استاطيقا العنف والرعب السينمائي التي لا تنتهي

أفلام تجمع إشكالية صناعة فكرة الرعب والعنف وتطويرها جماليا لكي تكتسب شكل قصة سينمائية شديدة التأثير والإقناع.
الأحد 2021/03/28
أفلام عنيفة تحظى بولع مزمن

لنحاول أن نفهم العنف والرعب في الفيلم وكأنهما يكمّلان بعضهما، فغالبا ما تنتهي أفلام الرعب إلى قتل واختطاف وسفك دماء ولهذا يتكئ فيلم الرعب على مشاهد العنف كثيرا.

عندما تسأل الجمهور العريض، لماذا يفضّل أفلام الرعب بما تنطوي عليه من مشاهد مرعبة، ستكون الإجابة إنها متعة خالصة وبعيدة تماما عن التصديق بأن الأحداث حقيقية.

بينما على الجهة الأخرى يتحدث متخصصون بالطب النفسي وسيكولوجيا أفلام الرعب وهم يشيرون إلى وجود عالمين مختلفين ومتوازيين أثناء المشاهدة وهما العالم الحقيقي الذي يعيش فيه المشاهد والعالم الافتراضي الذي يمثّله فيلم الرعب وبهذا يفصلون بين العالمين وبمجرّد انتهاء عرض الفيلم تنتهي علاقة المشاهد به.

لكن أولئك المتخصصين النفسانيين يؤكّدون أيضا أن فئة كبيرة من المشاهدين لا يدركون أن الدماغ لا يُعنى بالتفريق بين ما هو حقيقي وما هو فيلمي ومفترض، وإنما يقع الإيهام بالحقيقة، ولهذا أيضا هنالك شريحة من المشاهدين قد يصيبها الهلع من مشاهدة فيلم الرعب، ويبدأ الدماغ يصوّر أو يوحي بالأشباح والسحرة والقوى الشريرة أو مصاصي الدماء وغير ذلك.

في رباعية التطهير وهي مجموعة أفلام مزجت بنجاح بين العنف والرعب والخيال العلمي، وبدأت بفيلم “التطهير” (إنتاج 2013)، ثم فيلم “التطهير: الفوضى” (2014) ففيلم “التطهير: سنة الانتخابات” (2016) وجميع هذه الأفلام من إخراج جيمس ديموناكو.

أما الفيلم الأحدث في هذه السلسة وهو الفيلم الرابع، فهو فيلم “التطهير الأول” ويدخل فيه مخرج السلسلة ديموناكو كاتبا للسيناريو ليسند الإخراج إلى جيرارد مكموري.

في أفلام الرعب يختلط العنف بالواقع وتتداخل الشخصيات غارقة في مهمة بث الرعب وممارسة العنف في آن واحد
في أفلام الرعب يختلط العنف بالواقع وتتداخل الشخصيات غارقة في مهمة بث الرعب وممارسة العنف في آن واحد

في هذه السلسلة التي حققت نجاحا كبيرا وهي لا تزال تعرض وتشاهد في المنصات الرقمية، هنالك الكثير مما نبحث عنه في سينما العنف والرعب، هنا يختلط العنف بالواقع وتتداخل الشخصيات غارقة في مهمة بث الرعب وممارسة العنف في آن واحد وعلى وفق تلك الثنائية الرهيبة سارت أحداث الفيلم.

هنا سوف نتوقف قليلا في ما يتعلق بأفلام الرعب والعنف المفرط على حدّ السواء عند أكثر الفئات ضعفا وهشاشة ممن يصنّفون بأنهم ضحايا العنف أو الرعب، وهؤلاء الذين نتعاطف معهم كثيرا ونحن نشاهدهم في وضع لا يحسدون عليه رعبا وهلعا ويشعر المشاهد برغبة لا شعورية في إنقاذهم، وعندما يتم إنقاذهم يتنفس المشاهد الصعداء، بل إن هنالك فئة من المشاهدين يتكلمون مع الشخصية ويحثّونها على الهرب أو أن المشاهد يغمض عينيه كي لا يرى ما تتعرض له الشخصية.

ولنعد إلى رباعية التطهير الرهيبة التي لا تزال تتمتع بحضور على مستوى البناء الدرامي والشخصيات والمزيج المثير ما بين نزعة الانتقام المجتمعية والجذور الفطرية للشر والانتقام التي تكمن في داخل البشر وبإمكانها أن تظهر بشكل مفاجئ وخطير.

سوف تلتقي الأفلام الأربعة في عنصرين أساسيين هما، أن الأحداث سوف تقع كلها خلال مساحة زمنية أمدها ليلة واحدة ومع انبلاج الصبح سوف ينتهي كل شيء. أما العنصر الثاني، فهو إباحة القتل وشرعنته بحيث يطلق العنان لرغبة الناس في قتل بعضهم البعض وارتكاب ما شاؤوا من مذابح والانتقام ممّن شاؤوا.

كل ذلك والشخصيات الإجرامية تكرّس كل ذلك وهي متخفيّة والقتل يتم فيما القتلة متنكّرون من جهة ويحسبون مهمتهم ضرورة وطنية وكأنه تطهير للبلاد برمّتها من الآثام.

وفي موازاة ذلك نجد أن كارثية الرعب والقتل لا تلبث أن تتشظى إلى نوع من التطهير العرقي الانتقامي وبذلك تتراكم نزعة العنف والقتل الممتزجة بالرعب وكل ذلك في إطار تجميل الوحشية كلّها وجعلها مساحة متاحة لغرض الفرجة.

بعيدا عن عدم صلاحية الفيلم لأصحاب القلوب الضعيفة، فإن أصحاب القلوب القوية ولو من المجاز هم الذين يتفاعلون مع جماليات الرعب والخوف في الفيلم بالمزيد من الوجود الافتراضي الممتع الذي سوف يحقق لدى المشاهد في ما بعد شعورا بالتطهير والرضا وخاصة عند الانتقام من الأشرار.

خلال ذلك فإن مساحة قوة الشرّ في الدراما الفيلمية في هذا النوع من الأفلام هي التي توفّر متعة وجمالية المشاهدة، ففي القسم الأول والثاني وأغلب القسم الثالث من الفيلم فإن قوة الشر هي التي تصول وتجول وتفتك وهي التي تشكّل جماليات العنف والصراع وتمنح قوة وزخما للإثارة والتشويق والتفاعل المطلوب أن يعيشها المشاهد.

في موازاة ذلك سوف يتم بناء الإيقاع الفيلمي في هذا النوع على أساس ذلك التسارع في تصعيد العنف والرعب وهي دوافع أساسية للوصول إلى الذروة في تلك الدراما.

سوف نتذكر أفلاما تنتمي إلى هذا النوع مثل “الشعوذة” 2013، “هوست” 2020، “ساو” 2004، “نشاط خارق” 2007، “هالوين” 1978، “طارد الأرواح الشريرة” 1973، “صرخة” 1996، وسلسلة “دراكولا” و”فرنكشتاين” وفيلم “الغادر” 2010 والعديد من الأفلام الأخرى.

هذا الخليط من الأفلام بأساليب إخراجية وأشكال سينمائية مختلفة تجمع تلك الإشكالية المرتبطة بصناعة فكرة الرعب والعنف وتطويرها جماليا لكي تكتسب شكل قصة سينمائية شديدة التأثير والإقناع وذلك ما يؤسس لنوع من الولع المزمن والمتنامي بهذا النوعية من الأفلام.

15