"اتحاد دول الساحل" بناء كونفدرالي جديد لإعادة تشكيل الوضع الجيوسياسي في غرب أفريقيا

في مركز المهاتما غاندي بالعاصمة النيجرية نيامي، أعلن رسميا عن تأسيس كونفدرالية دول الساحل التي تضم كلا من النجير ومالي وبوركينا فاسو، والتي جاءت لتؤكد على مستوى التحولات الإستراتيجية والجيوسياسية التي تشهدها دول الساحل في سياق ما يعتبره المراقبون انتفاضة في وجه الاستعمار الفرنسي بوجهيه المباشر قبل الاستقلال وغير المباشر لمرحلة ما بعد قيام الدولة الوطنية التي ظلت حبيسة إرادة المستعمر السابق عبر أدواته المحلية.
وخلال قمة السادس من يوليو الجاري، ألقى القادة الثلاثة القادمون من المؤسسات العسكرية لبلدانهم نظرة عامة على السياق الجيوسياسي لمنطقة غرب أفريقيا الفرعية وبحثوا الوضع الأمني في منطقة الحلف، كما درسوا من وراء الأبواب المغلقة بعد جلسة الافتتاح، تفعيل تحالف دول الساحل بالإضافة إلى قضايا التنمية.
وفي ما يتعلق بالسياق الجيوسياسي لمنطقة غرب أفريقيا الفرعية، على سبيل المثال، أشار رؤساء الدول إلى المسؤولية الجسيمة التي تتحملها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في تآكل قيم الأخوة والتضامن والتعاون بين الدول والشعوب المعنية. ورحبوا “بانسحابهم الفوري وغير القابل للنقض” من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، كما أكدوا من جديد “السيادة الكاملة لكل دولة من الدول الأعضاء في تحالف دول الساحل في الخيارات الإستراتيجية التي تساهم في خير شعوبها”.
ودشن القادة الثلاثة المالي العقيد عاصمي غويتا، والبوركينابي النقيب إبراهيم تراوري، والنجيري الجنرال عبدالرحمن تشياني، مرحلة جديدة من التعاون بين دولهم في سياق البناء الكونفدرالي الذي يمثل في مفاهيم السياسة الدولية رابطة أعضاؤها دول مستقلة ذات سيادة تفوض بموجب اتفاق مسبق بعض الصلاحيات لهيئة أو هيئات مشتركة لتنسيق سياساتها في عدد من المجالات وذلك دون أن يشكل هذا التجمع دولة أو كيانا وإلا أصبح شكلا آخر يسمى بالفيدرالية.
كما أن الكونفدرالية تحترم مبدأ السيادة الدولية لأعضائها وفي نظر القانون الدولي تتشكل عبر اتفاقية لا تعدل إلا بإجماع أعضائها، وفي السياسة الحديثة، فإن الكونفدرالية هي اتحاد دائم للدول ذات السيادة للعمل المشترك في ما يتعلق بالدول الأخرى، حيث عادة ما تبدأ بمعاهدة ولكنها غالبا ما تلجأ في وقت لاحق إلى اعتماد دستور مشترك.
رؤساء الدول الثلاث شددوا على ضرورة تجميع مواردهم بهدف تنفيذ هيكلة وتكامل المشاريع في القطاعات الإستراتيجية
ويشير المراقبون إلى أهمية مخرجات قمة نيامي في تكريس الواقع الجديد الذي بدأ يفرض نفسه في منطقة غرب أفريقيا، والذي لا يمكن تجاهل تأثيراته المرتقبة على دول شمال ووسط القارة، لاسيما أن لاتحاد دول الساحل حدودا مشتركة مع ثلاث دول عربية بارزة وهي موريتانيا والجزائر وليبيا، كما لها خطة تعاون إستراتيجية مع المملكة المغربية وهي المتعلقة بالنافذة الأطلسية كآداة للانفتاح الأوسع على العالم.
ويضيف المراقبون أن اتحاد دول الساحل يحمل على كاهله جملة من القضايا والملفات المهمة من بينها الحرب على الإرهاب، واستعادة السيطرة على المقدرات الوطنية، وإعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية للمنطقة بالعمل على اجتثاث الدور الفرنسي وإعادة ترتيب العلاقات مع الدول الغربية وفق مصالح تلك الدول، والاتجاه لعقد شراكات إستراتيجية سياسية وأمنية وثقافية مع روسيا وتطوير التعاون الاقتصادي مع الصين وربط علاقات قوى مع دول البريكس.
وخلال قمة نيامي، تحدث رئيس النيجر الجنرال عبدالرحمن تشياني عما وصفه بـ”العزم القوي” لرؤساء الدول على استعادة سيادة بلدانهم، مع “هذا التحالف القوي” الذي يمثل جيش الإنقاذ، وأبرز أن الحلف في بنيته المستقبلية ستكون له مهمة تتجاوز الحرب ضد الإرهاب، وهي مكافحة التمرد واللصوصية المسلحة وأي عدوان من الخارج، إذ “من أجل دعم تحقيق طموحات التحالف ومهامه، سيتم التركيز بشكل خاص على الأمن الغذائي والاستقلال الاقتصادي والنقدي. وسيتم دعم هذه الإجراءات من خلال تعزيز الربط البيني (الطرق وشركات الطيران والصناعات الاستخراجية وغيرها) داخل الخدمة الجوية المشتركة”.
وركز رؤساء دول تحالف دول الساحل على السياق الجيوسياسي لمنطقة غرب أفريقيا، خلال قمتهم الأولى في السادس من يوليو 2024 في نيامي بالنيجر، وفقا للبيان الختامي للقمة، وذكّروا بالمسؤولية الجسيمة التي تتحملها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في تآكل قيم الأخوة والتضامن والتعاون بين الدول والشعوب المعنية.
وأكد القادة الثلاثة على الأثر الضار للعقوبات غير القانونية وغير الشرعية واللاإنسانية والتهديدات بالعدوان على دولة ذات سيادة، وأشادوا بمرونة سكان دول اتحاد الساحل الثلاث والتي كانت حاسمة في رفع العقوبات التي فرضها الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا بتحريض من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
كما رحبوا بالانسحاب الفوري وغير القابل للإلغاء من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا. وأكدوا من جديد السيادة الكاملة لكل دولة من الدول الأعضاء في اتحاد الساحل في الخيارات الإستراتيجية التي تساهم في رفاهية سكانها. ومن القرارات التي تم الإعلان عنها في قمة نيامي إنشاء بنك استثماري وصندوق استقرار لدول اتحاد الساحل، وأصدر رؤساء الدول تعليماتهم للوزراء بتنفيذ إستراتيجية اتصال فعالة لتوفير معلومات صحية للسكان من خلال زيادة استخدام اللغات الوطنية في وسائل الإعلام العامة والخاصة، وتم إقرار إنشاء منصات رقمية معتمدة مدعومة بسردية تتوافق مع تطلعات الشعب.
وفي ما يتعلق بحرية حركة الأشخاص والبضائع، أصدر رؤساء الدول تعليماتهم للوزراء المختصين بإعداد مشاريع بروتوكولات إضافية تتعلق بهذا الأمر بشكل عاجل من أجل التعامل مع الآثار المرتبطة بانسحاب البلدان من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
وقرر الرؤساء غويتا وتراوري وتشياني إيلاء اهتمام خاص للتماسك الاجتماعي والاستقرار والشباب والرياضة والثقافة والتعليم والتدريب المهني والتوظيف والصحة، واتفقوا على عقد الدورة المقبلة للكلية عام 2025 في موعد يحدد بالاتفاق المتبادل.
وشدد رؤساء الدول على ضرورة تجميع مواردهم بهدف تنفيذ هيكلة وتكامل المشاريع في القطاعات الإستراتيجية، ولاسيما الزراعة والأمن الغذائي، المياه والبيئة، الطاقة والتعدين، التجارة والتجهيز الصناعي، البنية التحتية والنقل، الاتصالات والاتصالات السلكية واللاسلكية، حرية حركة الأشخاص والبضائع، والاقتصاد الرقمي.
ويرجح محللون إقليميون أن تشهد المرحلة القادمة الإعلان عن إطلاق جملة من المؤسسات الموحدة ومنها المصرف المركزي لدول اتحاد الساحل بما يعني إطلاق عملة موحدة جديدة للدول الثلاث.
وأكد الرئيس المالي العقيد عاصمي غويتا وجود اتفاق بين الزعماء الثلاثة على مواجهة الإرهاب بعقيدة اتحادية، وقال “تخطط قواتنا الآن لوضع هجومي… ومن الواضح أن الخوف قد تغير”، وأضاف في كلمته خلال القمة أنه تم الاهتمام بالبعد الأمني الذي كان سببا في إنشاء اتحاد دول الساحل بشكل مثالي من قبل قوات الدفاع والأمن في الدول الأعضاء التي تعمل بتكامل تام في مواجهة الهجمات الإرهابية، وفق تعبيره، مشددا على أن تلك القوات تخطط الآن لاتخاذ موقف هجومي لتحييد هذه الجماعات الخارجة عن القانون.
وأضاف غويتا أن “التزام وتصميم رجالنا ونسائنا على القتال يجعلاننا فخورين، لاسيما في ضوء الانخفاض الذي لا يمكن إنكاره في انعدام الأمن في مجال الاتحاد، واليوم، من الواضح أن الخوف قد تغير. والدليل على ذلك أننا نشهد بانتظام أعمال استسلام من قبل العناصر الإرهابية التي تلقي أسلحتها أمام جيوشنا الوطنية”، معتبرا أن “إنشاء قوة اتحاد دول الساحل المشتركة في مارس 2024 هو رمز لوحدة العمل لدينا وتصميمنا على حماية سكاننا معا والحفاظ على سيادتنا”.
واستنكر الرئيس البوركينابي النقيب إبراهيم تراوري، “صور الاستقلال الممنوحة للدول الأفريقية في الستينات”، والتي أعقبها نهب الموارد الطبيعية والإرهاب، وتحدث عما وصفه بالمعنى العميق للثورة الجديدة التي تهدف فقط إلى منح دولهم استقلالا حقيقيا وسكانها تطورا حقيقيا.
وعلى الرغم من التلاعب بجميع أنواعه والتضليل الذي يمارسه أعداء الشعب، أصر الكابتن إبراهيم تراوري “لن نرتعد، سنواجه، بينما نبتهج بالتضامن المكتسب داخل الفضاء المشترك”، وأشار إلى أن الالتزام الذي ساد عند إنشاء تحالف دول الساحل في السادس عشر من سبتمبر 2023 لن يضعف أبدا.
وقال تراوري إن هذه القمة “تمثل خطوة حاسمة لمستقبل مساحتنا المشتركة” وأضاف “معا، سنعمل على ترسيخ أسس استقلالنا الحقيقي، وهو ضمانة للسلام الحقيقي والتنمية المستدامة من خلال إنشاء اتحاد ‘تحالف دول الساحل'”، مشيرا إلى أن منطقة الصحراء الكبرى مليئة بالإمكانات الطبيعية الهائلة التي، إذا تم استغلالها بشكل صحيح، ستضمن مستقبلا أفضل لشعوب النيجر ومالي وبوركينا فاسو.
ولفت غويتا إلى أن التوقيع على ميثاق ليبتاكو – غورما ختم القرار الجماعي الذي اتخذه رؤساء الدول لمكافحة الإرهاب، وذلك في إشارة إلى الاتفاق الموقع بين القادة الثلاثة في السابع عشر من سبتمبر الماضي، عندما أقروا ميثاقا عسكريا جديدا، وشكلوا تحالفا دفاعيا أمنيا بين الدول الثلاث، أطلقوا عليه اسم “ميثاق ليبتاكو – غورما”، كناية عن المنطقة الحدودية المشتركة بين البلدان الثلاث.
ونصّ ذلك الاتفاق على تجديد الالتزام بحماية سيادة وأمن الدول الموقّعة، كما نص في ديباجته على أنّ الغرض الرئيسي منه هو إقامة منظومة دفاعية مشتركة بين البلدان المتحالفة ضدّ الإرهاب والعنف والجريمة في منطقة الساحل.
وشدد غويتا على تضافر جهود جيوش الدول الثلاث في تعقب الجماعات الإرهابية المسلحة مما أعطى نتائج ملموسة، وأعلن عن تنفيذ إجراءات مبتكرة وفعالة في قطاعات النقل والاقتصاد والاتصالات والثقافة والمناجم لصالح شعب اتحاد دول الساحل، مؤكدا عزم رؤساء الدول الثابت على جعل تحالف دول الساحل نموذجا للتعاون في جميع المجالات.
وإلى جانب البيان الختامي، قررت القمة اعتماد “إعلان نيامي” الذي تلاه في الجلسة الختامية وزير الخارجية والتعاون والنيجيريين بالخارج بكاري ياو سانجاري، وفيه أكد رؤساء الدول من جديد تمسكهم بالمبادئ والأهداف المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وبمثل ومبادئ وأهداف الاتحاد الأفريقي والوحدة الأفريقية المستوحاة من التقاليد التاريخية وقيم الحضارة الأفريقية”. وبالنظر إلى ميثاق ليبتاكو – غورما المنشئ لتحالف دول الساحل، الموقع في السادس عشر من سبتمبر 2023 في واغادوغو وباماكو ونيامي، أكد رؤساء الدول على ضرورة إضافة مجالات الدفاع والأمن المنصوص عليها في هذا الاتفاق، وتوحيد مسارات الدبلوماسية والتنمية مع الأخذ في الاعتبار رغبة دول الاتحاد في قيادة معركة مشتركة وفعالة ضد الإرهاب في منطقة الساحل بشكل عام وفي منطقة ليبتاكو – غورما على وجه الخصوص.
وقال رؤساء الدول إنهم عازمون على المضي قدما في “إعادة بناء دولنا على أساس قيمنا الاجتماعية والثقافية التاريخية لظهور نوع جديد من المواطنين لتعزيز الحكم الفاضل الذي يخدم المصالح الحصرية لشعوبنا، وخلق مساحة سيادية للأمن والسلام والازدهار”، كما أعربوا عن رغبتهم في ضمان التنمية المستدامة من خلال تنفيذ “سياسة اقتصادية واجتماعية محلية تعتمد على مواردنا الخاصة وشراكة تحترم سيادتنا مع التركيز على التعددية الشاملة التي تحترم السيادة والمصالح المتبادلة لدولنا بهدف تحقيق التنمية المستدامة”، والمساهمة في السلام والأمن الدوليين والعدالة والتنمية. كما تعهدوا بتنسيق تحركاتهم الدبلوماسية بهدف توحيد مواقفهم والتحدث بصوت واحد على الساحة الدولية.
وهكذا، قرر قادة التحالف العربي الساحلي إنشاء اتحاد تحالف دول الساحل وتزويد الاتحاد بأدواته الخاصة لتمويل سياستهم الاقتصادية والاجتماعية. كما قرروا وضع آليات تهدف إلى تسهيل حرية حركة الأشخاص والسلع والخدمات داخل منطقة الاتحاد.
وتم اختبار مالي من قبل المشاركين في القمة لتتولى الرئاسة الدورية للمنظمة، نظرا لأن رياح الاحتجاج على النظام السياسي القديم المعمول به في منطقة الساحل قد انطلقت منها، وتحولت بعد ذلك إلى زوبعة من الانتفاضات الشعبية التي يحملها الشعب في ديناميكية القطيعة مع الماضي والسعي إلى تأكيد السيادة واستقلالية القرار الوطني، وبذلك تم تعيين رئيس المرحلة الانتقالية في مالي، العقيد عاصمي غويتا لتنفيذ القرارات الأولى لاستكمال الهيكل المؤسسي للمنظمة الجديدة باعتباره كان أول من قاد البلاد بتكريس سلطة الجيش في باماكو، وأول من أصدر قرار قطع العلاقات مع القوة الاستعمارية السابقة، فرنسا، وإنهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي.