اجتماعات دول جوار ليبيا.. اجتماع يلحقه اجتماع والنتيجة لا شيء

المكايدات السياسية والخلافات بين دول الجوار تحول دون التوصل إلى تفاهمات حول آليات التعامل مع الأزمة الليبية.
الجمعة 2021/08/27
ليبيا تائهة بين استقطابات الداخل وخلافات الجوار

مع أن آلية دول جوار ليبيا للتعامل مع أزمتها لم تفلح على مدار سبعة أعوام في تقديم مقاربات يمكن أن تحقق نجاحا عند تطبيقها على الأرض، غير أن الدول المشاركة فيها لا تزال تتمسك بأهدابها وتصر عليها من باب إثبات الحضور والإيحاء بالفاعلية السياسية، وهو ما ينطبق على الاجتماع الذي دعت إليه الجزائر يومي 30 و31 أغسطس الجاري ضمن محاولاتها الأخيرة للقيام بدور في بعض الأزمات الإقليمية.

تستضيف الجزائر اجتماعا لدول جوار ليبيا يحضره وزراء خارجية: مصر، ليبيا، تونس، السودان، تشاد، النيجر والجزائر، ويشارك فيه ممثلون عن الأمين العام للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بغرض إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية، ويقتصر على الدول الحدودية المعنية مباشرة باستقرار ليبيا، في إشارة إلى عدم مشاركة المغرب.

ربما يكون المغرب غير منخرط في هذه الآلية، لكن يصعب تجاهل انعكاسات الأزمة الليبية عليه، وهو الذي استضاف الكثير من الاجتماعات والمحادثات التي مثلت نقاط تحول فيها، بغض النظر عن النتيجة التي وصل إليها اتفاق الصخيرات، فالأطراف التي يوكل لها مهمة التطبيق تتحمل مسؤولية مضاعفة.

تؤثر إدارة الأزمة الليبية وفقا لمنظور سياسي ضيق على إمكانية تحريكها، الأمر الذي ظهرت تجلياته في غالبية اجتماعات آلية دور الجوار، وأصابها بالترهل منذ بداية اجتماعاتها عام 2014 حيث تأسست كطاولة تشاورية معنية بشكل مباشر بالأزمة الليبية، وعقد آخر اجتماع لها في الجزائر مطلع يناير 2020 وتوصل وزراء الخارجية آنذاك إلى توافق رمزي حول دعم مخرجات مؤتمر برلين الأول.

حالت الكثير من المكايدات السياسية والخلافات بين دول الجوار دون التوصل إلى تفاهمات حول آليات التعامل مع الأزمة، فقد انحازت بعض الدول إلى أطراف داخلية معينة بما أرخى بظلال سلبية على أي دور يمكن أن تقوم به في مجال التسوية السياسية، ففي ظل توازنات قلقة للقوى الإقليمية المنخرطة في الأزمة وتقديرات متناقضة لها من السهولة أن تتهاوى المبادرات السياسية.

كما أن الأزمة لم تعد داخلية أو حتى إقليمية بل أدت تطوراتها المتلاحقة إلى تحويلها لأزمة دولية بامتياز تتصارع قوى كبرى حول التحكم في مفاتيحها ولها تقديرات بعيدة عن مسألة الأمن التي تمثل الهاجس الأول للدول القريبة جغرافيا، بما أدى إلى خصم جانب كبير من قدرة الدول المجاورة على التأثير وبدت أدوارها هامشية إلى حد بعيد، ربما تستطيع تعطيل التوصل إلى تسوية لكنها غير قادرة على ابتكار حلول مناسبة.

الصورة
في حلقة مفرغة

أسهم تكوين الخارطة الليبية من موزاييك سياسي وعسكري له روافد مفتوحة على جهات مختلفة في وضع عراقيل أمام أي محاولة توافرت لها نوايا حسنة للتسوية.

وقاد التباين بين دول الجوار إلى التقليل من التحركات السياسية الفردية والثنائية والجماعية، وبدت الاجتماعات المتتالية في عواصم عدة مثل منتدى لإلقاء خطابات سياسية عقيمة هدفها عدم الخروج من الملاعب المتعددة للأزمة المستعصية.

أخفقت دول الجوار في الحفاظ على دورية اجتماعاتها، كل ستة شهور، وأصبحت تعقد في توقيتات متفاوتة وخالية من جدول زمني محدد أو حتى أجندة ترسم الطريق، وخضعت غالبية اللقاءات لحسابات تتعلق بالدولة المضيفة أكثر من ارتباطها بتطورات الأزمة، وتحولت آلية دور الجوار إلى أشبه بآلية روتينية.

وقد انعكست الأزمات الداخلية في دول الجوار على تحركاتها حيال ليبيا، فجميعها تقريبا تعاني من أزمات احتلت حيزا كبيرا من جهود قادتها وشغلتهم عن الهموم الخارجية من بينها الأزمة الليبية التي انحصر جزء كبير من التركيز عليها في الارتدادات الأمنية الخطرة وما تنطوي عليه من تشابكات وضعت بعض دول الجوار في مرمى عمليات إرهابية ممتدة.

في الوقت الذي شرعت فيه الجزائر لترتيب اجتماعها على مستوى وزراء الخارجية، أعلن عن عقد اجتماع بالمغرب في شهر سبتمبر المقبل لدول الجوار خاص بوزراء الدفاع فقط، ما جعل بعض المراقبين يربطون بين الاجتماعين ضمن الأزمة السياسية المتصاعدة بين البلدين.

وإذا لم تكن هناك علاقة فمن المؤكد أن اجتماع وزراء الدفاع سوف يتأثر بتداعيات أزمة قطع العلاقات السياسية ويقلل من قدرة المجتمعين على التوصل إلى تفاهمات على المستوى الأمني، لأن الجزائر تربطها حدود واسعة مع ليبيا.

وفي خضم التحضيرات لعقد اجتماع وزراء آخر على مستوى دول الجوار، أعلنت وزيرة الخارجية والتعاون الدولي في حكومة الوحدة الوطنية الليبية نجلاء المنقوش عقب لقائها مع مبعوث الأمم المتحدة يان كوبيش أخيرا عن إجراء ترتيبات لعقد مؤتمر دولي جديد حول ليبيا قريبا من أجل استمرار استقرار البلاد.

ينزع الإعلان عن اجتماع دولي ثالث في هذا التوقيت، بعد برلين الأول والثاني، عن اجتماع الجزائر الدسم القليل الذي كان يمكن توافره في ظل الحماس الذي تبديه الدولة الجزائرية للتعاطي مع الأزمة الليبية عبر حرصها على إجراء حوارات مع عدد من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية لتأكيد أنها معنية بها بعد فترة من شبه الغياب بسبب انهماكها في ترتيب أوضاعها الداخلية.

التباين بين دول الجوار أدى إلى التقليل من التحركات السياسية وبدت الاجتماعات المتتالية في عواصم عدة مثل منتدى لإلقاء خطابات سياسية عقيمة هدفها عدم الخروج من الملاعب المتعددة للأزمة المستعصية

وقدم رمطان لعمامرة وزير خارجية الجزائر أثناء استقباله في القاهرة من جانب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في بداية أغسطس الجاري إشارات حول أجندة اجتماع دول الجوار من دون إفصاح عن التفاصيل والأهداف العملية، وبدا أن هناك تنسيقا نظريا لتوحيد جهود دول الجوار لدعم المصالحة في ليبيا.

تحاول الجزائر توفير درجة عالية من الزخم السياسي لمؤتمرها بغية تسليط الأضواء عليه وتصويره على أنه نقلة في مسيرة أزمة أخفقت قوى دولية كبرى في وضع حد لها بعد حوالي عشر سنوات من اندلاعها وتريد جني مكاسب سياسية تصب في صالح نظامها الحاكم كطرف يصعب تجاهله في أي ترتيبات تتعلق بالأزمة الليبية.

وقالت السفارة الأميركية في طرابلس، الثلاثاء، إن لعمامرة أطلع السفير الأميركي ومبعوثها إلى ليبيا ريتشارد نورلاند على خطط بلاده لاستضافة اجتماع الجوار دعما لانتخابات ليبيا والجهود المبذولة لوقف العنف المنطلق من جنوب ليبيا.

ورحبت السفارة من خلال تغريدات على حسابها على موقع تويتر بمبادرة الجزائر في إطار الجهود الدولية المبذولة لتحقيق الاستقرار في ليبيا والمنطقة وتأمين عملية انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة، حيث بدأت واشنطن جهدا دبلوماسيا لمحاصرة كل من روسيا وتركيا ومحاولة تفكيك شبكة تحالفاتهما في دول جوار ليبيا.

يأتي اجتماع دول الجوار في الجزائر عقب تعثر البرلمان الليبي وأعضاء ملتقى الحوار السياسي في التوصل إلى اتفاق بشأن القاعدة الدستورية التي سوف تجرى على أساسها الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر المقبل وفشل عملية إخراج المرتزقة، وظهور ملامح تنذر بتصعيد عسكري يمكن أن يهدد استمرار وقف إطلاق النار المعمول به منذ أكتوبر الماضي، وعدم استبعاد حدوث انفلات أمني يهدد دول الجوار.

وتضع هذه المعطيات مسؤولية كبيرة على دول الجوار، فإذا أخفقت، وهو المرجح، في تقديم رؤية ناصعة للحد من زيادة منسوب الفوضى، فعليها أن تتوارى أو تصلح من آليتها المفككة، لأن ليبيا لم تعد تحتمل المزيد من الاجتماعات بلا طائل.

9