اختلالات عميقة تحاصر نشاط المقالع في المغرب

تظهر أحدث المؤشرات التي خلصت إليها جهات رقابية في المغرب أن قطاع المقالع يشهد تجاوزات عميقة ما يضيّع على الدولة الاستفادة منه على النحو الأمثل، كما يترك آثارا سلبية على البيئة رغم أن ثمة قوانين ناظمة لهذا المجال المهم للبنية التحتية والبناء.
الرباط- يعاني المغرب بحسب عدد من التقارير من سرقة ونهب ملايين الأطنان من رمال الشواطئ والمقالع غير المرخصة، والتي يتم استخدامها كل سنة في قطاع البناء، وهو ما يهدد بتحولها إلى شواطئ صخرية.
وأكد تقرير حديث صادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن نصف الرمال المستخدمة في البلاد، أي ما يعادل 10 ملايين متر مكعب سنويا، تأتي من استخراج الرمال الساحلية بشكل غير قانوني.
وأشار التقرير الذي اطلعت عليه “العرب” حول “آليات منح التراخيص ومراقبة استغلال الموارد الطبيعية” إلى أن الاستغلال الجائر لبعض أنواع المقالع يؤدي إلى تأثيرات ملموسة اقتصادية وبيئية واجتماعية هائلة.
وذكر معدو التقرير أن الرمال تستخرج غالبا من الشواطئ لبناء الفنادق والطرق والبنى التحتية المتعلقة بالسياحة، لافتين إلى استمرار أعمال البناء في بعض المناطق ما يؤدي إلى وضع غير مستدام وإلى فقدان الميزة الطبيعية الرئيسية للمنطقة أمام الزوار، وهي الشواطئ.
وقالوا إن “الاستغلال الجائر لبعض أنواع المقالع يؤدي إلى تأثيرات ملموسة على المدى القصير والمتوسط والطويل”. ومن بين هذه التأثيرات، تدمير وتدهور النظم البيئية والموائل، وإحداث تغييرات في المناظر الطبيعية، والإضرار بالبنية التحتية للطرق، وغير ذلك.
وعقدت لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بالبرلمان اجتماعا الثلاثاء الماضي لمناقشة تقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة حول مقالع الرمال والرخام المتعثر، بحضور وزير التجهيز والماء نزار البركة.
ونظرت اللجنة في عدد من الخلاصات التي توصل إليها البرلمانيون أثناء زيارتهم إلى عدد من المقالع للوقوف عند الاختلالات، منها أن العديد منها لا تحترم مدة الاستغلال الممنوحة لها في التراخيص، إذ يتم تجاوزها، وبالتالي يتم استغلال المقالع خارج القانون، بالرغم من علم السلطات بذلك.
ووقف البرلمانيون عند ارتكاب مستغلي المقالع تجاوزات خطيرة تتمثل في تجاوز عمق الاستخراج المتفق عليه في دفتر الشروط والتحملات والدراسات التقنية، الأمر الذي يتسبب في تلوث الطبقة المائية، وبالتالي إلحاق أضرار حقيقية بالثروات البرية والبحرية.
وفضلا عن ذلك يفتقد عدد من المقالع لشروط السلامة الصحية، كما حصل في الحادث المميت الذي شهده مقلع الرخام بخنيفرة، السنة الماضية، والذي تسبب في وفاة شخصين بسبب انهيار الحجارة من أعلى قمة الجبل.
وتوصل البرلمانيون إلى أن ثمة مقالع تتسبب في أضرار كبيرة للبيئة، مما يعني أنها إما لا تحترم الشروط المسبقة التي يتم وضعها لاحترام البيئة، أو أنها لا تخضع أبدا للدراسة البيئية.
وأوضحوا أن الإدارات المعنية بقطاع المقالع لا تقوم بالمعاينة الحقيقية والفعالة لمستغليها، ولا تراقب مدى احترامهم للشروط ودفاتر التحملات.
ويشير الخبير إدريس الفينة إلى أن البلديات والسلطات العمومية مطالبة بالمراقبة لأن الوالي (المحافظ) هو الذي يمنح الترخيص، والسلطات تمتلك لوائح مضبوطة حول من يستغل المقالع، والبلديات تخرج اللوائح من عندها لأنها تتوصل بحصتها من الضرائب.
وقال الفينة الذي يرأس مركز المستقبل للتحليلات الإستراتيجي لـ”العرب” إن “الدولة قادرة على تفكيك هذا الملف في وقت معقول لأنها تملك المعطيات اللازمة حوله”.
وأوضح أن الدولة فرضت منذ سنة 2010 شبه ضريبة على المقالع لتمويل تعبيد الطرق في الأرياف ومحاربة دور الصفيح.
وأضاف إن “هذه الضريبة بينت أن المشكلة أكبر وأن التقديرات التي كانت عند الحكومة والدولة شيء وعند تطبيق هذه الضريبة ظهر شيء آخر، وتبين أن القطاع غير المهيكل كبير في هذا المجال”.
وخلص تقرير المجلس الاقتصادي إلى عدد من الإكراهات المرتبطة بتنفيذ آليات منح التراخيص ومراقبة الاستغلال في مجال المقالع، ومن ضمنها أيضا انتهاك حقوق العمال، وإنعاش الغش والتهرب من التصريح بالمداخيل والمساهمة بإنعاش القطاع غير الرسمي.
ويضطلع العديد من الفاعلين بمهام مراقبة استغلال المقالع والسلطة المحلية، وذلك في غياب إطار عام للمراقبة يحدد بوضوح وبشكل مدروس أدوار ومسؤوليات كل الفاعلين في هذا المجال.
ومن بين هؤلاء الفاعلين شرطة المقالع وشرطة المياه والشرطة الإدارية والشرطة القضائية وشرطة البيئة وشرطة الغابات وشرطة الملك العام البحري والشرطة الطرقية واللجان الإقليمية.
ولم يقتصر الأمر على المجلس الاقتصادي والبرلمان بل حتى المجلس الأعلى للحسابات أكد أن دور شرطة المقالع “يبقى محدودا”.
ولغاية نهاية سنة 2022، لاحظ مجلس الحسابات أنه من أصل 300 شخص إداري تقرر تعيينهم من طرف وزارة التجهيز، لم يتم تعيين سوى 190 علما أن معظمهم لا يقومون حصريًا بمهمة شرطة المقالع.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن 75 من هؤلاء الإداريين يشغلون مناصب إدارية كمديرين إقليميين وجهويين غير متناسبة مع مهام شرطة المقالع.
وتطرق مجلس الحسابات من خلال معايناته إلى “فشل” وزير التجهيز الحالي في وضع حد لوقف “نهْب” رمال الشواطئ والمقالع الذي يكبد الدولة خسائر سنوية تصل إلى 5 مليارات درهم (نحو 500 مليون دولار).
وقال إنه “بالرغم من أن القانون الصادر المتعلق بالمقالع جاء في 2015 بعدة آليات لتجويد تدبير القطاع، إلا أنه بسبب تعدد المتدخلين وتراكم الاختلالات على مر السنين لا تزال مجموعة من النقائص في حاجة إلى إيجاد حلول جذرية”.
وتظهر إحصائيات رسمية لهذا المجلس أن عدد مقالع الرمال المصرح بها في البلاد يتجاوز 2920 مقلعا، منها أكثر من 1680 مقلعا نشطا.
وسبق أن أكدت زينب العدوي رئيس مجلس الحسابات في يناير الماضي أن رغم اعتماد آليات لتطوير وتنظيم القطاع قبل تسع سنوات، لكن ثمة العديد من النقائص مازالت قائمة، بسبب تعدد المتدخلين وتراكم الاختلالات وضعف المراقبة والحاجة إلى المزيد من الشفافية.
ولحل هذه المعضلة أشار بركة، إلى أن الدولة شرعت في اتباع نهج شامل لإصلاح القطاع مع وضع إستراتيجية بالتوافق مع كافة الشركاء والوزارات المعنية، التي تشمل الداخلية، وإعداد التراب الوطني، والبيئة، والصيد البحري، والمهنيون، والمجتمع المدني.