إيقاف التدخل التركي شرط لبناء الثقة بين الفرقاء الليبيين في مؤتمر برلين

أردوغان يقايض الأوروبيين بين نفوذه في طرابلس وإطلاق أيدي المجموعات الإرهابية.
الأحد 2020/01/19
عثرة في طريق الحلول الليبية

القاهرة - قللت أوساط ليبية مقيمة في العاصمة المصرية من سقف الانتظارات في مؤتمر برلين بشأن الحل السياسي في ليبيا، معتبرة أن الهدف الأول هو نزع فتيل التصعيد الذي نتج عن التدخل التركي في الملف، ما يجعل الأولوية في المؤتمر هي الضغط على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي ينتظر أن يكون حاضرا في برلين، من أجل وقف التدخل العسكري المباشر في النزاع كأرضية ضرورية لبناء الثقة بين الفرقاء الليبيين.

وحذرت هذه الأوساط من خطورة الخروج من المؤتمر دون توصية واضحة بإجبار أنقرة على وقف تدخلها في النزاع، مشددة على أن أردوغان إذا خرج من المؤتمر بلا إدانة واضحة لتدخله سيعتبرها كارتا أخضر ليستمر في إرسال الجنود الأتراك والمرتزقة إلى ليبيا، فضلا عن المرور إلى التنقيب في الحدود البحرية الليبية متحديا الخرائط الدولية المعترف بها، تماما مثلما يفعل في سواحل قبرص.

ويراهن الليبيون على موقف موحد للدول الأوروبية من أجل الضغط لإلغاء الاتفاقية التي عقدتها تركيا مع حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج، وهي اتفاقية لا تستفيد منها ليبيا بأيّ شكل سوى أنها تعبّد الطريق أمام الجيش التركي للتدخل المباشر في البلاد سواء عن طريق جنود وخبراء أتراك أو عبر المرتزقة القادمين من سوريا.

وتستمر تركيا بإرسال مقاتلين أجانب إلى ليبيا. ونشرت مواقع ليبية متعدّدة، السبت، مشاهد فيديو تظهر مقاتلين يتكلمون اللهجة السورية. وقالت إنه يجري نقلهم في طائرة مدنية باتجاه طرابلس. ويأتي هذا بعد تقارير غربية مختلفة تحدثت عن تدفق المئات من المرتزقة الأجانب إلى ليبيا برعاية تركية، في إشارة واضحة إلى أن تركيا تدفع نحو إشاعة الفوضى وقطع الطريق على الاستقرار والحل السياسي.

وقايض أردوغان السبت في تصريحات له الأوروبيين بين القبول بنفوذ بلاده في ليبيا والاعتراف بحكومة الوفاق التي استنجدت به ومهدت لاستعمار تركي جديد، أو انتظار موجة من العمليات الإرهابية، في إشارة واضحة إلى أن تركيا تمسك بالزر الذي يطلق أيدي الإرهابيين لتهديد أمن أوروبا عبر التدفق في هجرة غير منظمة، أو استهداف مصالحها في ليبيا بالتفجيرات والاغتيالات.

وحذّر الرئيس التركي في مقال نشر في مجلة “بوليتيكو” السبت من أن “المنظمات الإرهابية” ستجد موطئ قدم لها في أوروبا إذا سقطت حكومة الوفاق.

وكتب أردوغان في المقال الذي نُشر عشية مؤتمر برلين من أجل السلام في ليبيا أن فشل الاتحاد الأوروبي بتقديم الدعم المناسب لحكومة الوفاق الوطني الليبية سيشكّل “خيانة لقيمها (أوروبا) الأساسية، بما في ذلك الديمقراطية وحقوق الإنسان”.

وأضاف “ستواجه أوروبا مجموعة جديدة من المشاكل والتهديدات إذا سقطت الحكومة الليبية الشرعية. ستجد منظمات إرهابية على غرار تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، واللذين منيا بهزائم عسكرية في سوريا والعراق، أرضًا خصبة للوقوف مجدداً على أقدامهما”.

وكانت أوساط عسكرية أميركية قد نبهت، الجمعة، إلى ارتفاع في عدد عناصر تنظيم داعش بالتزامن مع إرسال تركيا مرتزقتها إلى ليبيا.

وقال بول سيلفا، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية إن إدارة الرئيس دونالد ترامب بدأت ملاحظة طفرة “صغيرة” في أعداد عناصر داعش في ليبيا.

غسان سلامة: ليبيا تحتاج إلى وقف كل التدخلات الخارجية
غسان سلامة: ليبيا تحتاج إلى وقف كل التدخلات الخارجية

ونقل موقع المونيتور عن سيلفا قوله إن المعركة المتوقفة حاليا من أجل استعادة طرابلس تعطي مساحة للتنفس للمتشددين وعودة داعش إلى ليبيا.

لكن اللافت أن الرئيس التركي قال للأوروبيين إن الطريق المؤدي للسلام في ليبيا يمر عبر تركيا، في رسالة على أن أنقرة تمارس الوصاية على حكومة الوفاق، وأنها تدخلت لأجل الهيمنة وليس لمساعدة حكومة تقول إنها شرعية، ما يعطي مبررات قوية للاتهامات التي توجه لها من أنصار قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر الذين لجأوا إلى التاريخ لربط التدخل التركي بالاستعمار العثماني.

ويراهن الليبيون على أن تضغط روسيا، التي باتت ماسكة بأوراق مهمة في الملف الليبي، على تركيا من أجل الانسحاب الميداني كشرط ضروري لبناء الثقة بين طرفي النزاع، خاصة أن حفتر يرفض أيّ رعاية تركية لاتفاق سياسي في ليبيا، وهذا الموقف كان سببا رئيسيا في انسحاب قائد الجيش الليبي من مباحثات موسكو الأخيرة.

وهدف حفتر بهذه الخطوة إلى منع أنقرة من الحصول على أيّ شرعية لوجودها في ليبيا، في ضوء قناعة لدى الليبيين أن تركيا طرف في الحرب ولا يمكن أن تكون وسيطا أو راعيا بأيّ صورة. وفي خطوة لاحقة بعث حفتر برسالة إلى الرئيس الروسي فلادمير بوتين لإظهار أن لا مشكلة له مع روسيا، وأنه يفضل العودة إليها لإجراء مفاوضات جديدة، موحيا لموسكو بأن مشكلته مع أردوغان.

ويقول مراقبون إن المسؤولين الأوروبيين والأمميين يحتاجون إلى التخلي عن التعميم في الحديث عن الوجود الأجنبي بليبيا، وإظهار أن المشكل هو فقط مع تركيا، وليس مع أيّ جهة أخرى بسبب ارتباط التصعيد بالتدخل التركي.

واعتبر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة أن ليبيا “تحتاج إلى وقف كل التدخلات الخارجية” في شؤونها.

وقال سلامة “كل تدخّل خارجي يمكن أن يكون له تأثير مهدئ على المدى القصير”، في إشارة خصوصاً إلى وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في ليبيا الأحد الماضي، بمبادرة قامت بها موسكو وأنقرة. وأكد “لكن ليبيا تحتاج إلى وقف كل التدخلات الخارجية. إنه أحد أهداف مؤتمر” برلين.

ويشارك في هذا المؤتمر زعماء القوى الدولية والدول المعنية بالنزاع الليبي خصوصاً من أجل “تعزيز وقف إطلاق النار”.

وأضاف سلامة “لأن ما لدينا اليوم هو مجرّد هدنة، نريد تحويلها إلى وقف فعلي لإطلاق النار، مع رقابة وفصل (بين طرفي النزاع) وإعادة انتشار الأسلحة الثقيلة (خارج المناطق المدنية)”. وشدد على أنه “يجب أن تصمد هذه الهدنة”.

إقرأ أيضاً:

1