ابتسام ناجي السعدي تروي قصصا من الموروث العراقي

مزاوجة تجريدية بين القديم والحديث تستدعي صراعات ومعتقدات إنسانية.
الجمعة 2025/02/28
تأثر واضح بالحضارات القديمة

بأسلوب تجريدي وبالتزام كبير بهويتها العراقية وحضارة بلاد الرافدين، تصنع الخزافة ابتسام ناجي السعدي من الطين ومواد أخرى منحوتات خزفية، تعبر من خلالها عن أفكارها وذكرياتها ونظرتها للفن وللأحداث الكبرى التي طبعت الواقع العراقي والعربي منذ أكثر من عقدين.

بغداد - استلهمت الخزافة العراقية ابتسام ناجي السعدي موضوع معرضها الشخصي الجديد من مآس حصلت في العراق بعد الاحتلال الأميركي عام 2003. جاء المعرض بمناسبة اختيار بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2025، وينظم برعاية وزارة الثقافة والسياحة والآثار، وافتتحه مدير عام دائرة الفنون التشكيلية الدكتور قاسم محسن، ومدير عام دار الكتب والوثائق الدكتور بارق رعد علاوي، في  قاعة المكتبة الوطنية.

ويضم 30 قطعة خزفية بأحجام متنوعة القياسات لا تتجاوز 50 سم، استلهمت فيها الخزافة موضوعات فكرية إنسانية عامة، وما حصل في العراق بعد الاحتلال فضلا عن تناولها بعضا من فلكلور العراق الشعبي الذي لا يزال شاخصا حتى اليوم.

كتب الناقد الفني الفنان عاصم عبدالأمير عن أعمالها: “ابتسام ناجي تطرح نماذجها بتقنية الزجاج واطئ الحرارة محمولة على دثار من الإشارات والرموز الرافدينية في مسعى للحفاظ على الهوية ومنح الخزف قدرة على المناورة بين الهوية والتجريد، ثمة إيقاع داخلي يتردد بفعل تنوعات الأداء على السطوح ما يبقيها مؤهلة لمخاطبة البصر.”

30

قطعة خزفية بأحجام متنوعة من فلكلور العراق الشعبي الذي لا يزال شاخصا حتى اليوم

وتظل قضية الإبداع الأنثوي من القضايا الثقافية العراقية والعربية التي تثير الجدل ولذلك جاءت منجزات الخزافة ابتسام ناجي لتتناول قضايا المرأة والمجتمع والحياة بشكل عام وكأنها تحول أعمالها الخزفية إلى كتاب تبوح به عن مشاعرها التي تدثرت خلف اللون والخط والملمس.

بعد مرحلة الدراسة والتحصيل الفني تشكلت لدى الفنانة قناعة بأهمية مصادر الرؤيا المتعددة والتي تثري المخزون البصري لتجربتها الإبداعية بالإضافة إلى التراث البيئي والاجتماعي والديني وتراكمات معرفية استدعتها من ذاكرة الطفولة وجعلتها تعي الأولويات التي تفرضها الضرورة الوظيفية والرسالة الجمالية التي يحملها فن الخزف في مجتمع شهد معاناة وحروبا متوالية كان لها الأثر في نقلها بكل أمانة في المنجز الخزفي.

هناك قصد معين وهناك معانٍ عميقة داخل النص الخزفي لم تتضح بشكل مباشر من قبل الخزافة، إذ قامت بتوظيفها تشكيليا في علاقاتها بالمساحات التجريدية استجابة لمتطلبات التشكيل الجماعي والتعبير جنوحا إلى حالة من التجريد الشكلي، إذ تتولد من خلال طيات القماش التي تظهر على بعض الأعمال لتشي بروحية مختلفة من ناحية الإخراج بأسلوب وصياغات تفردت بها الخزافة وفق فهمها للمزاوجة بين القديم والحديث بتناغم إيقاعي.

وقد احتلت ثيمة “طيات القماش” موقع الصدارة في تجربة الخزافة لاهتمامها بصياغات متفردة وبإحساس مرهف بالشكل والقيم البصرية المرتبطة بالتعبير عن أحوال الفنانة الإبداعية، بالإضافة إلى الاحتفاء بالموروث الحضاري كبعض رموز بلاد الرافدين ومحاولة استدعائها في مواجهة صراعات حضارية أكثر تعسفا مع بعض المعتقدات الإنسانية. هناك خطاب مضمر خلف ما هو معلن وهناك رسالة بصرية تحرص الخزافة على إيصالها إلى المتلقي في خطابها الإبداعي.

ه

درست ابتسام فن الخزف في كلية الفنون الجميلة في بغداد، وتتلمذت على أيدي أمهر وأشهر رواد الخزف العراقي المعروفين محليا ودوليا والذين أسسوا فرع الخزف في خمسينات القرن الماضي، فضلا عن أنها ولدت في عمق وعبق مدينة بابل الأثرية، بابل الحضارة والفن والإبداع وآثارها بكل مكنوناتها، وبوابة عشتار ولونها الفيروزي، فقد كان لبابل التاريخية أثر ووقع في نفسية ابتسام “الصبية” المتحمسة وهي تذهب إلى مهرجان بابل أو عند سفراتها الطلابية.

تستطيع القول إن جينات وراثية لهذه الحضارة تشربتها الفنانة وهي طفلة صغيرة. كذلك ترى ابتسام أن الخزف العراقي المعاصر كان دور الخزافات فيه قليلا جدا، يعني بعد السبعينات والثمانينات من القرن الماضي توجد قلة من الخزافات العراقيات اللاتي مازلن يعملن في مجال الخزف، وتعد نفسها من جيل نهاية تسعينات القرن الماضي ومن جيل الألفينات، وطوال 27 عاما بعد تخرجها في الكلية وهي تحاول إثبات وجود دورها كامرأة خزافة تطرح قضايا وهموما عشناها ولا نزال نعيشها بسبب الحصار الاقتصادي والحروب التي ما زالت مستمرة بشكل أو بآخر.

إنها تبحث لإعطاء صورة جميلة وسط الخراب والدمار وخيبة الأمل التي نعيشها في بلدنا الجريح وتحب أن تكون أعمالها مرآة تعكس الواقع بشكل إيجابي وجميل ومفرح، فبعد كل ليل يأتي النهار وبعد كل موت تأتي ولادة وحياة جديدة. المأساة هي التي جعلت ابتسام السعدي تصنع الجمال وتبث التفاؤل فيه بأن القادم لا بد أن يكون أجمل.

واللون الشذري هو لون معطاء وله دلالات ومرجعيات؛ فهو رمز السماء ورمز الماء ورمز بوابة عشتار لطرد الأرواح الشريرة وغير ذلك. هي أيضا تجرب وتحاول خلق التوازن بخامة الطين الذي تشكله بين الكتلة الكروية وبين الصفائح الطينية وتحقيق معادلة صعبة في خامة تستدعي الصبر والتأني في الاشتغال للخروج بنتائج مرضية نوعا ما. كل عمل تقوم باشتغاله هو رسالة بصرية توثق ما نعشيه الآن من مجازر بشرية وانتفاضات وفوضى وغيرها، فضلا عن إثبات الهوية المحلية بمفردات كانت متداولة في حياة الناس البسطاء وفي مدن العراق والآن لم يعد لها وجود، هي تسعى لدمج تلك المفردات ما بين الماضي والحاضر، وخلق خطاب إنساني راسخ يعزز الديمومة والاستمرارية بين المجتمع عموما.

منحوتات عراقية الهوية
منحوتات عراقية الهوية

والخزافة ابتسام ناجي السعدي من مواليد بابل، حاصلة على بكالوريوس فنون تشكيلية، تخصص خزف في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد عام 1997، وماجستير فنون تشكيلية، تخصص خزف في كلية الفنون الجميلة بجامعة بابل عام 2003، وكان مشروع بحثها في الماجستير عن “توظيف الحرف العربي في الخزف العراقي المعاصر”. وهي حاصلة أيضا على دكتوراه فنون تشكيلية تخصص خزف من كلية الفنون الجميلة بجامعة بابل عام 2013، وكان محور أطروحتها “التداولية في الخزف العراقي المعاصر”. وهي تدرس في قسم الفنون التشكيلية بكلية الفنون الجميلة في جامعة بابل.

والخزافة عضو في كل من نقابة الفنانين العراقيين، وجمعية التشكيليين العراقيين، في بغداد وبابل. وهي عضو الهيئة الاستشارية لمجلة “نابو” التابعة لكلية الفنون الجميلة بجامعة بابل، وعضو في جمعية “باندورا لفن الخزف”.

◙ خطاب مضمر خلف ما هو معلن ورسالة بصرية تحرص الخزافة على إيصالها إلى المتلقي في خطابها الإبداعي

شاركت في أغلب المعارض الفنية التي أقيمت داخل العراق وخارجه منذ عام 1997، وجميع المعارض السنوية للهيئة التدريسية في كلية الفنون الجميلة ببابل، ومعظم معارض نقابة الفنانين العراقيين وجمعية التشكيليين العراقيين، وفي اللجان التحضيرية لمعارض مهرجانات بابل للثقافة والفنون ومهرجان الطفولة، ومعرض “خزافون بابليون” عام 2016، ومعرض “حكايا الطين” عام 2018، وفي الصالون الدولي للخزف المعاصر برعاية اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين عام 2019، ومهرجان ماترس الدولي للسيراميك النسائي عام 2020، وفي الكثير من المؤتمرات العلمية المقامة خارج العراق وداخله بأبحاث أكاديمية مهمة.

هي حاصلة على العديد من شهادات وكتب الشكر والتقدير من جهات محلية ودولية على النشاطات البحثية العلمية والمهرجانات الفنية، وشهادات مشاركة في دورات تدريبية وندوات علمية وورش عمل في القطاع الأكاديمي العلمي والفني. كما حصلت على تكريم وجائزة أفضل أستاذة في كلية الفنون الجميلة بجامعة بابل في يوم المرأة عام 2014 ودرع وشهادة شكر وتقدير بمهرجان الواسطي 12 للفن التشكيلي لعام 2018، ووسام الإبداع العلمي من النقابة العامة للمدربين العراقيين لعام 2018، ووسام الإبداع وكتاب شكر وتقدير من ملتقى بصمات الفنانين التشكيليين 17 دورة الشاعر القدير ممدوح متولي لعام 2019، وتكريم ودرع التدريس المتميز لعام 2019.

نشرت أبحاثا متخصصة في الفن بمجلات أكاديمية ومؤتمرات علمية دولية حول جماليات الفن التشكيلي، بالإضافة إلى الأبحاث المحلية والمقالات النقدية. وهي مشرفة على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه، ومقيمة وخبيرة علمية في العديد من المجلات الأكاديمية العراقية.

Thumbnail
Thumbnail
Thumbnail
15