اتفاق الدفاع المشترك مع واشنطن هدية ملغومة تقسم الإسرائيليين

المؤسسة الأمنية في إسرائيل تتجند لوأد مشروع نتنياهو في المهد.
الجمعة 2019/12/13
أمنيون رافضون: واشنطن حليف قد نختلف معه

الدوائر السياسية والأمنية في إسرائيل تخوض هذه الأيام جدلا واسعا بشأن إصرار رئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو على إبرام اتفاقية للدفاع المشترك مع الولايات المتحدة. ويعتقد قطاع عريض في إسرائيل أن غايات انتخابية خلف إحياء نتنياهو للمشروع القديم الجديد، الذي وللمفارقة كان يتحفظ عليه في السابق.

قرر الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) حل نفسه وإجراء انتخابات مبكرة في مارس المقبل، بعد أن أخفق في تكليف أحد أعضائه بتشكيل حكومة، ما يفتح الباب أمام معركة انتخابية حامية سيحاول خلالها رئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو جاهدا الإبقاء على حظوظه للفوز بها، فأهمية الرهان بالنسبة لنتنياهو لم تعد محصورة في الحفاظ على استمراريته السياسية بل تعدتها إلى “معركة وجود” بفعل اتهامات الفساد الموجهة إليه، والتي قد تجره إلى السجن في حال أخفق في تجديد الحصانة البرلمانية.

كل الأسلحة مشروعة

يعتبر نتنياهو الذي يتولى زعامة حزب الليكود اليميني أن كل الأسلحة مشروعة في هذه المعركة بالذات، وقد بدأ بالفعل التجنيد لها مراهنا على دور الحلفاء في الداخل والخارج وخاصة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يأمل في أن يظل على سخائه المعهود لجهة الإقرار بسيادة إسرائيل على غور الأردن الذي يشكل ثلث مساحة الضفة الغربية وأيضا توقيع اتفاقية للدفاع المشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وسبق أن أغدق ترامب على حليفه نتنياهو أو “بيبي” كما يحلو لأنصاره مناداته هدايا ثمينة خلال الاستحقاقين السابقين (أبريل، وسبتمبر الماضيين) كان أثمنها، نقل السفارة الأميركية إلى القدس بعد الاعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل في نهاية العام 2017، وأيضا الإقرار بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 وضمتها إليها في العام 1981.

وقال الرئيس الأميركي الأحد الماضي خلال مؤتمر للمجلس الإسرائيلي الأميركي (إيباك) إن إسرائيل لم يكن لديها صديق قط في البيت الأبيض أفضل منه، مشيرا إلى أن رؤساء الولايات المتحدة طوال عشرين عاما الماضية كانوا يعدون إسرائيل دون نية للوفاء بتلك الوعود، “لكنني وعدت وأوفيت”.

واستعرض ترامب في كلمة أمام “إيباك” بفخر ما قدمه كرئيس للولايات المتحدة إلى إسرائيل، وقال إن أفضل إنجاز هو الانسحاب من الاتفاق النووي “ومواجهة إيران، أكبر رعاة الإرهاب في العالم”. وأضاف “رؤساء ورؤساء حكومات وملوك حاولوا إقناعي دون جدوى بعدم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل خشية أن يتسبب ذلك في موجات عنف لكنها لم تحدث”، معتبرا أيضا أن الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان “كان ضروريا لدعم الأمن الإسرائيلي”.

وتعكس تصريحات ترامب الذي يواجه هو نفسه انتخابات رئاسية مصيرية، فضلا عن إجراءات لعزله على خلفية “أوكرانيا غيت” أنه لن يمانع في إغداق المزيد من الهدايا على إسرائيل للحصول على دعم يهود الولايات المتحدة، وسبق أن صرح في سبتمبر الماضي أنه يأخذ بعين الاعتبار توقيع معاهدة للدفاع المشترك معها.

غادي آزنكوت: إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها دون توقيع المعاهدة
غادي آزنكوت: إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها دون توقيع المعاهدة

ينظر زعيم الليكود إلى ضم غور الأردن واتفاقية الدفاع المشترك التي تثير جدلا كبيرا في الداخل الإسرائيلي على أنهما هديتان ثمينتان يمكن أن تقلبا المعادلة كليا لصالحه ولصالح حزبه لدى الناخب الإسرائيلي أمام صندوق الاقتراع، بما يفسح له المجال لتشكيل حكومة دون الاضطرار إلى الخضوع لابتزاز منافسيه، والأهم منحه هامشا مهما من الوقت لإدارة معركته القضائية، التي قد تطول لسنوات.

وصادق الكنيست الخميس على قرار بحله تمهيدا لانتخابات تقرر إجرائها في 2 مارس المقبل، وهذه ثالث انتخابات تجري في إسرائيل في أقل من عام بفعل عجز كل من حزب الليكود وتحالف أزرق أبيض (يسار وسط) عن تشكيل حكومة في ظل عدم امتلاك أي منهما لأغلبية تؤهلهما لذلك (دعم 71 نائبا)، فضلا عن عدم توافقهما على تأليف حكومة وحدة في ظل لعبة الشروط والشروط المضادة.

ولئن يوجد إجماع إسرائيلي على ضم الغور الذي تسيطر إسرائيل على أكثر من ثلثي مساحته، بيد أن الخلاف يبقى على مسألة توقيع معاهدة للدفاع المشترك مع الولايات المتحدة حيث تنقسم المؤسستان السياسية والأمنية حول الجدوى من هذه الخطوة التي في حال أقرت قد تقيد تحركات إسرائيل العسكرية مستقبلا في الوقت الذي تموج فيه المنطقة بتقلبات خطيرة تخشى إسرائيل من أن تطالها رياحها.

وعلى خلاف المرات السابقة يلمس القادة الأمنيون الحاليون والسابقون في إسرائيل جدية لدى نتنياهو في السير قدما في إبرام الاتفاقية، خاصة بعد أن كشفت تصريحات له أن اللقاء الذي جمعه قبل أيام بوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في العاصمة البرتغالية لشبونة ركزت على هذه المسألة إلى جانب محاولة إقناع الإدارة الأميركية بضرورة دعم خطة ضم الغور الذي في حال إن تمّ سيعني نهاية أي آمال في تسوية القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.

وقال نتنياهو في تصريح مقتضب للصحافيين، في برشلونة على هامش زيارته “أريد أن أستغل وجود دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، لكي أبرم معه معاهدة دفاع مشترك، لأنني وحدي من يستطيع فعل ذلك معه”.

ورفض زعيم الليكود الاتهامات التي وجهتها له المعارضة ووسائل الإعلام الإسرائيلية بأن زيارته إلى لشبونة كان هدفها “إشغال الرأي العام الإسرائيلي عن الاتهامات الموجهة إليه”، قائلا “عقدت اجتماعا مهما مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ناقشنا خلاله 12 قضية، وهناك عدد غير قليل منها مرتبط بإيران، إضافة إلى معاهدة الدفاع المُشترك”، التي قال إن المسودة المتعلقة بها باتت جاهزة.

ودفعت نوايا نتنياهو بشأن الاتفاقية إلى تجنّد المؤسسة الأمنية وشن حملة إعلامية ضد تلك الخطوة والعمل على وأدها في المهد، وقال رئيس هيئة الأركان السابق غادي آيزنكوت، في ندوة عقدت بمعهد دراسات الأمن القومي، مساء الثلاثاء الماضي، إن إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها دون الاضطرار إلى توقيع المعاهدة الأميركية.

وشدد آيزنكوت “هذا ليس ضروريا، ليس عندما تكون إسرائيل في ذروتها العسكرية، مقارنة بأعدائها. هذا ليس شيئا” وقال إن إسرائيل قوية للغاية وأعداؤنا يعرفون ذلك. نحن نعرف ما هو الصحيح لتقديمه الآن. ما يجب تقديمه الآن هو العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة”.

ويعتقد القادة الأمنيون في إسرائيل أن مثل هذه الاتفاقية ستظهر الجيش الإسرائيلي في حالة من الضعف أمام أعدائه وهذا خط أحمر، فضلا عن كون العقيدة التي بنيت عليها إسرائيل ترتكز أساسا على الرهان على الذات اساسا و”لا بأس بدعم الحلفاء” شرط الاحتفاظ بحرية القرار والتصرف.

وأبدى وزير الدفاع الأميركي السابق، آش كارتر، الذي كان مشاركا في الندوة، ذات الموقف حيث اعتبر أنه لا حاجة إلى اتفاق دفاعي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لأن البلدين متفقان أصلا. وأضاف كارتر “إننا نعمل معا بشكل جيد وفعال دون الاضطرار إلى كتابة ذلك في معاهدة”.

ويستند نتنياهو في تبيان وجاهة توقيع مثل هذه المعاهدة إلى جملة من الأسباب لعل أهمها، هو مواجهة التهديد الإيراني، فضلا عن كونه يعتبر أن المخاوف من أن تقيد الاتفاقية تحركات الجيش الإسرائيلي ليست في محلها، ذلك أن أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) خاضوا حروبا دون الاضطرار للعودة إلى الحلف.

ورطة الاتفاق

المواقف الرافضة للاتفاقية صدرت من عدة جهات مؤيدة ومنافسة لنتنياهو على غرار زعيم “أزرق ابيض” الجنرال السابق بيني غانتس، الذي مع استشعاره إمكانية أن يذهب رئيس الوزراء المنتهية ولايته في تنفيذ خطوته أعاد ارتداء بزته العسكرية مطلقا سهامه صوب نتنياهو.

بيني غانتس: هناك قلق شديد من أن رئيس الوزراء نتنياهو يعمل لحسابه الخاص
بيني غانتس: هناك قلق شديد من أن رئيس الوزراء نتنياهو يعمل لحسابه الخاص

وقال غانتس، الاثنين، إنه يعارض بشدة توقيع أي اتفاق دفاع مشترك مع الولايات المتحدة ، معتبرا أن من شأن ذلك أن يكبل أيادي إسرائيل في الدفاع عن أمنها ضد التحديات التي تواجهها.

وأضاف زعيم تحالف “أزرق ابيض” قائلا “أقدر بشكل كبير العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. حليفنا الذي نتقاسم معه ذات القيم والمصالح المشتركة، ولكن هناك قلقا شديدا من أن رئيس الوزراء نتنياهو الذي تلاحقه تهم الفساد يعمل لحسابه الخاص، وسيسمح بتكبيل يدي الجيش الإسرائيلي على نحو يخالف موقف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي عارضت على مدى عقود توقيع اتفاق كهذا”.

رغم أن الولايات المتحدة ترى في إسرائيل الحليف الاستراتيجي الأوثق في المنطقة والذي يحتل مكانة خاصة لديها، فإن مصالح البلدين قد تتناقض، فعلى سبيل المثال أثارت غارات جوية يعتقد أنها إسرائيلية على مواقع لميليشيات الحشد الشعبي في العراق قبل أشهر، انتقادات في الداخل الأميركي لما قد تشكله ردود الفعل على تلك الغارات من تهديد لحياة القوات الأميركية المنتشرة في ذلك البلد.

ويتساءل القادة الأمنيون في إسرائيل ماذا لو كانوا حينها مرتبطين بمعاهدة للدفاع، هل سيكون بإمكانهم التحرك بفاعلية دون الاضطرار إلى الحصول على موافقة من الإدارة الأميركية.

ويعيد هؤلاء التذكير بحادثة استهداف إسرائيل للمفاعل النووي العراقي في 7 يونيو 1981، وكيف كان الرد الأميركي الرافض، وقال وزير الدفاع الأسبق في حكومة بنيامين نتنياهو موشيه يعالون “لو كانت واشنطن وتل أبيب قد توصلتا إلى اتفاق كهذا قبل 1981، ما كانت إسرائيل ستقوم بتدمير المفاعل العراقي”.

وحذر يعالون الذي يعدّ اليوم أحد الخصوم السياسيين لنتنياهو من أنه، بموجب اتفاق كهذا، قد تخسر إسرائيل قدرتها على مهاجمة أهداف تابعة لإيران في سوريا ولبنان والعراق مضيفا “إذا كنا في تحالف دفاعي، سيكون للأميركيين حق النقض”.

والحديث عن توقيع اتفاقية للدفاع المشترك ليس جديدا بل يعود إلى قيام إسرائيل في نهاية أربعينات القرن الماضي، وكان المسؤولون المتبنون لهذه الخطوة يعدون على أصابع اليد الواحدة، وحتى نتنياهو نفسه كان أحد المتحفظين عليها.

وهذه الحال تنطبق أيضا على الإدارات التي تعاقبت على البيت الأبيض على غرار إدارتي جورج بوش، وباراك أوباما، اللذين أظهرا تحفظات على إبرام مثل هذه الاتفاقية خشية أن تجرهم إسرائيل إلى معارك وحروب هما في غنى عنها وتتعارض مع مصالحهما، ولكن بالنسبة لترامب الذي يحرص أن يكون الاستثناء فهو على ما يبدو مستعد، وإن كانت هذه المسألة ليست بالمطلق في يده حيث سيكون مضطرا إلى الحصول على موافقة الكونغرس.

وترتبط إسرائيل بعلاقات عسكرية وثيقة مع الولايات المتحدة، وهناك مشروع مشترك بينهما لتطوير أنظمة دفاع جوي، وبالتالي فإن توقيع اتفاقية للدفاع المشترك من وجهة نظر الكثيرين في البلدان تكون سلبياته أكثر من فوائده.

7