إيمان خليف.. رياضية جزائرية ناعمة بقفازات خشنة ترعب مرتادات حلبات الملاكمة

إنصاف اللجنة الأولمبية يفتح طريق التتويج ويخرس المناوئين.
الأحد 2024/08/04
ملاكمة رفعت التحدي

حسمت اللجنة الأولمبية الدولية الجدل الصاخب الذي أحاط بالملاكمة الجزائرية المشاركة في المنافسات الأولمبية الجارية بباريس، خاصة بعد انسحاب منافستها الإيطالية في أقل من دقيقة، وهو ما يريح الرياضية ذات القفازات الخشنة ويفسح لها طريق التتويج.

اضطرت منافسة الملاكمة الجزائرية إيمان خليف، المجرية هاموري لوكا، في الدور القادم من منافسات الـ66 كلغ، إلى حذف جميع منشوراتها التي نشرتها على صفحتها في منصة إنستغرام، وأغلقت خاصية التعليق، ساعات قليلة بعد صدور بيان شديد اللهجة من طرف اللجنة الأولمبية الدولية، تحذر فيه من التمييز والكراهية والتنمر الذي ظهر في حسابات رياضيين مشاركين في أولمبياد باريس، وأمرت بحذف جميع المنشورات المتعلقة بالملاكمة المذكورة.

وشكل إنصاف اللجنة الأولمبية انتصارا معنويا كبيرا للملاكمة إيمان خليف، بعد الموجة التي شنت من طرف رياضيين وإعلاميين ومسؤولين ومدونين على شبكات التواصل الاجتماعي، على خلفية ما أسموه بأنه “ذكر متحول”، استنادا إلى تحاليل طبية أعلنها الاتحاد الدولي للملاكمة عام 2023، يزعم فيها أن الملاكمة تحمل هرمونات ذكورية عالية تضعها في خانة الجنس الذكري.

بوكس

وسيكون هذا الانتصار حافزا للملاكمة الجزائرية من أجل المضي في مسار المنافسة، وتحقيق التتويج لنفسها وبلادها، والتأكيد لخصومها وصناع حملة التشويه التي شنت ضدها في أولمبياد باريس بأن الحلبة هي التي تفصل بين الجميع، وليس وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.

انتصار خارج الحلبة

سيجد بعض المسؤولين أنفسهم في موقف لا يحسد عليه، على غرار مالك منصة إكس إيلون ماسك، ورئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني ورئيس وزراء إيطالي سابق، ورياضيين وإعلاميين في أوروبا والولايات المتحدة، بعد صدور تعاليق مسيئة من طرفهم لإيمان خليف، خاصة عقب الموقف المنصف الصادر عن اللجنة الأولمبية الدولية.

وعلى العكس من تصريحاتها السابقة، بعد أداء دور تمثيلي فوق الحلبة لتبرير انسحابها من منازلة إيمان خليف، اعتذرت الملاكمة الإيطالية أنجيلا كاريني في آخر تصريح لها عن رفضها مصافحة منافستها الجزائرية، وقالت “أكيد سألتقيها وسأعانقها”، وإنها ستواصل مشوارها في مختلف المنافسات لتعويض إقصاء الأولمبياد.

جاء ذلك بعد أن قالت لوسائل إعلام “لم أتمكن من الاستمرار. كان لدي ألم كبير في أنفي وقلت أتوقف. من الأفضل تفادي الاستمرار. أنفي بدأ ينزف من اللكمة الأولى”.

وتابعت “كان من الممكن أن يكون النزالُ نزالَ عمري في تلك اللحظة، كان علي أن أحمي حياتي أيضا، أتدرب مع شقيقي. كثيرا ما خضت نزالات مع رجال، ولكني شعرت بالكثير من الألم في النزال (الذي جمعني بخليف)”.

لكن مختصين في أرشيف الصور على شبكات التواصل الاجتماعي جزموا بأن كاريني متعودة على هذه التمثيليات، فقد سبق لها الانسحاب أمام ملاكمة تركية لأسباب واهية.

• أي ردة فعل في المنافسة بعد تبرئة خليف
أي ردة فعل في المنافسة بعد تبرئة خليف

إيمان خليف، القادمة من إحدى بلدات محافظة تيارت بالغرب الجزائري تعترف بأن طريقها لم يكن سهلا لبلوغ هذه المكانة العالمية، فهي تنحدر من عائلة متواضعة، حيث عانت في طفولتها مظاهر الفقر والتهميش، ولما اختارت رياضة الفن النبيل وقف في وجهها المجتمع الذكوري المحلي لأنه لا يقبل رؤية ابنته تصارع فوق الحلبة ورؤية يديها الناعمتين ترتديان قفازين خشنين.

ومع ذلك رفعت التحدي وتدرجت في رياضتها محليا ووطنيا وإقليميا، إلى أن صارت تنازل في الحلبات والمنافسات العالمية، قبل أن تصدم بقرار الإبعاد عام 2023 من طرف الاتحاد الدولي للملاكمة في الدور النهائي، بدعوى أن التحاليل الطبية أثبتت ارتفاع منسوب هرمون الذكورة لديها، لكنها لم تستسلم وواصلت مشوارها في الطريق إلى الأولمبياد، لأنها تدرك أن النصوص الناظمة في الهيئتين ليست نفسها وتسمح لها بإثبات نفسها وتحقيق التتويج.

حملة مضللة

صرح المتحدث الرسمي باسم اللجنة الأولمبية الدولية مارك أدامز لوسائل الإعلام بأن “إيمان خليف ولدت طفلة، وتعيش كطفلة، وتمارس الملاكمة كطفلة، ومدرجة في جواز السفر كأنثى، لا شيء مما يشاع عن التحول”، وهي الشهادة التي أنصفت الملاكمة وأخرست الألسن التي ظلت تطاردها منذ أن أعلن عن مشاركتها في منافسات الأولمبياد.

أما رئيسة وحدة الرياضة الآمنة في اللجنة الأولمبية الدولية كيرستي بوروز فقد صرحت “عندما نتحدث عن رياضة آمنة، نحن نشير إلى بيئات رياضية آمنة جسديا ونفسيا، وبالتالي الصحة العقلية والسلامة، ونحن سعداء للغاية لأن أولمبياد باريس يتضمن الحزمة الأكثر شمولا للصحة العقلية والحماية”.

وفي بيان حمل عنوان “لكل شخص الحق في ممارسة الرياضة دون تمييز”، عبرت اللجنة الأولمبية الدولية عن ضرورة “التزام جميع الرياضيين المشاركين في بطولة الملاكمة لدورة الألعاب الأولمبية باريس 2024 بلوائح الأهلية والدخول في المسابقة، بالإضافة إلى جميع اللوائح الطبية المعمول بها والتي وضعتها وحدة الملاكمة في باريس 2024، كما هو الحال مع مسابقات الملاكمة الأولمبية السابقة، حيث يعتمد جنس وعمر الرياضيين على جوازات سفرهم”.

وتابع البيان “رأينا في تقارير معلومات مضللة عن رياضيتين تتنافسان في دورة الألعاب الأولمبية باريس 2024، وتتنافس الرياضيتان في مسابقات الملاكمة الدولية منذ سنوات طويلة في فئة السيدات، بما في ذلك دورة الألعاب الأولمبية طوكيو 2020، الاتحاد الدولي للملاكمة، وبطولات العالم والبطولات المعتمدة”.

بوكس

ولفت إلى أن “هاتين الرياضيتين كانتا ضحية قرار مفاجئ وتعسفي من قبل الاتحاد الدولي للملاكمة. قرب نهاية بطولة العالم للاتحاد الدولي للملاكمة في عام 2023، تم استبعادهما فجأة دون أي إجراءات قانونية”.

ووفقا لمحضر اجتماع الاتحاد الدولي للملاكمة المتاح على موقعه على الويب، تم اتخاذ هذا القرار في البداية من قبل الأمين العام والمدير التنفيذي فقط. ولم يصدق عليه مجلس الإدارة إلا بعد ذلك، ولم يطلب إلا لاحقا وضع الإجراء الذي يجب اتباعه في حالات مماثلة في المستقبل وتنعكس في لوائح الاتحاد.

كما أن الاتحاد الدولي للملاكمة كان يفترض أن يضع إجراء واضحا بشأن اختبار الجنس حتى لا يحصل ما حصل لإيمان خليف ومن سبقتها، وقد يحصل لاحقا لغيرهما.

وخلص البيان إلى أن “هذه الحملة على هاتين الرياضيتين تستند بالكامل إلى هذا القرار التعسفي، الذي تم اتخاذه دون أي إجراء سليم، خاصة وأن هؤلاء الرياضيين كانوا يتنافسون في منافسات عالية المستوى لسنوات عديدة، وهذا النهج يتعارض مع الحكم الرشيد”.

وشددت اللجنة الأولمبية الدولية على ضرورة تغيير قواعد الأهلية أثناء المنافسة المستمرة، وأي تغيير في القواعد يجب أن يتبع العمليات المناسبة ويجب أن يستند إلى أدلة علمية.

وعبرت عن التزامها بحماية حقوق الإنسان لجميع الرياضيين المشاركين في الألعاب الأولمبية وفقًا للميثاق الأولمبي ومدونة الأخلاقيات للجنة الأولمبية الدولية والإطار الإستراتيجي للجنة الأولمبية الدولية بشأن حقوق الإنسان. وتشعر اللجنة الأولمبية الدولية بالحزن بسبب الإساءة التي تعرضت لها الرياضيتان.

كما كشفت عن الوضعية غير الشرعية التي يتواجد فيها الاتحاد الدولي للملاكمة، وهو ما يقود إلى أن قراراته تكون ملغاة لدى اللجنة الأولمبية الدولية، كما هو الشأن بخصوص إقصاء الملاكمتين الجزائرية والتايوانية لين يو تينغ، في البطولة العالمية التي جرت العام الماضي في الهند.

تعسف الاتحاد الدولي للملاكمة

• ظروف عائلية صعبة دفعتها إلى الحلبة
ظروف عائلية صعبة دفعتها إلى الحلبة

أكدت اللجنة الأولمبية على أنه “تم سحب اعتراف الاتحاد الدولي للملاكمة من قبل اللجنة الأولمبية الدولية عام 2023 بعد تعليقه في عام 2019.

بوكس

وتم تأكيد سحب الاعتراف من قبل محكمة التحكيم الرياضي، ولذلك عبرت عن حاجتها إلى ضرورة توصل الاتحادات الوطنية للملاكمة إلى توافق حول اتحاد دولي جديد من أجل إدراج الملاكمة في البرنامج الرياضي لدورة الألعاب الأولمبية لوس أنجلس 2028”. وشكل دخول رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني على خط السجال زخما آخر، فيما التزم المسؤولون في الجزائر الصمت، بعدما أوكلوا المهمة إلى اللجنة الأولمبية المحلية وإلى وزير الشباب والرياضة برفع شكوى لدى اللجنة الأولمبية الدولية، أنصفت الملاكمة وأعادت الجميع إلىمكانهم الطبيعي.

وقالت ميلوني في منشور لها “إيطاليا لا توافق على قرار اللجنة الأولمبية الدولية بالسماح لـ(الملاكمة الجزائرية) بالمشاركة في منافسات السيدات.. أعتقد أنه لا ينبغي السماح للرياضيين الذين لديهم خصائص وراثية ذكورية بالمشاركة في المسابقات النسائية. يجب أن نكون حذرين ونحن نحاول عدم التمييز. نحن بحاجة إلى أن نكون قادرين على المنافسة على قدم المساواة، ومن وجهة نظري لم يكن هذا تنافسا على قدم المساواة”.

لكن بطلة العالم للملاكمة السنوية الأيرلندية إيمي برودهورتس كان لها رأي معاكس للحملة، حيث نشرت على حسابها في موقع إكس أن “الكثير من الناس يراسلونني بشأن إيمان خليف؛ شخصيا لا أعتقد أنها قامت بشيء من أجل الغش، لقد ولدت بهذا الأمر وذلك خارج عن نطاقها”.

وأضافت “حقيقة أنها هُزمت أمام 9 نساء سابقا تؤكد ذلك، لا أدعم الرجال ضد النساء. هذا خطأ، ولكن لا شيء أكد أن هذا الشخص هو رجل، سأحاربه إن ثبت أنه رجل، ولكن هذا لم يحدث حتى الآن، وما يُقال يدخل في طور الافتراضات. تلك صورة إيمان وهي طفلة”.

ويبدو أن طريق إيمان خليف سيكون مفتوحا لخوض مختلف المنافسات القارية والدولية، بعد تأكيد اللجنة الأولمبية على أنه “سيتم تطبيق هذه القواعد أيضا خلال فترة التأهيل للألعاب الآسيوية وألعاب عموم أميركا وألعاب المحيط الهادئ والبطولة المؤهلة لأفريقيا في داكار، كما طبقت في بطولتين للتصفيات العالمية أقيمتا في بوستو أرسيزيو بإيطاليا، وبانكوك بتايلاند في عام 2024، والتي ضمت إجمالي 1471 ملاكما مختلفا من 172 لجنة أولمبية وطنية، وفريق الملاكمة للاجئين ورياضيين محايدين فرديين، وتضمنت أكثر من 2000 نوبة  تأهيلية”.

• الملاكمة الإيطالية تنمرت على الجزائرية للتغطية على الهزيمة
الملاكمة الإيطالية تنمرت على الجزائرية للتغطية على الهزيمة

 

7