"ابنة الحاج زيدان".. قصة اجتماعية تتراوح بين الهزل والدراما

فيلم تلفزيوني يستعرض قضايا اجتماعية في قالب من السخرية.
الاثنين 2023/11/13
حكاية فتاة عنيفة تفشل في علاقاتها العاطفية

الرباط - عندما يتعلق الأمر بفيلم تلفزيوني يجمع بين الأجواء الهزلية والدرامية، تبرز عادة قضية مهمة تتعلق بمدى نجاح الكاتب والمخرج في الموازنة بين السخرية والترفيه والدراما. وبالأساس، يخدم هذا النوع من الأفلام أهدافًا اجتماعية أو أخلاقية أو سياسية، ويتحقق ذلك من خلال استخدام السخرية للتعبير عن مواقف وحكايات اجتماعية متنوعة.

ويمكن لهذا الأسلوب أن يساعد الأفراد على فهم قضايا معينة بطريقة مسلّية. وعلى الرغم من أن السخرية غالبًا ما تكون موجودة في هذا النوع من الأفلام، إلا أن الهدف الرئيسي لها يجب أن يكون غالبًا من أجل تحقيق مبادئ إنسانية سامية.

ويعتبر فيلم “بنت الحاج زيدان” أو “ابنة الحاج زيدان” مثالًا عن الأفلام التلفزيونية التي تنتهج هذا الأسلوب، حيث يتميز  بقدرته على الاستفادة من السخرية لاستعراض قضايا اجتماعية معقدة، ما يجعله يتجاوز الترفيه البسيط ويصل إلى مستوى أعمق من الوعي بالقضايا البشرية.

فيلم "ابنة الحاج زيدان" يتميز بقدرته على الاستفادة من السخرية لاستعراض قضايا اجتماعية معقدة

وتدور أحداث الفيلم في إطار ممزوج بين الدراما والكوميديا، إذ يأخذنا في رحلة يومية عبر حياة الشابة الجميلة والقوية ريم، التي تنتمي إلى عائلة ثرية وتمتلك الكثير من الممتلكات والموارد المادية ومع ذلك تواجه تحديات كبيرة في علاقاتها العاطفية.

يبدأ الفيلم بمشهد غامض حيث نرى امرأة تحاول الاتصال بشخص ما عبر هاتفها المحمول فيظهر أمامها شاب يطلب المساعدة لصالح فريق كرة القدم، وعلى الرغم من انشغالها بهاتفها، إلا أنها تحاول تجاهله وصده عنها فيظل الشاب مصرًا على طلب المساعدة ولكنها تظهر عدم اهتمامها رغم محاولاته.

وتتطور الأحداث عندما ينطلق الشاب في شتمها، ليكشف عن الجانب الحاد لشخصيتها. وتقوم ريم بإبعاده عنها بسرعة وعلى الرغم من ذلك فإنها تلاحظ استمراره في إزعاج فتاة أخرى. إذ تكشف لنا ردة الفعل هذه عن جوانب معقدة لشخصيتها وتبين تفاعلها مع الأحداث المشوقة التي تنتظرنا خلال تسلسل الأحداث.

وفي عمق الصورة، نشاهد الشاب يضايق فتاة أخرى ويطلب منها مساعدته، مما يشعل نزاعًا بينه وبين مجموعة من الشباب الآخرين. وعلى الرغم من أن بؤرة الصورة هنا غائمة وغير واضحة بصفة كاملة، يمكننا سماع الخلاف المتصاعد ورؤيته.

في هذا السياق، تظهر شخصية ريم التي أدت دورها الممثلة فدوى طالب بلا اكتراث وهدوء، لا تتجاوب على نحو مباشر مع الصراع المحيط بها. حيث تتفاعل مع شخص يُدعى حميد، وتبدو منزعجة بينما الشجار مستمر بين الشباب.

ويبدو المشهد مكونًا من لقطتين مختلفتين: الأولى تُظهر صراعا حميميا عبر الهاتف بينما الثانية تبرز صراعا اجتماعيا ملموسا بين الشباب. وهذا التباين يعزز من تعقيدات المشهد وجماليته مما يجعل هذه اللقطات فاصلة في الفيلم. ثم نرى فيه ريم تقوم بوقف المكالمة الهاتفية بغضب وتوجه خطواتها السريعة نحو الشجار.

وبينما تنظر إليهم تقوم بإمساك الشاب الذي كان سببًا في إزعاجها وتضربه بشدة، ثم يظهر الشاب ملقى على الأرض مغمى عليه، ويصفق الحضور بدهشة وصدمة من القوة الهائلة للضربة الرأسية.

هذه الافتتاحية تقدم لنا نظرة أوسع على الأبعاد النفسية والعاطفية لشخصية ريم حيث نشاهدها وكأنها تحمل عبئا نفسيًا كبيرًا، وقد تكون لديها تجربة سابقة تجعلها تتفهم تمامًا ما يحدث حولها. في ما بعد، يتم تقديم لقطة درامية أخرى تكشف عن العلاقة المعقدة بين ريم وحميد وتسلط الضوء على تفاصيل أكثر عن حياة البطلة وتجاربها العاطفية.

مخرج الفيلم هشام العسري يستخدم بؤر عميقة وكاميرا متحركة كما يركز على تفاصيل الوجوه والديكور خلف الشخصيات

في المشاهد اللاحقة، تُظهر ريم نمطًا مميزًا في التعبير عن غضبها، حيث تلجأ إلى استخدام رأسها لضرب أيّ شخص يزعجها. ويُعتبر هذا السلوك جزءًا من شخصيتها ويشهد تأثيره بين أفراد عائلتها وحتى بين خطيبها السابق عادل الذي جسد دوره الممثل صالح بن صالح الذي تزوج وأنجب طفلة أُطلق عليها اسم ريم. بعد مضي أربع سنوات على فراقه من ابنة الحاج زيدان، تسأله ريم عن سبب انفصالهما ويجيبها قائلا: أنت تجلبين المشاكل وتفضلين الحرية دون أي قيود.

من اللافت أن الممثل مالك أخميس، الذي يقدم دورا يشبه شخصية مسرحية غير متجانسة مع بيئة التلفزيون، يُظهر أسلوبًا لا هزليًا ولا دراميًا. ويعكس أداؤه هذا التناقض على الرغم من تجربته الطويلة كواحد من كبار الممثلين في السينما والمسرح والتلفزيون.

ويعاني سيناريو الفيلم من بعض الثغرات والفراغات في الحوار، ويُظهر تكرارا واضحا في الأحداث. فالحبكة العامة للفيلم تدور حول مشكلة ريم في علاقاتها العاطفية، حيث تفقد خطيبين بسبب سلوكها العدواني. إذ تقوم بمحاولة فهم الأسباب واستخلاص الدروس من خلال لقائها بخطيبها السابقين.

من الناحية الفنية، يبرز الفيلم التلفزيوني من خلال تقنية تصوير المشاهد وخاصة المناظر الطبيعية والثقافة المغربية. إذ يستخدم المخرج هشام العسري أساليبه المعتادة من خلال استخدام بؤر عميقة وكاميرا متحركة، وأحيانًا يستخدم لقطات بانورامية. كما يركز غالبًا على تفاصيل الوجوه والديكور خلف الشخصيات.

14