري “إن الجيش أكد التزامه وتمسكه باتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه في إطار لجنة 5+5 في جنيف تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا”.

واستطرد “إن قيادة الجيش تعرب في ذات الوقت عن قلقها إزاء الحشود المتزايدة للميليشيات التابعة لحكومة الوفاق غير المعتمدة في طرابلس ومصراتة”، وكذلك عمليات نقل الميليشيات والأسلحة ومعدات عسكرية باتجاه خطوط التماس غرب سرت والجفرة.

وجاءت تحذيرات الجيش في ظل اتساع ظاهرة التحشيد الميليشياوي في المناطق المتاخمة للخط الأحمر سرت - الجفرة، والتي وصفتها مصادر الجيش بأنها مثيرة للانتباه وتدل على نوايا لخرق وقف إطلاق النار المعلن من قبل اللجنة العسكرية المشتركة.

وفي طرابلس لوّح صلاح النمروش، وزير الدفاع المفوض بحكومة الوفاق الموالية لتركيا، بالانسحاب من طرف واحد من الاتفاق العسكري 5+5، معربا عن استغرابه مما وصفه بصمت البعثة الأممية والمجتمع الدولي على تحركات قوات حفتر، في إشارة إلى الجيش الوطني، وتهديدها اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب، وفق تعبيره.

ووجّه النمروش تحذيرا إلى الأمم المتحدة والدول الداعمة للسلام والحوار في ليبيا، قائلا "إذا لم يتم كبح قوات حفتر (الجيش الوطني) فإن قوات الوفاق ستنسحب من الاتفاق". وذلك ردا على تنفيذ الجيش الوطني الليبي عملية أمنية في أوباري (جنوب شرق) استهدفت خلالها عناصر أجنبية تنتمي إلى تنظيم القاعدة، نتج عنها اعتقال 7 إرهابيين ومصادرة كميات كبيرة من الذخائر والأسلحة والمتفجرات، وعلى محاولة وحدات عسكرية تابعة للقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، السيطرة على معسكر تيندي في مدينة أوباري المعروف سابقا باسم "معسكر لواء المغاوير" والذي كان تحت إمرة علي كنة أحد أبرز ضباط النظام السابق من أبناء الطوارق قبل أن ينظم إلى ميليشيات حكومة الوفاق ويكلفه فايز السراج أوائل العام 2019 بقيادة ما يسمى بقيادة سبها العسكرية.

وقالت مصادر الجيش إن قوة من الجيش الوطني بقيادة العقيد حسن الزادمة، أعادت الانتشار والتمركز في المنطقة بأوامر من آمر المنطقة الجنوبية اللواء مبروك سحبان، بعد أن كانت دعت الميليشيات المتمركزة في المعسكر داخل مدينة اوباري إلى تسليم المقر بشكل فوري ولكن تلك العناصر لم تستجب للأوامر، فقامت قوات الجيش باقتحامه والسيطرة عليه.

ويعتبر الجيش أن ما حدث في أوباري من ضبط عناصر القاعدة والتصدي لميليشيات كنّة يدخل في إطار العمل على مكافحة الإرهاب وبسط النظام العام وفرض سيادة الدولة، ولا يعتبر خرقا لوقف إطلاق النار المعلن في جنيف والمتفق على آلياته في اجتماعات غدامس وسرت، وأوضح المسماري أن هناك مجموعات تعمل على خرق وقف إطلاق النار في ليبيا، مشيرا إلى أن الجيش يؤكد التزامه التام باتفاق وقف إطلاق النار، وأن قيادته أصدرت تعليمات بعدم الانجرار وراء الاستفزازات، مؤكدا أن قواته نجحت في إلقاء القبض على مجرمين خطرين قرب الحدود مع الجزائر.

وأردف أن تركيا تواصل نقل العتاد والمرتزقة والإرهابيين إلى غرب ليبيا، لافتا إلى أن أردوغان لا يريد السلام في ليبيا، ويسعى لإقامة قواعد تركية على أراضيها، وهو مستعد لخرق وقف إطلاق النار في ليبيا والذهاب إلى معارك تحقق مصالح بلاده، وبعد إشارات عدة حول وجود تحرك استفزازي تركي بالجيش الوطني عبر الانتشار البحري قبالة خليج سرت، أعلن الجيش الوطني الليبي الاثنين الماضي احتجازه باخرة تحمل العلم الجامايكي قادمة من تركيا باتجاه مصراتة، بعد ضبطها في منطقة محظورة قبالة سواحل منطقة رأس الهلال بالجبل الأخضر، شرقي البلاد، ورفضها الانصياع للتحذيرات.

وقال في بيان رسمي إن السرية البحرية "سوسة" اعترضت باخرة شحن تجارية تحمل علم جامايكا وتسمى "مبروكة" لدخولها إلى المياه الإقليمية الليبية، لكن طاقمها لم يستجب للنداء الموجه إليه لمعرفة هوية السفينة، وبسبب وجودها داخل المنطقة المحظورة للعمليات العسكرية، وعدم اتباع طريقة الاتصال والتنسيق لخط 34 درجة شمالا تم اعتراضها وجرها إلى ميناء رأس الهلال.

وأشار المسماري إلى أن طاقم السفينة يتكون من 9 بحارة أتراك و7 هنود وشخص من أذربيجان، موضحا أن السفينة كانت في طريقها إلى ميناء مصراتة وجرى تفتيشها لمخالفتها اللوائح والنظم والقوانين البحرية.

ولفت إلى أن ربان السفينة ارتكب 3 أخطاء، وهي عدم رده على النداءات، ودخوله إلى المياه الإقليمية الليبية دون إذن مسبق، ودخوله إلى منطقة محظورة وتعتبر منطقة عمليات عسكرية، فقرر الجيش الليبي دخول السفينة وجرها إلى مرفأ صيد تتمركز به سارية بحرية، وجرى تفتيشها والعثور بداخلها على مواد صحية، ولا يوجد بها مواد عسكرية.

وبدوره، أكد آمر السرية البحرية المقاتلة العقيد محمد المجدوب ضبط الباخرة، وقال “تنفيذا لتعليمات القيادة العامة للقوات المسلحة في مراقبة السواحل الليبية والمناطق المحظورة تمكنت السرية من ضبط الباخرة التي تحمل العلم الجامايكي قادمة من تركيا”، مؤكدا أنه “تم قطر الباخرة إلى ميناء سوسة البحري بعد دخولها إلى المنطقة المحظورة شرقي ليبيا وعدم استجابتها للنداءات الموجهة إليها من قبل القوات البحرية”.

واعتبر الجانب التركي احتجاز الباخرة طعنة لكبريائه، وقالت تقارير إعلامية إيطالية إن أردوغان هدد برد انتقامي شديد عقب سيطرة الجيش على سفينة شحن مملوكة لتركيا ترفع علم جامايكا بعد دخولها منطقة عمليات عسكرية قبالة ساحل منطقة رأس الهلال، مشيرة إلى معلومات عن تحليق عسكري تركي في منطقة سرت والجفرة، على خط الهدنة بين الجيش والميليشيات.

وقالت الخارجية التركية إن استهداف مصالح أنقرة في ليبيا ستكون له عواقب وخيمة. وأضافت "ندين بشدةٍ هذا الإجراء، يجب اتخاذ خطوات تضمن استئناف السفينة رحلتها المخطَّط لها". وتابعت "استهداف المصالح التركية في ليبيا ستكون له عواقب وخيمة، ونذكّر مرة أخرى بأننا سنعتبر هؤلاء العناصر أهدافا مشروعة".

وردت القيادة العامة للجيش الوطني على الخارجية التركية بالتأكيد على أنها لن تتراجع قيد أنملة في حماية السيادة الليبية ومياهها الإقليمية والبرية والجوية للدفاع عن ترابها ودحر التواجد التركي وإجلائه عن التراب الليبي.

وأوضحت في بيان لها الأربعاء أن حماية السيادة الليبية ستكون وفق المبادئ والمعاهدات والقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة وما أقره في برلين وجيف برحيل كافة القوات الأجنبية المتواجدة على الأراضي الليبية.

وتابع البيان “نتابع عن كثب استمرار تركيا في زعزعة أمن المنطقة وليبيا بوجه الخصوص من خلال نقلها وتمويلها للمرتزقة والمقاتلين والمعدات العسكرية على الأراضي الليبية أمام مرأى ومسمع العالم رغم التزام القيادة العامة بدعم المسار السياسي ولجنة 5+5 ومخرجات برلين وجنيف وما نتج عنها"، مضيفا “إن تصريحات وزير خارجية تركيا مسعورة ومهووسة وتدفع إلى إفشال ما تم التواصل إليه من توافقات يعول عليها في الاستقرار”.

وأردف البيان “من خلال هذه التصريحات المسعورة والهوجاء يتضح جليا لنا بالدليل أن أردوغان، وحكومته، لم ولن يحترم الأحكام والقواعد الواردة في القانون الدولي الإنساني بل ذهب إلى أبعد من ذلك وتهدد وتوعد بالنيل من السيادة الليبية ومواردها”، مشددا على أن “هذا الأمر يهدد السلم والأمن الدوليين، خاصة وأن أردوغان، وحكومته، لا يعترف بسيادة الدول والحدود الإقليمية والسيادة الوطنية لليبيا”.

وبالتزامن، واصلت قيادات جماعة الإخوان التحريض على الجيش الوطني، متهمة إياه بخرق وقف إطلاق النار في جنوب البلاد، وذلك في توصيفها لعملية القبض على عناصر إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة في مدينة أوباري، جنوب غرب البلاد.

واتهم رئيس مجلس الدولة الاستشاري خالد المشري القيادي في حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان خلال لقائه السفير التركي بطرابلس سارحات أكسن بطرابلس، الجيش الوطني بخرق وقف إطلاق النار، مشددا على استمرار التحالف مع تركيا، فيما أكد السفير التركي دعم بلاده الكامل لمن وصفهم بالقوات الشرعية في ليبيا” في إشارة إلى ميليشيات الوفاق.

وحذر صلاح النمرود وزير دفاع الوفاق من أن حكومته ستنسحب من الاتفاق العسكري 5+5 واتفاق وقف إطلاق النار، في رد على العملية العسكرية ضد الإرهاب في جنوب البلاد.

ونبه مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الوطني الليبي اللواء خالد المحجوب إلى أن بعض التيارات في حكومة فايز السراج بطرابلس تعمل على نسف الاتفاقات التي جرى التوصل إليها، لافتا إلى أن الجيش الوطني الليبي يلاحق التنظيمات الإرهابية التي تسعى لترويع المواطنين الليبيين، ومشددا على أن التدخل التركي في ليبيا، من خلال دعم الميليشيات وإرسال المرتزقة، هدفه خلق ورقة تفاوضية على الأرض من أجل الاستفادة منها مستقبلا.

ويرى المراقبون أن الأحداث المتتالية خلال الأيام الماضية تكشف عن دفع نظام أردوغان إلى حرب جديدة في ليبيا قد تندلع خلال الأيام القادمة لجس نبض الإدارة الأميركية التي ستستلم مقاليد البيت الأبيض في العشرين من يناير القادم، ولتحقيق نقاط يقوي بها موقعه مع أي مفاوضات مع الأوروبيين، مشيرين إلى أن أردوغان يرفض أن يفرز الحوار السياسي انتخاب سلطات جديدة لا تنسجم مع خياراته للوصاية المطلقة على البلاد التي تعاني من أزمة مستفحلة منذ عشر سنوات. 

ويستند المراقبون في التحذير من خطوة أردوغان القادمة إلى استمرار تدفق السلاح التركي عبر جسر جوي وخاصة إلى قاعدة عقبة بن نافع بمنطقة الوطية المتاخمة للحدود مع تونس، وإعادة مرتزقة كان قد تم نقلهم سابقا إلى أذربيجان للقتال ضد أرمينيا، من جديد إلى الغرب الليبي، في تحد سافر لاتفاق جنيف الذي نص على إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا لا على إعادة نشرهم في أراضيها، وأمام أنظار بعثة الأمم المتحدة التي تبدو عاجزة عن لجم التدخل التركي، وقال عضو مجلس النواب سعيد امغيب إن البعثة ترى عمليات وصول الأسلحة إلى ليبيا ولا تتخذ أي خطوات حيال الأمر، مشددا على ضرورة أن تتخذ بعض الخطوات الجادة في تنفيذ القرارات التي اتخذها البرلمان.

ويعتقد المهتمون بالشأن الليبي أن تركيا تمارس سياسة بلطجة مفضوحة، وهي تعمل على فرض سياسة الأمر الواقع، حيث يرى أردوغان أن ليبيا لا تمثل بالنسبة إليه الملجأ الأخير لإنقاذ اقتصاده المنهار فقط، وإنما أيضا تشكل الجانب الرمزي لأطماعه التوسعية في المنطقة العربية، وفي منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، وتمنحه الأمل في الاستمرار في وهم استعادة الخلافة العثمانية قبل الذكرى المئوية لانهيارها والتي توافق العام 2023.