إيمان حميدان لـ"العرب": الكتابة الإبداعية مرآة تعكس كيف نرى العالم من حولنا

السرد الروائي مراوغة فنية تستدرج المتابع للنظر إلى الوقائع من زوايا جديدة كما يضمر هذا الجنس الأدبي شيفرات تعيد تشكيل المواد المألوفة بحلة جديدة، وبالطبع ليس الغرض من ذلك مضاعفة التشويق في جسد النص فحسب بل يتوسل الكاتب من هذه الوصفة إمكانية الانشقاق عن السرديات المعهودة. وهو ما يتجسد في تجربة الكاتبة اللبنانية إيمان حميدان. "العرب" كان لها معها هذا الحوار.
في رواية “أغنيات للعتمة” توسع الكاتبة اللبنانية إيمان حميدان نصها لأصوات من أجيال مختلفة، إذ تشابكت على خطه الزمني ثيمات متعددة بدءا من الهجرة مرورا بالحب وصولا إلى الموت وتشبيح الأفكار وضمور الأحلام، كل ذلك ينتظم ضمن البرنامج الإبداعي لحميدان. والبصمة الفارقة لهذا النص تتمثل في المغامرة بالحركة بين حلقات زمنية متباعدة والإحالة إلى شخصيات وأحداث لها مرجعيات واقعية وتاريخية دون أن يؤدي ذلك إلى ترنح العمل بالحشو.
يطيب للكاتبة استبطان روح الأمكنة كاشفة عن ترابط أقدار المدن بطبعها وجغرافيتها الثقافية وتشكيلتها الاجتماعية. وهو ما تؤكد عليه مؤلفة “خمسون غراما من الجنة” متحدثة لـ”العرب” عن الموجة التي تكتب عليها الأعمال الروائية.
كتابة المكان
العرب: نشرت لك خمس روايات إلى الآن بم يتميز آخر ماصدرَ من سلسلة أعمالك بعنوان “أغنيات للعتمة”؟
إيمان حميدان: “أغنيات للعتمة” هي استمرار لمشروعي الروائي. خرجت روايتي الأولى “باء مثل بيت.. مثل بيروت” من رحم واقع مؤلم مزق مجتمعنا ودفعني إلى طرح أسئلتي حول الوطن والمستقبل والعنف والمرأة والهجرة النازفة. صارت الكتابة سؤالا حول علاقة حيواتنا وتفكيرنا وحاضرنا بالتاريخ والجغرافيا. كان لا بد من الكتابة كأداة تعبير وأداة بحث وتفتيش عن أجوبة. سؤال العنف تكرر: لماذا كل هذا العنف؟
عدت في روايتي الثانية “توت بري” إلى بداية القرن العشرين، وقدمت عائلة يعاني أفرادها من سلطة الأب وبطشه والذي لم يسيطر على اقتصاد العائلة فحسب، بل أيضا على أحلام أفرادها وإرادتهم. لماذا الحرب؟ وحين تنتهي الحرب لماذا علينا فقدان الذاكرة وتجنب السؤال عن مرتكبيها؟ كان هذا السؤال موضوع روايتي “حيوات أخرى”. في “خمسون غراما من الجنة” وهي روايتي الرابعة لا بد من أسئلة حول العنف والأحلام المهدورة والنساء المعنفات والهجرة هربا من كل ذلك. النساء شاهدات بتفاصيل حيواتهن على تلك الأسئلة ولا يجدن الإجابة. طرحت رواياتي السابقة أسئلة متعلقة بهوية الوطن والمخاض الذي شهده وما زلنا نشهده، والمواطنة والهوية المرتبطة بالثقافات المختلفة.
“أغنيات للعتمة” بلورت إلى حد بعيد تلك الأسئلة وعكست تجربة طويلة تقارب العقدين قضيت فيهما أقرأ وأبحث في التاريخ السياسي والاجتماعي للبنان والمنطقة، وأفتش عن أجوبة لواقعنا المرتبط بالضرورة بالتاريخ الذي عاشه لبنان والمنطقة. إلى أن شرعت بكتابة “أغنيات للعتمة”. كتابة الفقدان والنساء اللواتي يرسمن الحزن بحروف ملونة ويحولن اليأس إلى عزيمة يبحثن عبرها عن حلول. ربما يفشلن وربما ينجحن لكنهن لا يتوقفن عن المحاولة. إنها كتابة الأغنيات التي رغم حزنها تستعين بها النساء لمقاومة واقع قاس وعالم لا يعرف معنى العدالة. كتابة كأنها ليست لي وحدي بل أيضا لنساء أخريات هن شخصيات هذه الرواية التي سيتبعها جزء ثان يكمل ما بدأت به.
العرب: يبدو بأن المشترك بين نصوصك الروائية هو التواصل مع المكان واستبطان روحه هل تعتقدين بأن كتابة الرواية هي إعادة للتموضع في الأمكنة؟
إيمان حميدان: المكان هو شخصية من الشخصيات الأساسية في كل رواية من رواياتي وهو أساسا من المكونات الأساسية لأيّ عمل روائي جيد. له علاقة وثيقة بالنص الأدبي وبالسرد. فلا نص مكتمل دون مكان ولا معالم شخصية مقنعة دون مكان ولا لغة دالة على الجو الروائي والتاريخي دون مكان، كذلك لا زمان في الرواية دون تقديم المكان. إلى جانب أنه مكون أساسي في البنية الروائية، هو أيضا متعدد الجوانب ولا يقتصر بالطبع على حيث تدور أحداث الرواية، بل له معان تذهب أبعد من ذلك في تقديم الفضاء الروائي الذي يشمل الشخصيات وحركتها ومقاربتها للعالم ولغتها وثقافتها.
في “أغنيات للعتمة” أرى المكان وليد تلك العلاقة المنسوجة بين الإنسان ومجتمعه، بين شخصية وأخرى، بين الماضي والحاضر. أفكر في “شهيرة” مثلا الشخصية النسائية الأولى، وكم هي وليدة مكان وثقافة حاولت الاحتيال عليها مدى عمر كامل. من الصعب فصل المكان عن فضاء الشخصية وتفاعلها، وهو حيز اجتماعي وجودي ثقافي يساهم في تقديم الشخصيات، ويخدم كإطار رمزي ومعنوي لمخزون ذاكرة لا ينضب. ذاكرة النساء بشكل خاص.
للذاكرة أمكنتها، وليس من ذاكرة روائية دون مكان. أحيانا نعود إليه وغالبا نخترعه ونعيد بناءه كما نشتهي. بهذا المعنى يتجاوز المكان الواقع في العمل الروائي ويعمل على خلق وإعادة خلق واقع جديد. كذلك الأمر بالنسبة إلى المخيلة، والتي هي، أسوة بالذاكرة، تحتاج إلى فضاء لتبدع فيه. المكان في روايتي الأخيرة بل في أي عمل أدبي، يتجاوز المعنى المادي لطبيعته ويتجاوز ما أنتجته النظريات الفلسفية السابقة حوله حيث لم تر سوى التعريف الحسي له.
من أصعب ما مررت به أن أكتب بعيدا عن المكان الذي أتخيله في الرواية. والابتعاد القسري عن المكان يكون أكثر إيلاما. الحروب الممتدة والمتقطعة في لبنان أجبرتني على ترك أماكني مع عائلتي ولمرات متكررة، لا أحسب عدها، وترك المكان لا يعني ترك الجغرافيا الحسية فحسب، بل ترك كل ما ينمّي تلك العلاقة الوثيقة واليومية مع الفضاء الاجتماعي والسياسي والثقافي والتاريخي.
كنت كل مرة أعود فيها إلى لبنان وأقول هذه هي المرة الأخيرة التي أبتعد فيها عن مكاني الأول وعن كل ما فيه من روائح وألوان وأصوات وذكريات ومعان وحب وحزن وبكاء وضحكات. تتحول أحيانا إلى أمكنة غائبة أستحضرها بقوة الخيال والحب والمعنى. بالطبع وكما قلت سابقا يتجاوز المكان في هذه الحالة الفضاء المادي ويأخذ أبعادا ومعانيَ فلسفية ورمزية تظهر في اللغة وفي الكلمة والأسلوب.
العرب: تتجاور في “أغنيات للعتمة” أصوات ثلاثة أجيال ومن الواضح أن الأحداث كلها تسرد بصوت النساء، هل كان ذلك ضمن برنامج الكتابة من البداية أو أن أجواء العمل قادت دفة السرد إلى هذا المنحى؟
إيمان حميدان: من الصعب الفصل بين مشروع روائي واضح المعالم وبين السرد الذي قد يقودنا إلى حيث لم نتوقع. لأننا حين نبدأ بالكتابة تتداخل أمور كثيرة في البناء وفي السرد. إنها عملية معقدة وتتقاطع عند كل حدث وتفصيل، وللشخصية دور كبير في هذا التقاطع المتكرر. في أغنيات للعتمة عمدت إلى إظهار أجيال مختلفة من الشخصيات النسائية. كان من المهم أن أقود الكتابة كما تقودني إلى استكشاف كيف ستقارب كل شخصية واقعها وعالمها. أثناء عملية الكتابة لا تأخذ الأمور مسارا واحدا. “شهيرة” شبه أمية إلا أنها قاومت بينما حفيدتها “ليلى” كان لها الحظ أن تتلقى أفضل تعليم وأعطتها المدينة ما لم تعطه لـ”ياسمين”، إلا أن الواقع كان أقوى منها.
• المكان هو شخصية من الشخصيات الأساسية في كل رواية من روايات إيمان حميدان، ففيه تبني عوالمها السردية
ما يميز “أغنيات للعتمة” عن أعمالي السابقة أنني أردت إعادة سرد تاريخ لبنان الحديث عبر حيوات النساء وحكايتهن. بدأت ببحث استغرق وقتا واشتغلت على الفكرة الأساسية. عدت إلى عام 1908 زمن بداية الرواية وبداية القرن العشرين وواقع لبنان آنذاك. بحثت في تاريخ لبنان الحديث، دور المرأة في الاستقلال، تغيير الأنماط الاقتصادية، الحركة التنقل داخل لبنان وبين لبنان والدول المحيطة، ثم لم أنس إعلان دولة إسرائيل وتأثيرها على الهوية والتواصل بين البلدان والأمكنة وفرص العمل. كيف عاشت الشخصيات تلك التجارب بشكل فردي.
بالطبع قصدت إعطاء الصوت والسرد للمرأة. أردت سماع كلمتها هي في الراوية. هي التي تنقل السرد من جيل إلى آخر، من شهيرة إلى ياسمين إلى ليلى إلى أسمهان. إنه العودة إلى النبع إلى الأنثى الأصل وإلى كتابة التاريخ بلغة المؤنث. الحكاية تولّد الحكاية والسرد يأخذ ليس القارئة فحسب بل أحيانا الروائية إلى أبعاد ومعاني جديدة. عبر رحلة بناء النص السردي تكبر الحكاية وتخرج في لحظات عدة مستقلة عن إرادة الكاتبة. كما أوردت في سؤالك أحيانا يطغى السرد على الاتجاه العام للرواية. لم أشأ مثلا في البداية أن تختفي إحدى الشخصيات وهي ليلى أم أسمهان ولا تعرف العائلة أين ذهبت. هذا أتى تلقائيا أثناء الكتابة كأن واقع تلك الشخصية كان ثقيلا إلى حد يفوق الاحتمال ووجدت نفسي أتبعها بحزن كبير وشعور بالفقدان، وهي تخرج من فضاء الرواية. تخيلتها شخصية سينمائية تخرج من الكادر السينمائي لأنها ما عادت تجد مكانها ولا تطيق العيش هناك.
تتغير التفاصيل أحيانا نعم لكن بوصلة الرواية تبقى بذات الاتجاه. فمنذ ولادة الفكرة الأولى كان الهدف أن أروي التاريخ على لسان امرأة، وهذا ما حققته حتى بآخر صفحة في الرواية حين تقرر أسمهان أن تهاجر. إنه التاريخ الشفوي بمعناه المقاوم للسرديات الكبيرة المدونة في كتب التاريخ الحديث والقديم. أؤمن أنه آن أوان قراءة التاريخ كما عاشته المرأة وخبرته وهي التي تصنع وتحيا التفاصيل وترى فيها ما لا يراه الآخرون.
الكتابة فعل حر
العرب: اللافت في روايتك الجديدة هو تحديد الخط الزمني والإحالة إلى شخصيات وأحداث لها مرجعية واقعية وتاريخية دون أن يكون كل ذلك على حساب الهوية الفنية للنص. إلى أي مدى يحقق هذا الشكل من الكتابة مداخل متعددة للرواية بدلا من أن تقيدَ في التصنيفات السائدة؟
إيمان حميدان: منذ وضعت الفكرة الأولى للرواية، أكثر ما كان يهمّني هو كتابة التاريخ الحديث للبنان وجزء يسير من تاريخ المنطقة، دون أن تكون الرواية رواية تاريخية، وأن يكون السرد موزعا بين نساء الرواية. ليس من السهل أن تشمل الكتابة سرد تاريخ حديث للمكان، ويبقى الاهتمام أثناء الكتابة الإبداعية مركّزا على الشخصيات ومحاولتها البحث عن أدوات تعبير وعن وسائل تحقيق لأحلامها.
ليس من السهل كتابة رواية والتمسك في نفس الوقت بالإخلاص للخط الزمني وللأحداث التاريخية. إنه أمر شاق، ولكن أعتقد أنني نجحت في ذلك. طرحت من خلال الكتابة الروائية مواضيع الهوية والانتماء والسياسة وعلاقة المرأة بالتاريخ وموقعها فيه. “أغنيات للعتمة” ليست كتاب تاريخ، صحيح روت حيوات الأفراد وتاريخهم الشخصي. لكن هذا التاريخ الشخصي لا ينفصل عن التاريخ العام. فالحربان العالميتان والمجاعة التي أصابت لبنان وإعلان دولة إسرائيل، وثورة عبدالناصر والحروب الأهلية في لبنان واجتياح لبنان عام 1982، إلى ما هنالك من تواريخ وأحداث في روايتي، كلها حكايات كبرى شكلت دون شك شخصيات الرواية وأثرت في رسم مصائرها.
أستعمل كافة الأدوات الفنية والتقنيات في الكتابة الروائية. فإلى جانب الكتابة الكلاسيكية حين ينطلق الروائي بوصف الشخصيات ونقل ما يفكّرون فيه وكيف يتحدثون، أعتمد أيضا على الرسائل والمذكرات والحوار. ثم أتنقل بين صيغ مختلفة للسرد بين غائب ومخاطب ومتكلم. هذا التعدد في استعمال الأساليب مردّه إلى غنى في الثقافة التي أتيت منها ونشأت في فضائها. ففي الرواية أنقل أزمنة مختلفة وشخصيات متناقضة لكل منها أسلوب تفكير ومقاربة مختلفة وتأتي طرق وأدوات البناء الروائي انعكاسا لثقافة الشخصيات وطرق تعبيرهم.
هنا أستطيع القول أيضا إن الصمت في الرواية الأخيرة كان أحيانا دالة قوية لأمور لم تقل، لكن الصمت عبّر عنها. وأذكر هنا شخصية الرسام وشخصية ياسمين. ولا أنسى الأغنيات التي كانت سلاحا قويا تمسكت به شهيرة لتقاوم القدر وقسوة الحياة، أما حفيدتها ليلى فكانت الروايات والموسيقى والأفلام عالما تهرب إليه من واقع بات أقسى من أن يحتمل.
لا بد أن أذكر هنا أن عودتي إلى الدراسة الجامعية لنيل شهادة الماجستير ساعدتني كثيرا في كتابتي الإبداعية، وأنا لا أؤمن بوجود جدران بين العلوم كافة، ويستطيع الكاتب أن يسخّر كل العلوم في خدمة الأدب. العودة إلى الدراسية الجامعية بعد سنوات من الكتابة الإبداعية، كانت تجربة شخصية لي استمتعت بها. هذه التجربة سهّلت عليّ القيام ببحث تاريخي واجتماعي ووضع هذه الأبحاث في خدمة الكتابة الإبداعية. ساعدني البحث الذي قمت به قبل كتابة الرواية على استكشاف قصص تاريخية وحكايات لأفراد وأماكن. ثم إن الحرية التي تعطيني إياها الكتابة تسمح لي بانتقاء ما تقع عليه عيني كمادة لكتابتي الإبداعية. الكتابة في النهاية فعل حرية بقدر ما هي فعل اختبار وابتكار.
تعدد التقنيات
العرب: تتحرك شخصيات الرواية في أماكن مختلفة غير أن ما يكون مسرحا فعليا للحدث هو كسورة وبيروت، فالأخيرة تتسع لجميع الأفكار والشخصيات قد تكون فضاء للحب أو ميدانا للحرب كما أن الإقامة فيها مؤقتة يرحل عنها كل من يوسف وأسمهان وتختفي فيها ليلى هل أردت بذلك الكشف عن قدر المدينة وطبعها؟
إيمان حميدان: أماكن الرواية تختلف بين ريف ومدينة والشخصيات تتحرك بين الفضاءين. صحيح أن المدينة تتسع لجميع الأفكار إلا أن الريف في “أغنيات للعتمة” يتميز أيضا بانفتاح نسبي، خاصة كسورة، وقد يكون السبب هو قربها من الساحل المديني. هناك المدارس التي توزعت في الريف أيضا خاصة مدارس الإرساليات التي ركزتْ عليها الرواية في كسورة وجوارها.
صحيح أن الناس يلجأون إلى المدينة ويتغيرون، إلا أن الحركة في الرواية لم تكن ذات اتجاه واحد فحسب. سافر والد ليلى من كسورة التي هي نفسها لجأ إليها هربا من عنف الحرب والتمييز، مثل العائلة الأرمنية التي أقامت قرب بيت شهيرة، التي بدورها أتت من قرية بعيدة، أبعد من الساحل. أتت من مكان بعيد ومختلف.
• الكاتبة تؤمن بالتجريب وتراه أمرا مهما وضروريا في الكتابة الإبداعية بينما تنفي وجود وصفة تقنية واحدة لكتابة الرواية
المدينة مكان يتسع للجميع، تجذب الوافد إليها بالثقافة والتعليم والنشاط السياسي. هناك يصبح المرء فردا وليس جزءا من قطيع. هي عامل تغيير، وهي عامل تقاطع في الوقت عينه، تأتي إليها الشخصيات ثم ترحل، فيها اختلاف بقدر ما فيها من تشابه، تلبّي أحلام الشباب وتعكس التغير السياسي ومطالب الناس، لكنها أيضا وربما تصنع الكثير من الأوهام التي ترافق من اكتشفها لوقت طويل قبل أن تعي الوهم الذي عاشته، وإن السجن قد يكون واسعا يتجاوز حدود المدينة والوطن بأكمله.
العرب: تعتمد الرواية على تقنية الرسالة وتتنوع الضمائر بين الغائب والمتكلم ماذا تضيف هذه التشكيلة الفنية إلى الصيغة الروائية من حيث الطاقة الإقناعية؟
إيمان حميدان: يهمني استعمال تقنيات مختلفة في كل رواية أكتبها. أحب التجريب في الكتابة وتجنب التكرار. التجريب أمر مهم وضروري في الكتابة الإبداعية ولا توجد وصفة تقنية واحدة لكتابة الرواية. من الصعب الخوض في هذا الموضوع من حيث التفسير لماذا أختار تلك التقنية وليس غيرها؟
أعتقد أن الاختيار يتعلق بمفهوم الكاتب لمعنى “رواية” وقدرته على التحرر من النمطية في الكتابة التي تمنعه أو تخيفه من التجريب. هناك روايات أحببتها لتقنياتها أكثر من موضوعها، مثل رواية “غير مرئي” لبول أوستر. تقنية الرسائل في تلك الرواية أوصلت القارئ إلى طرح أسئلة فلسفية عميقة شكلت حجر الأساس في الرواية.
نشأت ضمن عائلة وافرة العدد ينتمي أفرادها إلى أحزاب مختلفة، وأرى تعدد التقنيات يعود إلى ثقافة شخصية واجتماعية نشأت فيها. لا بد أن هذا التعدد مرتبط بحياتي وتنوعها. أرى الكتابة الإبداعية مرآة لنا تعكس كيف نرى العالم الذي حولنا. تنوع تقنيات السرد مرتبط دون شك بمقاربتنا للعالم وقبولنا بالاختلاف ورغبتنا في الانفتاح. يغدو السرد كما لو أنه جزء من حياة تشبه حيواتنا وتسير بموازاة معها. وكما أشرت في إجابتي السابقة، إن من المهم استعمال أشكال وأدوات متعددة في أساليب الكتابة، وهي تقنيات أساسية تساهم في بناء تلك العمارة المعقدة التي اسمها رواية، والتي مهما اختلفت تقنياتها عليها أن تحاكي الإنسانية جمعاء.

• لا توجد ذاكرة روائية دون مكان