إيقاف قاضٍ تونسي عن العمل: خطوة لإصلاح القضاء أم صراع نفوذ

تونس - أعلن مجلس القضاء العدلي بتونس عن إيقاف القاضي بشير العكرمي عن العمل وإحالة ملفه إلى التحقيق أمام النيابة العامة في خطوة أشاعت أجواء من التفاؤل لدى أوساط سياسية ألقت وابلا من الاتهامات تجاه العكرمي، لكنها أيضا أثارت تساؤلات بشأن أهميتها.
وملف العكرمي أصبح محل تجاذبات سياسية خاصة أن هناك صراعا بينه وبين قاض آخر هو الطيب راشد الذي يرأس محكمة التعقيب، حيث نشبت بين الطرفين سجالات عنيفة في وقت سابق بشأن عدد من القضايا.
ودفعت تلك السجالات التي طالت قضايا تكتسي حساسية بالغة على غرار ملف الاغتيالات السياسية بعد ثورة 14 يناير 2011 المجلس الأعلى للقضاء للتعهد بملفي العكرمي وراشد، وهو ما أثار تساؤلات عما إذا كانت قرارات المجلس ستكرس استقلالية القضاء أم أنها ستكون امتدادا لصراع النفوذ بين الطرفين.
وقال المجلس في بيان له عبر صفحته على موقع فيسبوك، إن “مجلس القضاء العدلي المنتصب للتأديب بتاريخ اليوم الموافق لـ13 جويلية (يوليو) قرر إيقاف القاضي السيد البشير العكرمي عن العمل في انتظار البت في ما ينسب إليه ويحال الملف فورا إلى النيابة العمومية لاتخاذ ما تراه صالحا من إجراءات عملا بأحكام الفصل 63 فقرة ثانية من قانون المجلس الأعلى للقضاء”.
وجاء قرار المجلس في وقت يواجه فيه العكرمي اتهامات من قبل هيئة الدفاع عن الشهيدين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذين اغتيلا في العام 2013 بالتستر على 6268 ملفا إرهابيا و1361 قضية إرهابية وتهديده المجلس القطاعي العدلي.
وفي أولى ردود الفعل حول إيقاف العكرمي عن العمل رحّب حزب التيار الشعبي بالقرار قائلا في بيان نُشر الأربعاء، إن “التيار الشعبي يتوجه بشكره ودعمه الكامل لهيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي على كل الجهود الجبارة التي قامت بها في القضية حيث حولت بصمودها وثباتها في معركة طويلة وشاقة ملف الشهيدين الذي أريد طمسه إلى معركة تحرير بلادنا ومؤسساتها من التمكين الإخواني والفساد”، في تلميح إلى قرب العكرمي من حركة النهضة الإسلامية.
وأعرب البيان عن إكباره للقرار الذي وصفه بالتاريخي لمجلس القضاء العدلي، مشدّدا على أن “المجلس رفض الانصياع للضغوط وانحاز للحق وقطع مع تكريس سياسة الإفلات من العقاب، ويعتبر قراره علامة مضيئة في تاريخ القضاء التونسي، ونتمنى أن يكون انطلاقة فعلية في اتجاه تكريس استقلاليته”.

منجي الرحوي: عزل العكرمي زلزال سيعطي للقضاء مساحة من الاستقلالية
ومن جانبه، اعتبر النائب البرلماني منجي الرحوي أن “عزل بشير العكرمي عن العمل زلزال قضائي وسياسي وسيعطي للقضاء مساحة من الاستقلالية”.
وأضاف الرحوي في تصريح لإذاعة “موزاييك أف.أم” المحلية أن القرار “فاتحة طريق لكشف حقيقة العديد من القضايا وإسقاط قناع من لعبوا دورا في قضايا الاغتيالات السياسية رغم انتمائهم السياسي”.
ولاقى قرار مجلس القضاء العدلي ترحيبا داخل الأوساط القضائية رافقه تحذيرات من ضغوط قيل إنه تمت ممارستها ضده خلال دراسته لملف بشير العكرمي.
وقالت القاضية كلثوم كنو إنه “بعد ما قال مجلس الأعلى للقضاء كلمته بخصوص ملف القاضي البشر العكرمي، أنا أطلب من هيئة الدفاع عن ملفي الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي الإفصاح عن اسم القاضي الذي قابل راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة للضغط على عدد من أعضاء المجلس المذكور حتى لا يتخذ قرارا ضد القاضي البشر العكرمي”.
وأضافت كنو في تدوينة عبر فيسبوك أن “هذا ما ذكره أحد أعضاء هيئة الدفاع في شريط فيديو سبق نشره”.
وبدوره، أثنى القاضي والناطق السابق باسم وزارة الداخلية وليد الوقيني بقرار المجلس قائلا، إنني “أبكي من الفرح والعزة للأسرة التي أنتمي إليها، وأفرح لتونس كثيرا بمجلس القضاء العدلي وكالذي لدينا سادتي وقراره”.
لكن الشكوك لا تزال تخامر المتابعين بشأن إمكانية أن يكون القرار امتدادا لصراع النفوذ بين العكرمي والطيب راشد خاصة أن المجلس لم يتخذ بعد قراره بشأن الأخير.