ابتسموا تصحّوا

يقولون أن الضحك يطيل العمر، والابتسامة هي المقدمة لذلك، لكن التساؤل عن أيّ نوع من الضحك أو الابتسامة يتحدثون؟
الثلاثاء 2024/10/29
الابتسامة تطيل العمر

تبقى الابتسامة واحدة من التعابير الإنسانية العاكسة لحالة نفسية وذهنية توحي بالسعادة والارتياح، قبل أن يدخل عليها الإنسان الحديث مدلولات أخرى جعلت مغزاها يتباين من وضعية إلى أخرى، فإذا كان الإنسان البدائي القريب من الطبيعة والفطرة يعبّر بها عن حالة إيجابية، فإن الإنسان الحديث صار يستعملها أحيانا للغدر والخديعة والتمويه.

ولذلك أطلق الناس وصف “ابتسامة الذئب” على الابتسامات الخادعة، لما يتميز به الحيوان المذكور من مكر وحيلة انتقلت إلى سلوك الإنسان وتفكيره، بغية بلوغ أهداف معينة، لا يمكن الوصول إليها عبر الطرق العادية والصريحة، ولذلك تجده يوظف هذا التعبير، ليس لترجمة حالة داخلية، بل ليطلق رسائل الإيقاع بالآخرين.

وأخذت الابتسامة الإنسانية طابعا آخر مع دخول الدبلوماسية كآلية تواصل وتعامل مع الآخرين، ولذلك تتصدر ابتسامة الدبلوماسي لائحة الابتسامات المحيّرة، فهو دائم الابتسام مع الأصدقاء ومع الأعداء ومع الخصوم، لذلك لا أحد يثق بها أو يعرف محتواها، وفي جميع الحالات ابتسامته لا يمكن أن تكون طبيعية لنزعة إنسانية واجتماعية، وإنما مصطنعة لا تخرج إلا للتحكم في ملامح الوجه، أما الداخل فعلمه عند الله وعنده فقط.

الابتسامة هي في الأصل مرآة عاكسة لما يختلج في صدر الإنسان، فتكون حارة حرارة المشاعر، وباردة لبرودتها، ولم تخرج إلا لأن المقام فرضها على صاحبها، فأحيانا يكون الإنسان مرغما عليها تماشيا مع متطلبات الموقف، لأن ما بداخله من أحزان أو نفسية متعبة لا يمكن أن يفرز ابتسامة طبيعية، ولذلك يلجأ إلى التكلّف.

حتى الميت يبتسم، لنهاية سعيدة في عالم الأموات حسب التفسير الغالب عند المسلمين، لكن لدى الشعوب والأديان الأخرى تفسيرات أخرى، وحتى العلم يغلّب فرضية التركيبة الفزيولوجية والتشريحية للشخص المحتضر أو الميت، ويقر بأن حالة العضلات هي التي تفرز ما يعتقد أنها ابتسامة النهاية السعيدة.

ويذهب إلى أبعد من ذلك لما يرى بأن طبيعة الشخصية وحياة الإنسان وتركيبته النفسية والذهنية، تجعل من الابتسامة عادة أو تصرفا آليا في حياته، وأن الاستعداد للموت هو الذي يفرز تلك الابتسامة، ويستدل بأن ضحايا الحادي عشر سبتمبر في الولايات المتحدة كانوا كلهم مكفهري الوجوه لأنهم لم يكونوا مستعدين للموت الخاطف.

ورغم أن للطبيعة ألوانها الأصلية وللتكنولوجيا ألوانها الكثيرة، إلا أنه لم يتم إلا اختيار اللون الأصفر لإضفائه على ابتسامة معينة، فيقال “ابتسامة صفراء” للدلالة على النوع الماكر والخادع، وكأن اللون الأصفر برمزياته العديدة والتي يعشقها الكثير، هو الوحيد القادر على ترجمة هذه الحالة دون الألوان الأخرى.

يقولون أن الضحك يطيل العمر، والابتسامة هي المقدمة لذلك، لكن التساؤل عن أيّ نوع من الضحك أو الابتسامة يتحدثون، هل عن تلك الصادرة من عمق الصدر والقلب، أم تلك الخارجة من الحلق فما فوق، لأن إخراج واحدة منها في حالات معينة تكلف صاحبها جهدا من التصنع والتكلف، وفي هذه الحالة قد تكون مقصّرة للأعمار على ما يبدو وليس مطيلة له.

لكن أحيانا يدفع المرء المال من أجل أن يبتسم، فيذهب إلى عرض كوميدي على الركح أو الشاشة، لكي يفرغ شحنة من ضغط الحياة ونكدها، ومن الناس البسطاء في الحي والسوق والساحة، من امتلكوا القدرة على نشر الابتسامة على وجوه الناس، فيؤدون بذلك دور طبيب يعالج مرضاه بالفحوص والتحاليل والأدوية، بينما يعالجون هم الناس بموهبة خلقت معهم فيزرعون البسمة ويحاربون النكد مجانا.

18