ارتفاع أسعار الوقود للمرة الثانية في مصر: هل ضمنت الحكومة صمت الشعب

القاهرة - يشير قرار الحكومة المصرية برفع أسعار الوقود بدءا من الجمعة وللمرة الثانية على التوالي هذا العام، إلى أنها قد تكون ضمنت صمت الشعب وقبوله بقراراتها الاقتصادية الصعبة والتكيف مع طريقة الارتفاع المتدرج في أسعار المحروقات.
وبدت الحكومة المصرية واثقة من استجابة المواطنين لها إلى درجة لم تعد في حاجة إلى تمهيد لقراراتها الاقتصادية أو تفسير لأسبابها ودوافعها، وغير عابئة بتوصيل رسائل تبرر خطواتها في رفع أسعار سلعة معينة بعد أن تخلت عن رفع الأسعار بطريقة مبالغ فيها ودفعة واحدة ولجأت إلى أسلوب العرض والطلب.
وسبق أن أعلنت خفضا بسيطا في أسعار المحروقات من قبل لمرة واحدة، الأمر الذي لم يتكرر ثانية، وأدى إلى عدم الثقة في مسألة العرض والطلب الاقتصادية التي تقول الحكومة المصرية إنها تطبقها على الوقود.
ويقول متابعون إن تغيير الحكومة لسياستها في تسعير المحروقات في الآونة الأخيرة واللجوء إلى منهج متدرج مكنها من امتصاص غضب شعبي محتمل في مثل هذه الأمور، مستفيدة من نتائج الخبرات السابقة التي كانت تلجأ فيها إلى زيادة مفاجئة وكبيرة تترتب عليها انعكاسات سياسية وخيمة، حيث يصطحبُ زيادةَ أسعار الوقود غالبا ارتفاع في أسعار وسائل النقل والمواصلات وغضب من تصرفات الحكومة.

محمد سامي: استمرار موجات الزيادات في الأسعار يصعب أن يتقبله الناس
ويضيف هؤلاء أن رفع أسعار المحروقات لم يتضمن هذه المرة زيادة في أسعار السولار الذي تعمل به غالبية وسائل النقل العامة ومواصلات نقل الركاب التي يمكن أن تلحق ضررا ماديا مباشرا بمرتاديها من البسطاء، ما جعل تأثير الزيادة التي حدثت في البنزين محدودا شعبيا، ويمكن امتصاص تداعياتها، لذلك كانت الحكومة مطمئنة لخطوتها وروافدها السياسية.
وقال الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة (معارض) محمد سامي إن الزيادة الطفيفة منطقية ويتقبلها قطاع واسع من المواطنين، لأن الحكومة نجحت في تهيئتهم لتقبل أي زيادات، لكن المشكلة تتمثل في الزيادات المضطردة في أسعار الأغذية والخدمات العامة التي تجعل الزيادة في سعر البنزين عبئا إضافيا على أوجاع المواطنين.
وتابع في تصريح لـ”العرب” أن استمرار موجات زيادات الأسعار في مجالات مختلفة يصعب أن يتقبله الناس بشكل مستمر، وستجد الطبقة المتوسطة تحديات جمة في تلبية احتياجاتها والتجاوب مع مستلزمات الحياة، ما يتطلب مراجعة سريعة لسياسات الحكومة التي تستهدف تحصيل المزيد من الأموال من جيوب المواطنين.
وأشار سامي إلى أن ضريبة أي ممارسات احتجاجية على الزيادات يدفع ثمنها المواطنون وقد يجري توظيفها من جانب تنظيم الإخوان لنشر الفوضى والعنف، وعلى الحكومة أن تتحرك لتخفيف حجم الأعباء على كاهل المواطنين ولا يمكن التعامل مع مخزون الغضب المكتوم بحالة من الهدوء.
ونشرت الجريدة الرسمية المصرية قرارا لوزارة البترول ينص على رفع أسعار الوقود المحلي اعتبارا من الجمعة، وقالت إن سعر البنزين 80 أوكتان ارتفع إلى سبعة جنيهات للتر (0.45 دولار) والبنزين 92 أوكتان إلى 8.25 جنيه للتر، والبنزين 95 أوكتان إلى 9.25 جنيه للتر، وبلغت الزيادة 0.25 جنيه في كل نوع.
وتُجري لجنة التسعير التلقائي للوقود مراجعة للأسعار كل ثلاثة أشهر، وقررت في يوليو الماضي زيادة أسعار أنواع البنزين الثلاثة بالمقدار نفسه، مستشهدة بالتقلبات في أسعار النفط العالمية وتبعات جائحة فايروس كورونا وخفض إنتاج النفط العالمي.
ورفعت اللجنة الأسعار في أبريل الماضي لأول مرة منذ تشكيلها في أكتوبر 2019 بعد الانتهاء من جانب كبير من الإصلاحات في نظام الدعم الذي كان معمولا به في الوقود والكثير من السلع والخدمات وجرى تقويضه إلى أدنى مستوى له منذ سنوات.
وأكد نائب رئيس الهيئة العامة للبترول للتجارة الداخلية وعضو لجنة التسعير التلقائي في مصر خالد عثمان الجمعة أن فاتورة دعم المواد البترولية في البلاد ارتفعت بنسبة 1.61 في المئة خلال السنة المالية الماضية لتصل إلى 18.9 مليار جنيه (1.21 مليار دولار)، مقابل 18.6 مليار جنيه خلال السنة المالية السابقة عليها.
الحكومة المصرية تغيير سياستها في تسعير المحروقات بالاعتماد على منهج متدرج يمكنها من امتصاص غضب الشعب
وتبنت الحكومة المصرية برنامجا واعدا للإصلاح الاقتصادي حقق نجاحات كبيرة حتى الآن في ظل الحرص على تخفيف الأعباء عن المواطنين وتبني برامج حمائية واجتماعية تقدم مساعدات لفئات فقيرة تقلل من الآثار السلبية لارتفاع الأسعار.
وتتحاشى الحكومة المس بأسعار الخبز باعتباره أحد الممنوعات التي يصعب الاقتراب منها، وعندما ألمح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منذ نحو شهرين إلى رفع الدعم عن الخبز جاءت ردود الفعل الشعبية غاضبة ما اضطره إلى تأجيل الخطوة.
وتعتقد دوائر مصرية أن رفع الأسعار يمكن تحمله ما دون الخبز الذي صار من المحرمات الرئيسية، وقد يؤدي الاقتراب منه إلى تفجير موجة غضب شعبي في مصر، ما يعني أن فكرة الاحتجاجات التي تعتقد الحكومة أنها ضمنت كبتها والسيطرة عليها عبر تشريعات عديدة يمكن أن تتفسخ إذا اتخذت قرارات تتخلى فيها عن الحكمة التي أسهمت في تمرير سلسلة من ارتفاعات الأسعار والخدمات في الفترة الماضية.
وتستخدم وسائل الإعلام التابعة للدولة فزّاعة التدهور الأمني الحاصل في بعض الدول العربية جراء التظاهرات والثورات لإخماد كل محاولة للاحتجاج أو الاعتراض على تصرفات الحكومة في أي من المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.
وتحرص على التحلي بمرونة كافية عندما تجد أن ردود الفعل تأتي سلبية على أي زيادة في أسعار السلع والخدمات، ولا تخجل من التراجع عنها كوسيلة لمنع الاحتجاج أو خروجه عن نطاق المألوف، لأن يقينها بضمان صمت الشعب المصري مشكوك فيه أحيانا بعد تحمله فاتورة باهظة لحزمة من الإصلاحات الاقتصادية.