احتدام صراع الصلاحيات بين راشد الغنوشي وقيس سعيد

أزاحت إجراءات مواجهة تداعيات فايروس كورونا في تونس الستار عن العلاقة المتوترة بين الرئيس التونسي قيس سعيّد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وهو ما يكشف عن عدم تناغم بين طرفي الحكم مع أول أزمة تعترض البلاد بعد أقل من أربعة أشهر على انتخاب المؤسسات الجديدة. ويكبح الفتور في العلاقة بين الطرفين التسريع في اتخاذ القرارات ويضع صحة التونسيين رهينة خلافات شخصية.
تونس - أثار بيان رئاسة الجمهورية التونسية الداعي إلى احترام الصلاحيات الدستورية في تعامل مؤسسات الدولة مع إجراءات التصدي لفايروس كورونا موجة من الجدل والإحباط في صفوف التونسيين، ففي حين تواجه البلاد مخاطر صحية جسيمة كغيرها من البلدان، تحرص رئاسة الجمهورية على تذكير كل طرف بحدود ومجال تحرّكه.
وجاء في بيان نشرته رئاسة الجمهورية الاثنين على صفحتها الرسمية على إثر لقاء الرئيس قيس سعيّد برئيس الحكومة إلياس الفخفاخ أنه “تم التأكيد خلال اللقاء على ضرورة تكامل عمل مؤسسات الدولة لخدمة المواطنين واحترام كل سلطة لاختصاصاتها دون تداخل أو تضارب أو مضاربات سياسية”.
وبدا الرئيس التونسي قيس سعيّد منزعجا من تصريحات رئيس البرلمان راشد الغنوشي بشأن “ضرورة غلق الحدود البرية والبحرية والجوية” من أجل مكافحة انتشار الفايروس والنظر في إمكانية فرض حضر التجوال، وهو ما اعتبره سعيّد تدخلا في صلاحياته الدستورية وجزءا من “المضاربة السياسة”.
وينص الفصل 80 من دستور البلاد على أنه “في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ رئيس الجمهورية التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب”.
ويطرح هذا الفصل الدستوري قراءات عديدة بشأن المؤسسة التي يخوّل لها اتخاذ التدابير اللازمة في مثل هذا الوضع، ففي حين تذهب بعض القراءات إلى أن حالة الطوارئ التي تعيشها البلاد تخوّل لرئيس الحكومة اتخاذ كافة التدابير، تذهب تأويلات أخرى إلى اعتبار أن البلاد تعيش “حالة استثنائية”، وبالتالي رئيس الجمهورية هو المخوّل لاتخاذ “كل ما يراه صالحا”.
ويرى النائب السابق بالبرلمان التونسي مبروك الحريزي في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية بالفيسبوك أن “الرئيس ليست له صلاحيات للتدخل في تدابير حالة الطوارئ عدا التوجيهات الضرورية ضمن مجلس الأمن القومي أو مجلس الوزراء المتعلق بالموضوع. فالحكومة وحدها هي من تتخذ التدابير اللازمة لمجابهة الطارئ الصحي الحالي وتداعياته”.
وانتقد سعيّد، أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية، في وقت سابق الاستناد إلى مراسيم رئاسية للإعلان عن حالة الطوارئ، لكنه استأنف العمل بها على إثر توليه رئاسة البلاد أواخر العام الماضي.
وساهم تأخر الرئيس التونسي في التوجه بخطاب طمأنة للمواطنين في تفاقم الجدل بشأن التدابير التي يجب اتخاذها لمنع تفشّي الوباء، فيما بدت دعوات فرض حظر تجوال في البلاد وإغلاق جميع الحدود تتحوّل إلى مطلب شعبي، وهو ما لا يعارضه رئيس البرلمان راشد الغنوشي.
وفي وقت ينتظر فيه التونسيون ظهور الرئيس باعتباره مسؤولا عن الأمن القومي، أدلى رئيس البرلمان راشد الغنوشي بتصريحات جاءت فيها مقترحات وتطمينات للتونسيين، وهو ما أغضب الرئيس، حسب مراقبين، ودفعه الى تذكير شركائه في الحكم بصلاحياتهم.
وقال الغنوشي في ندوة صحافية عقدها بمقرّ البرلمان التونسي “سنقدّم لرئيس الحكومة مقترح غلق الحدود البحرية والجوية والبرية من بين الحلول التي تحدّ من انتشار الفايروس”.
وصنّفت رئاسة الجمهورية، تصريحات رئيس البرلمان، ضمن خانة “التداخل في الصلاحيات” و”المضاربات السياسية”، وهو ما يكشف حالة “الفتور” في علاقة الرئيس برئيس البرلمان. وعلّق الناشط السياسي طارق الكحلاوي على التجاذبات بين سعيّد والغنوشي بالقول “بيان رئاسة الجمهورية تلميح لصراع على الصلاحيات”، مضيفا “أي رسالة للرأي العام حول صراع في السلطات رسالة سلبية”.
وبلغت “الخلافات” أوجّها بين قيس سعيّد وراشد الغنوشي على إثر تكليف إلياس الفخفاخ من قبل الرئيس بتشكيل الحكومة التونسية بعد إسقاط البرلمان لحكومة حبيب الجملي، وهو ما اعتبره الغنوشي (رئيس حركة النهضة) ” قفزا” على نتائج الانتخابات التشريعية، حيث عارضت الحركة حينها تكليف الفخفاخ وهددت بإسقاطه في البرلمان تصديا لما وصفته بـ”حكومة الرئيس”.
واستنكر النائب الثاني لرئيس مجلس الشعب طارق الفتيتي بيان رئاسة الجمهورية، معتبرا الخطوة “نشرا لغسيل داخلي” وقال مخاطبا قيس سعيّد “كيف تقوم بإعلام بقية دول العالم بخصومة داخلية بين السلطة التنفيذية والتشريعية أليس هذا شأنا داخليا وقد تربينا على عدم نشر غسيلنا، ألن يزيد هذا في استفحال أزماتنا الاقتصادية والاجتماعية والصحية والمؤسساتية؟ وأي رسالة نبعث بها إلى أصدقائنا في الخارج”، مضيفا “لقد نسفت تاريخ مؤسسة رئاسة الجمهورية التونسية وعراقتها وبروتوكولها”.
وتابع الفتيتي في تدوينة على صفحته بالفايسبوك “لتعلموا أننا السلطة الأصلية والتي بإمكانها سحب الثقة في أي وقت تراه صالحا، خاصة إذا حادت السلطة التنفيذية عن مسارها الطبيعي ألا وهو خدمة الوطن والمواطن وحمايته من كل ما من شأنه أن يمسّ من حياته وأمنه”.