اتفاق نقابة الصحافيين المصريين وتيك توك يثير جدلا حول مواثيق الشرف الإعلامية

طرح الاتفاق بين نقابة الصحافيين المصريين وتيك توك تساؤلات بشأن قدرة تنظيم الإعلام في مصر على ضبط المحتوى المقدم على المنصات الاجتماعية، في ما ذهب آخرون للترحيب بالاتفاق باعتباره خطوة لمجاراة التطورات في سوق النشر الإعلامي.
القاهرة - يتزايد اهتمام وسائل الإعلام العربية بالتواجد على المنصات الرقمية المختلفة بما يساعدها على جذب الجمهور والاستفادة من الأرقام المليارية لمشتركي هذه المنصات، ما يجعلها أكثر حرصا على تقديم مضامين تتماشى مع اهتمامات المتفاعلين معها، لكن ذلك قد يصطدم بمواثيق الشرف الإعلامية، وضوابط النشر المهنية التي تتراجع سطوتها مع ذوبان الفوارق بين وسائل الإعلام التقليدية والرقمية.
وأثار بروتوكول وقعته نقابة الصحافيين المصريين مع منصة تيك توك جدلاً واسعًا حول جدوى اتفاق يركز في إجمالي مضمونه على تحسين الجودة المهنية، والمحتوى الذي يقدمه صحافيون على منصة تحقق مشاهدات هائلة للمضامين المقدمة من خلالها، وتعد وسيلة انتشار سهلة للكثير من المواقع الإخبارية الساعية للإعلان عن نفسها.
وطرح الاتفاق تساؤلات بشأن قدرة الهيئات النقابية وجهات تنظيم الإعلام في مصر على ضبط المحتوى المقدم على تيك توك وغيره من المنصات، وهل يمكن القول إن مواثيق الشرف التي جرى إقرارها في السابق لضمان تقديم محتوى مهني على وسائل الإعلام تتماشى مع مواقع التواصل الاجتماعي، وكيف يمكن التعامل مع وسائل الإعلام والصحافيين بمعزل عن مقدمي محتوى ليس لهم ارتباط مباشر بالإعلام.
وقالت نقابة الصحافيين المصريين إن الهدف من التوقيع على البرتوكول تعزيز الوعي الرقمي والثقافة الإعلامية، ورفع التوعية حول اكتشاف المعلومات المضللة، وحماية الخصوصية عبر الإنترنت، وإقامة ورش عمل لأعضائها، لتقديم التدريب والأدوات اللازمة لتعزيز مهاراتهم في التعامل مع التكنولوجيا الرقمية والتحديات الإعلامية المعاصرة، وتطوير مهارات إنتاج المحتوى الرقمي بطريقة آمنة وفعالة.
ونظر البعض إلى الخطوة باعتبارها إيجابية لأنها تحاول مجاراة التطورات في سوق النشر الإعلامي، ووضحت ذلك ضمن مبرراتها التي ساقتها لأعضائها عند التوقيع على الاتفاق، مشددة على أنها تسعى “لبناء معارف واسعة ومهارات متخصصة تساهم في دعم القدرات المهنية لتوصيل رسالة إعلامية واضحة للمتلقي”.
ومع ذلك لم يقتنع كثيرون، ويرون أنها متأخرة على مستوى الاعتراف بالصحافيين العاملين بالمواقع الإلكترونية قبل أن تتجه لمتابعة جودة المحتوى على مواقع التواصل.
كما أن تدريب الصحافيين هو الخيار المتاح أمام الجهات الرسمية، مع الاقتناع بصعوبة ضبط المحتوى الذي تقدمه المواقع والصحف على المنصات الرقمية، والتي تتعامل معها كوسيلة تهرب بها من أيّ قيود وقوانين تُلزمها باتباع المعايير المهنية.
ويتفق العديد من العاملين في مجال الإعلام على أن مواقع التواصل جزء رئيسي من أساسيات العمل داخل المؤسسات الإعلامية، وتشكل أحد أبرز مصادر الدخل التي تعتمد عليها المواقع التي تتعامل مع “ترندات” الأخبار والأحداث، على أنها المحرك الأول لاتجاهات العمل اليومي، ويتطلب ذلك تدخلاً لضبط ما تقدمه من محتويات، وفي الكثير من الأحيان تنافي جميع الأعراف والمواثيق الإعلامية المعروفة.
وأتاح تراجع أدوار نقابة الصحافيين والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (مسؤول عن تنظيم الإعلام)، الفرصة لتدشين مواقع إخبارية تقوم على كيفية توجيه محتوياتها لجمهور المنصات الرقمية، وتستخدم جميع الأساليب التي تضمن جذب الجمهور وتدرك أنها بعيدة عن طائلة العقاب، لأن ما يتم نشره على وسائل الإعلام لا يخضع للضوابط المهنية المطلوبة.
وأوضحت أستاذة الإعلام الرقمي بجامعة القاهرة سهير عثمان أن تحقيق هدف ضبط المحتوى الإعلامي على المنصات الرقمية يمكن أن يتحقق نظريا، لكن مستحيل تطبيقه على أرض الواقع، والعنصر الأهم في منظومة النشر على هذه المنصات هو الصحافي الذي يجد أمامه الكثير من مواثيق الشرف الإعلامية غير المفعلة.
تراجع أدوار نقابة الصحافيين والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أتاح الفرصة لتدشين مواقع إخبارية تقوم على كيفية توجيه محتوياتها لجمهور المنصات الرقمية
وأضافت لـ”العرب” أن البعض من الصحافيين الشباب لا يقتنعون بأهميتها، ويمكن أن يكون اتفاق النقابة وتيك توك خطوة لا بد أن تعقبها خطوات أخرى، فالاكتفاء بتنظيم دورات تدريبية أمر إيجابي، لكن لا يضمن تمكن المؤسسات الإعلامية من ضبط توجهات العاملين بها.
ولفتت إلى أنه بالتدقيق في ما تقوم المواقع الإلكترونية الإخبارية بنشره يشوبه العديد من المشكلات، وحال لم يكن لدى الجهات الرسمية قدرة على ضبط ومتابعة المحتوى المنشور عليها، من الصعب ضبط ما يتم نشره من محتوى على المنصات الرقمية.
وشددت في حديثها لـ”العرب” على ضرورة أن تضع الجهات المعنية في حسبانها أن المنصات الرقمية تحاول التأكيد على أنها تبذل جهوداً لتحسين جودة ما تبثه من معلومات، وتكمن الأزمة في وسائل الإعلام التقليدية التي يمكن أن توظف مثل هذه التفاهمات لتحسين صورتها ومواجهة نشر الأخبار المضللة، بالتالي فوجود جهات تتولي مسؤولية إعداد تقارير دورية عمّا يتم نشره من جانب وسائل الإعلام على مواقع التواصل عملية مهمة لضمان تحسين جودته.
وجاء اتفاق نقابة الصحافيين المصريين مع تيك توك في وقت أشار فيه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى أنه “يتخذ العديد من الإجراءات تجاه تطبيقات تيك توك وغيرها في المحتوى غير المناسب، منها إزالة المحتوى ثم حجب هذا المحتوى داخل مصر”، ما يعني عدم وجود خطط متفق عليها رسميا بشأن التعامل معها وبين الانفتاح والاعتماد عليها في تدريب الصحافيين، وبين اتخاذ خطوات قد تؤدي في النهاية إلى حجب المنصة مع تكرار الحديث عن ذلك الأمر.
البعض نظر إلى الخطوة باعتبارها إيجابية لأنها تحاول مجاراة التطورات في سوق النشر الإعلامي
وذكر خبير تشريعات التحول الرقمي والملكية الفكرية محمد حجازي أن غالبية مشكلات المحتويات المنشورة على مواقع التواصل لا تأتي من المضامين الإعلامية المباشرة، لكنها تنبع من المستخدمين العاديين الذين أضحوا منصات إعلامية خاصة بذاتهم، وأن الصحافيين محكومون بضوابط تفرضها مؤسسات يعملون بها، وقد يكون هؤلاء مشهورون ومعروفون لدى العامة، بالتالي فتوقيع اتفاقيات مع جهات رسمية لتحسين جودة المحتوى لن يحسّن إجمالي ما يتم نشره من فيديوهات.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أنه يجب التفرقة بين المحتويات الهادفة وغير الهادفة والقانونية وغير القانونية، ويصعب تغيير نوعية المحتويات طالما في إطارها القانوني، والإيجابي في اتفاق نقابة الصحافيين أنه قد يسهم في تطوير مهارات الصحافيين للاستفادة من جميع الخواص التكنولوجية التي توفرها المنصة، لكنه لن يترك تأثيراً مجتمعيا، فأعداد من يتلقون التدريبات لا يتجاوز الآلاف بين الملايين من المستخدمين، والمنصة المستفيد الأول لأنها تريد تحسين المحتوى المقدم من خلالها.
ولفت إلى أن مهمة ضبط المحتويات الإعلامية على المنصات الرقمية أمر صعب للغاية، فهذه المنصات لا تتواجد على الأراضي المصرية، وترتبط باقتصاديات ضخمة تستفيد منها قطاعات كبيرة من المواطنين، وأيّ قرارات تتخذها جهات رسمية يجب أن تضع في اعتبارها البعد الاقتصادي.
وعلاوة على أن الآليات القانونية التي تسمح بتنظيم نشر المحتوى قد لا تكون متماشية مع الواقع الراهن الذي تتدفق فيه المعلومات بشكل غزير وسريع للغاية، ومصر في حاجة إلى إطار قانوني منضبط ويكون إطاره العام قابلا للتنفيذ على الأرض.
وتبقى جهود التعامل مع المضامين المنشورة من جانب جهات نقابية أو رسمية تقابلها تطورات أكثر سهولة تتماشى مع واقع التطور التكنولوجي، وتتمثل في أدوات “جوجل لتدقيق الأخبار”، التي يمكن أن يعتمد عليها جمهور المستخدمين في تحرّي مصداقية الأخبار المنتشرة على المواقع الإلكترونية والشبكات الاجتماعية لسهولة استخدامها، ودقة نتائجها لاعتمادها على منصات تدقيق الحقائق المحلية والعالمية، ما يبرهن أن التكنولوجيا تسبق المجهود البشري ضمن مساعي ضبط المحتوي، كما يؤكد ذلك على أن الجهات النقابية قد توظف مثل هذه الأدوات لتسهيل مهمة عملها.