استفاقة مصرية لتطوير الدراما ومواجهة منافسة عربية صاعدة

تدشين اتحاد للمنتجين لإنهاء الاحتكار وملاحقة سوق المنصات الرقمية.
الاثنين 2023/08/07
هل يتلافى الاتحاد نقائص الدراما المصرية

استشعرت الجهات الرسمية في مصر حدة المنافسة التي يشهدها قطاع الإنتاج الدرامي مع ظهور أسواق عربية ناشئة بقوة، فرأت أنه من المناسب تأسيس هيكل جديد يوحد جهود منتجي الدراما ويضع سياسات وإستراتيجيات للحفاظ على جودة المحتوى وقدرته على الانتشار عربيا واستعادة الريادة.

القاهرة- شعرت جهات مسؤولة عن الإنتاج الدرامي بخطورة التغييرات التي طرأت على سوق الدراما العربية مع انتشار المنصات الرقمية وصعود الإنتاج الخليجي واستعادة جزء من عافية الإنتاج الدرامي السوري، وتزايد حضور الدراما اللبنانية.

ودفع كل ذلك نحو تأسيس هيكل جديد باسم “اتحاد منتجي مصر” لملاحقة تطورات قد تشكل تهديدا لعرش الدراما المصرية التي تصدرت المشهد العربي سنوات طويلة.

عقدت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي تستحوذ على جزء كبير من الإنتاج الدرامي في مصر اجتماعا، الأربعاء، بمشاركة 18 شركة إنتاج، أسفر عن تدشين الاتحاد الجديد لتطوير صناعة الدراما واستمرار تأثيرها على المستوى العربي.

وسيتم عقد اجتماعات دورية لتنظيم وضبط سوق الإنتاج الدرامي وأدواته وآلياته وهيكل الأجور، والسعي لتطوير المحتوى والإمكانات الفنية بالشكل الذي يضمن نمو وتنوع سوق الإنتاج الدرامي، مع الترحيب بانضمام شركات إنتاج عدة إلى الاتحاد.

ماجدة موريس: الاتحاد خطوة نحو تطوير الدراما المصرية
ماجدة موريس: الاتحاد خطوة نحو تطوير الدراما المصرية

تشير هذه الخطوة إلى استشعار الخطورة من استمرار احتكار الإنتاج الفني، وأنه لن يصبح ممكنا، في ظل حالة الانفتاح على الإنتاج الفني الغزير من جانب شركات، ما يتطلب تنسيقا يساعد على ضبط آليات السوق ويضمن عدم الوصول إلى فوضى تسيطر على الإنتاج، والسعي لفتح صفحة جديدة بين شركات إنتاجية غابت عن الحضور الفاعل ودخلت في مشكلات أدت إلى ضرورة تصفية الأجواء لتقديم أعمال فنية ذات محتوى قيم وجودة عالية.

ووجدت جهات مسؤولة عن الإنتاج الدرامي في القاهرة أن اتجاه المنتجين المصريين لتقديم أعمالهم على فضائيات ومنصات عربية لن يكون مفيدا على مستوى تنظيم سوق الدراما، ومن المهم إتاحة العمل في إطار منظومة فنية متكاملة، وأن جزءا من تطوير صناعة الدراما يرتبط بتسويق المنصات الرقمية المصرية، في مقدمتها “واتش إت” وإمدادها بأعمال تساعدها على خوض منافسة مع منصة “شاهد” السعودية، وغيرها من المنصات العربية التي ضاعفت إنتاجها مؤخرا.

فرضت التطورات التي أحدثها رواج سوق المنصات على مستوى مضامين إنتاج الأفلام والمسلسلات، على الجهات الإنتاجية في مصر التي وجدت نفسها بحاجة ملحة إلى تطوير محتواها، مجاراة التقدم بعد أن أصبحت المنصات تستوعب أعمالا عربية متنوعة، تخاطب ثقافات مختلفة.

ويقول البعض من النقاد إنه من الصعوبة أن يكون مقبولا الاستغراق في قضايا محلية محاطة بمجموعة محاذير، الأمر الذي يتطلب المزيد من المشاورات والتنسيق بشأن القضايا المطلوب طرحها، وهو ما تطرق إليه الاجتماع التأسيسي للاتحاد الجديد.

تؤمن جهات مصرية مسؤولة عن الإنتاج الفني بأن صناعة الدراما لم تعد أمرا يتعلق بالترفية، لكن أيضا بتشكيل الوعي ومجابهة طيف واسع من الأفكار والاتجاهات التي تفرض مجاراة ذلك، فضلا عن تطوير المحتويات المقدمة، والابتعاد عن الاستغراق في تقديم أعمال درامية يمكن وصفها بأنها تجارية.

ومطلوبة درجة عالية من التوافق حول فتح المجال أمام شركات الإنتاج الدرامية الخاصة والتوسع في محتويات تدعم تحقيق الجانب الربحي، والارتكان إلى شركات أخرى تلقى دعما من أجهزة حكومية بالتركيز على موضوعات التوعية.

صفاء الليثي: الحرية في الإنتاج والمواضيع تحقق التأثير العربي
صفاء الليثي: الحرية في الإنتاج والمواضيع تحقق التأثير العربي

أوضحت الناقدة الفنية ماجدة موريس أن خطوة تدشين “اتحاد منتجي الدراما” تعبر عن استعادة رؤية رشيدة نحو تطوير إنتاج الدراما، تضمن عدم وجود صراعات بين المنتجين وتساعدهم على الاتفاق حول الخطوط العريضة بشأن المحتويات المقدمة، وضمان عدم استئثار جهة واحدة بغالبية الإنتاج المقدم، وهو ما يجعلنا أمام اتفاق يمكن وصفه بأنه “إيجابي” وكان من المفترض أن يحدث منذ سنوات.

وأكدت في تصريح لـ”العرب” أن الرؤية الراهنة جاءت بعد أن تأكدت جهات رسمية أن الاعتماد على وجهة نظر واحدة يضر بالإنتاج الدرامي، وسوف تلقي بظلال سلبية على الفن المصري الذي يواجه منافسة عربية صعبة، وهي خطوة أولية يجب أن تتبعها خطوات، مثل التوافق حول أولويات الأعمال المقدمة على مدار العام ومضامينها بما يدعم التوسع في تقديم محتويات تتماشى مع متطلبات المجتمع المحلي والمجتمعات العربية التي تخاطبها المسلسلات المصرية.

ورأت موريس أن الانفتاح على الكتاب والمخرجين الذين لديهم خبرات كبيرة ولم يكن لهم مكان في خارطة الأعمال المصرية شرط ضروري لنجاح الاتحاد، وليس من العدالة أن يتم تجاهل مبدعين قادرين عل تقديم أفكار ورؤى مهمة، وهو ما ينعكس على جودة المحتوى المقدم وقيمته الفنية.

تكمن أهمية الخطوة الأخيرة في كونها تؤسس لاستفاقة مصرية بشأن مجابهة ما تتعرض له الهوية الثقافية التي استطاعت أن تكون بفعل الأعمال الدرامية سائدة على الساحة العربية، وأن تقديم أعمال درامية متطورة من قبل بعض الدول العربية دفع أجيالا جديدة إلى العزوف عما تقدمه شركات إنتاج مصرية.

كما أنها تمهد لتدشين رؤية واضحة لما سوف يقدم في المواسم الدرامية المقبلة، والتي من الواجب أن تتعدد بشكل كبير مع وجود المنصات الرقمية في ظل تراجع الموسم الأوحد الذي هيمنت عليه لسنوات طويلة والخاص بدراما رمضان.

وتخوفت الناقدة ماجدة موريس في تصريحها لـ”العرب” من أن يكون التطرق إلى إعادة ضبط آليات السوق عبر وضع سقف لأجور الفنانين خصما من تطوير الإنتاج الدرامي، وقد يحدث ذلك في إطار منظومة تقلص هيمنة النجم كي لا تكون هناك أجور باهظة لفنانين بأعينهم على حساب آخرين، مع مراعاة حقوق جميع العاملين.

وبدأت جهات رسمية، في مقدمتها نقابة المهن التمثيلية، في التطرق إلى صعوبات تواجهها صناعة الدراما في مصر، وقدمت مقترحات للتطوير من خلال منتديات وورش عمل تطرقت إلى هذه القضية، وهو مؤشر على تغييرات كبيرة منتظرة في سوق الدراما المصرية، سوف تكون لها تأثيرات فنية واضحة.

◙ الإنتاج الخليجي ينافس الدراما المصرية
الإنتاج الخليجي ينافس الدراما المصرية

واعتبرت الناقدة الفنية صفاء الليثي أن قياس نجاح الاتحاد الجديد يتوقف على إنهاء حالة الاحتكار، وإتاحة مساحة من الإنتاج لشركات صغيرة مع أخرى كبيرة أفضل من بقاء كافة الإنتاج بيد واحدة، مع أهمية تقديم تسهيلات مشجعة على توسيع دائرة العلم.

وذكرت في تصريح لـ”العرب” أن إتاحة الحرية المطلوبة لتقديم أعمال متنوعة وتعبر بشكل حقيقي دون تزييف عن واقع المجتمع هو السبيل الأكثر نجاحا لتحقيق التأثير العربي، وأن الموزعين للخارج يبحثون عن أعمال حقيقية ويرفضون ما يطلقون عليه “بضاعة تالفة” لا تجذب الجمهور، وهو أمر تتميز به الدراما اللبنانية في الموضوعات التي توجه فيها نقدا للمؤسسات والأفراد، وأسهمت في تطورها وتحظى بانتشار واسع.

وتحدث عدد من المنتجين عن أهداف الاتحاد الجديد، وقالوا إنها تتمثل في المزيد من الجودة والإتقان في صناعة العمل ليصبح متكاملا، وتوسيع أسواق الدراما المصرية ووصولها إلى مجتمعات مختلفة بتوفير عوامل الإبداع التي تجعلها قادرة على المنافسة.

ويتوقع البعض من النقاد أن يواجه الاتحاد عقبات من نوعية لجوء ورش الكتابة إلى استنساخ أعمال أجنبية وغياب الابتكار لدى المؤلفين، وهي زاوية بحاجة إلى معالجتها في الأعمال المقدمة كي تترك بصمة عربية، مع وضع آليات للتوافق حول رؤية الإنتاج المقدم، وهل سيكون ذلك مهمة الجهة صاحبة القدر الأكبر من الإنتاج، أم يتم ذلك عن طريق التوافق مع الشركات الأخرى.

15