اجتماع البرلمان الليبي في القاهرة محل تجاذبات بسبب عقيلة صالح

غدامس ملاذ النواب من أجل قطع الطريق على ملتقى الحوار الليبي في تونس.
الخميس 2020/11/19
الثقة اهتزت في ملتقى تونس والمشاركين فيه والبعثة الأممية

سرع عدد كبير من نواب البرلمان الليبي من وتيرة تحركاتهم بغية عقد اجتماع عاجل لبحث مستجدات الأزمة والتوصل إلى تفاهمات تقطع الطريق أمام استئناف جلسات الحوار الليبي في تونس، وذلك في وقت تتزايد فيه حدة الانتقادات لعقيلة صالح رئيس البرلمان، الذي يُتهم بأنه يفكر فقط في رئاسة المجلس الرئاسي ولو بعقد تفاهمات مع جماعة الإخوان.

القاهرة – يتحرك عدد كبير من أعضاء مجلس النواب الليبي، بشقيه طبرق وطرابلس، لعقد اجتماع عاجل للتعامل مع تطورات الأزمة الليبية، عقب اقتناع عدد كبير من النواب بأن ملتقى تونس للحل السياسي الأخير حمل أجندة مشوهة.

ووجه رئيس البرلمان المصري علي عبدالعال دعوة إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ومن يرغب من النواب الليبيين لعقد اجتماع تشاوري في القاهرة الثلاثاء المقبل، للتوافق على الثوابت والمعايير التي يتطلبها الحل السياسي في الوقت الراهن.

وجاءت الدعوة المصرية بعد مناقشات سبقتها للتفكير في عقد اجتماع للنواب بالمملكة المغربية، لقطع الطريق على استئناف اجتماعات ملتقى تونس قريبا، واستكمال ما بدأه الاجتماع الأول من تفاهمات بدت منحازة لفصيل معين وشخصيات محددة.

عامر العباني: تمسك عقيلة برئاسة المجلس الرئاسي جعله دمية بأيدي الآخرين
عامر العباني: تمسك عقيلة برئاسة المجلس الرئاسي جعله دمية بأيدي الآخرين

وعلمت “العرب” أن حوالي 112 نائبا وافقوا على عقد الاجتماع في المغرب، وتحفظ آخرون بسبب وجود حضور قوي للتيار الإسلامي وخوفا من أي التباسات سياسية، كما أن المغرب لم يظهر استعدادا رسميا لاحتضان النواب الليبيين في هذا التوقيت.

وجرى التفكير في غدامس الليبية كمكان للاجتماع بعد أن نجحت في استضافة اجتماع اللجنة العسكرية 5+5 مؤخرا، وما حققته الخطوة من رضاء شعبي، ووافق نحو 14 نائبا على غدامس، غير أن عملية الالتئام والانتقال والترتيبات اللوجستية تحتاج لبعض الوقت، خاصة أن عنصر الزمن داهمها.

وشددت مصادر ليبية، تحدثت إليها “العرب”، على أن اجتماع أكبر عدد ممكن من النواب مسألة ضرورية حاليا، لأن البرلمان هو الجسم الدستوري الوحيد في كافة الأجسام السياسية في ليبيا، وعليه أن يتحرك بفاعلية، وينهي حالة الانقسام السائدة في صفوفه، ويتعامل مع الواقع، لأن استكمال ملتقى تونس بالطريقة التي دشنتها المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني وليامز يمكن أن تكون لها تداعيات سلبية.

وأضافت المصادر أن مجلس النواب أمام مسؤولية تاريخية، فإذا ترك الأمر لمن حضروا ملتقى تونس ليحددوا مصير المرحلة المقبلة سوف يتمخض “واقع أكثر بؤسا” مما يراه الليبيون حاليا، وعليه أن يقدم على صحوة تشريعية.

وقدمت القاهرة حلا لمسألة المكان، ووجه رئيس مجلس النواب المصري دعوة لاحتضان اجتماع النواب الليبيين، أملا في إجهاض نتائج ملتقى تونس، والذي لم يكن مريحا لها، واعتبره مسؤولون في مصر “قناة لعودة الإسلاميين من الأبواب الخلفية، ولن يفيد في تقديم حل سياسي واقعي للأزمة الليبية”.

وأبدى البعض من النواب الليبيين تحفظهم على الدعوة المصرية، لأنها جاءت متأخرة بعض الشيء، ورأوا أنه كان يمكن أن تلقى قبولا واسعا لو جرى توجيهها قبل ملتقى تونس، خاصة أن القاهرة احتضنت قبل ذلك اجتماعين مهمين لأعضاء مجلس النواب.

وردّ مصدر مصري على سؤال لـ”العرب” بهذا الشأن فقال “أي دعوة من هذا النوع قبل انعقاد ملتقى تونس كان سيتم تفسيرها وفهمها على أنها خطوة معرقلة من جانب القاهرة لجهود الأمم المتحدة التي راهنت كثيرا على الملتقى، دون أن تكون ملمّة بحقيقة التفاصيل على الأرض في ليبيا”.

ولفت المصدر ذاته إلى أن ما شابه الدعوة من التباسات أدى إلى رفع اجتماعات تونس، ولا أحد يعرف هل ستعود مرة أخرى أم لا، في ظل تطورات خاصة بعدم استبعاد تعجيل الأمم المتحدة بتعيين رئيس جديد لبعثتها للدعم.

وراجت معلومات خلال اليومين الماضيين حول قرب صدور قرار بتعيين الدبلوماسي البلغاري نيكولاي ميلادينوف مبعوث السلام في الشرق الأوسط حاليا، لتولي مهام رئيس البعثة الأممية في ليبيا، وإنهاء مهمة رئيس البعثة بالإنابة ستيفاني وليامز.

معلومات راجت مؤخرا عن قرب تعيين الدبلوماسي البلغاري نيكولاي ميلادينوف مبعوث السلام في الشرق الأوسط حاليا، لرئاسة البعثة الأممية في ليبيا، وإنهاء مهمة وليامز
معلومات راجت مؤخرا عن قرب تعيين الدبلوماسي البلغاري نيكولاي ميلادينوف مبعوث السلام في الشرق الأوسط حاليا، لرئاسة البعثة الأممية في ليبيا، وإنهاء مهمة وليامز

وقال عضو مجلس النواب الليبي محمد عامر العباني “أرحب بعقد اجتماع للبرلمان في القاهرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد التشوهات السياسية التي كاد يحدثها ملتقى تونس، والذي هيمن عليه التيار الإخواني بكثافة، وحاول تجييره للحصول على مكاسب جديدة، وإعادة تدويره في السلطة”.

وأوضح، بعد عودته للقاهرة منذ يومين من بنغازي، لـ”العرب”، أن هناك مشاورات واسعة لقبول الدعوة المصرية، والبعد عن التشظي بين النواب، فالمرحلة الحالية تتطلب قدرا كبيرا من التوافق والتفاهم، بما يتناسب مع عظم التحديات.

وأبدى العباني تحفظه على الدعوة من زاوية مخاطبتها مباشرة لعقيلة صالح، المختلف عليه بين الكثير من النواب، وهو ما جعل بعض النواب يتحفظون على الصيغة التي صدرت بها، لأن عقيلة تزايد الخلاف حوله و”أصبح غير مقبول من جانب عدد كبير من النواب”.

وأكد العباني أن عقيلة “بات الآن متعلقا بفكرة تولي رئاسة المجلس الرئاسي الجديد، ما جعله دمية في أيدي آخرين، وهو مستعد لعمل أي شيء في سبيل ذلك”.

وتعرض رئيس مجلس النواب (طبرق) مؤخرا لانتقادات عديدة من قبل أعضاء البرلمان في الشرق والغرب الليبيين، وجهات سياسية مختلفة بسبب حرصه وتماديه في الحوار مع أعضاء في مجلس الدولة الاستشاري، الذي يقوده الإخواني خالد المشري، أملا في عقد صفقة تفضي إلى تولي عقيلة المجلس الرئاسي.

ويبدو أن الخلاف حول الرجل يمكن أن يقلل من أهمية لقاء أعضاء البرلمان الليبي في القاهرة في 24 نوفمبر الجاري، لأن هناك شكوكا في عدم وقف مصر له، ولم يلتقط هؤلاء الفتور في العلاقة، والذي ظهر في الانفتاح المصري الكبير على برلمانيين كثر في الغرب الليبي، ومحاولة ضبط جوانب من المعادلة السياسية التي حصرت اهتمام القاهرة في الشرق الليبي فقط.

ويعد خيار عقد الاجتماع في غدامس، الأكثر واقعية لدى كثير من النواب الليبيين، من المغرب أو مصر، لإضفاء مصداقية على مخرجاته التشريعية، ومنحها قوة دفع سياسية، باعتبارها لا تخضع لحسابات أي قوة إقليمية.

4