إيران وتركيا: تضارب مصالح في سوريا

اللاتفاهم بين تركيا وإيران لا يتوقف عند الساحل السوري، بل يمتد إلى أكثر من منطقة وأكثر من ملف.
الجمعة 2025/03/14
الابتسامات لا تحجب الخلافات

أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال لقائه مع نظيره التركي هاكان فيدان في جدة، مساء الجمعة 7 مارس الجاري، على هامش اجتماع وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي حول غزة، أن انعدام الأمن وعدم الاستقرار في سوريا يصبّان فقط في مصلحة الكيان الصهيوني، ويسمحان باستغلال الجماعات والعناصر الإرهابية والمتطرفة، بحسب ما أفادت به وكالة تسنيم الدولية للأنباء.

استمع فيدان إلى نظيره الإيراني دون أن يستمتع بعد أن شهدت العلاقة بين البلدين جدالا دبلوماسيا تمثل في استدعاء الخارجية الإيرانية، مساء الإثنين 3 مارس الجاري، السفير التركي لدى طهران حجابي كرلانفيج احتجاجًا على انتقاد وزير الخارجية التركي السياسات الإقليمية الإيرانية في المنطقة.

وخلال الاجتماع أوضح فيدان لنظيره الإيراني أن الهدف من تطوير العلاقات يعتمد على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، تحديدًا في سوريا، مذكرًا إياه بما تضمنته الاتفاقية التي وقعت بين البلدين في أبريل من عام 1926 والتي شملت مبادئ أساسية تحكم العلاقات الثنائية، وهي الصداقة والحياد والابتعاد عن مسببات الحروب.

يدرك الطرفان أن الظروف التي دفعت إلى التوقيع على المعاهدة لم تعد مناسبة اليوم، وأن كل شيء تغير باستثناء مصالح الدول ذات البعد الجيوسياسي. لهذا يبدو أنه لا يمكن الخروج من سياسة التدخلات في الشأن الداخلي للدول، وما يحدث في سوريا يعتبر نموذجًا على ذلك.

لا يتوقف الأمر عند المصافحة بين الرجلين، ولا عند تلك الابتسامات التي وزعاها أمام الكاميرات، بل هناك تضارب مصالح ورؤى إستراتيجية مختلفة، وما حصل في سوريا منذ الثامن من ديسمبر الماضي يعتبر صفعة على الخد الإيراني ومشروعه التوسعي. كما يعتبر البعض أنه صبّ في صالح الأهداف الإستراتيجية العسكرية لتركيا في سوريا، والمتعلقة بتحقيق الاستقرار لأمنها القومي.

لا يمكن رسم حدود للتلاقي بين تركيا وإيران، وسط تداخل مصالح وتوسع للنفوذ في أكثر من ساحة في المنطقة

اعتبر عراقجي أن الواقع المأزوم في بعض المناطق السورية يصبّ في مصلحة إسرائيل، وهذا صحيح. يستغل العدو انشغالات النظام السوري ليرسم خطوط منطقته العازلة في جنوب البلاد. إذ قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، مساء السبت 8 مارس الجاري، إن قوات “لواء الجولان 474” دمرت وسائل قتالية ونفذت أعمال تمشيط وأنشطة دفاعية في المنطقة العازلة بين فلسطين المحتلة وسوريا.

لا مناقشة حول الغايات الإسرائيلية لتقسيم البلاد وجعل سوريا دويلات متناحرة طائفيًا ومذهبيًا، لهذا قدمت العرض للدفاع عن قوات سوريا الديمقراطية – الكردية، كذلك فعل وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عندما عرض الحماية لدروز سوريا نتيجة التوترات التي حصلت بينهم وبين قوات الأمن العام السورية.

وتعتبر إسرائيل أن ما يحصل اليوم يصب في مصلحتها، فسوريا الضعيفة والمفككة هي مطلبها، لكنّ الذي يحصل في الساحل السوري يتخطى الاعتبارات الإسرائيلية ليدخل في النزاعات الداخلية الطائفية التي باتت من المرشح أن تنقلب إلى حرب أهلية، لاسيما بعدما بدأ الإعلام المناهض للإدارة السورية يظهر أن هناك حرب إبادة على الطائفة العلوية والشيعية والمسيحية.

هذه الصورة السريالية بعيدة كل البعد عن الواقع، إذ تبدي القوات السورية كل الحرص على الأقليات في سوريا وعلى حياتهم وحقوقهم، وأي تعد من أي جهة يحول الفاعل إلى المحاكمة. لهذا لا يمكن التوقف عند ماذا تريد إسرائيل من تلك الأحداث، لأن الأزمة الحاصلة قد يستفيد منها النظام السابق وحلفاؤه على رأسهم جماعات ممولة من إيران.

ولا يمكن للمتابع إلا أن يلاحظ المصلحة الإيرانية في عودة أذرعها إلى سوريا، تحديدًا في منطقة الوصل مع لبنان. إذ أن ما قامت به القوات السورية على الحدود اللبنانية بإغلاق المعابر الشرعية وغير الشرعية ساهم في إقفال معابر السلاح والمال إلى حزب الله في لبنان.

لهذا تجد طهران أن الفوضى الحاصلة تصب في مصلحة ترسيخ النفوذ، لاسيما بعدما وصلت النقاشات الدبلوماسية بين الإدارة الجديدة والسفارة الإيرانية إلى نقطة اللاتلاقي في تحقيق رغبات إيران.

ولا يتوقف اللاتفاهم بين البلدين عند الساحل السوري، بل قد يمتد إلى أكثر من منطقة، لاسيما أن هناك تقارير خرجت لتتحدث عن علاقات تربط بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الجماعة التي تصنفها الخارجية التركية “إرهابية”، وفلول النظام ومن معه في الساحل السوري.

إن أي تقارب إيراني مع هذه القوات سيشكل معضلة تباعد جديدة مع أنقرة على اعتبار أن في ذلك تهديدًا ضمنيًا لأمن تركيا.

ولا يمكن رسم حدود للتلاقي بين تركيا وإيران، وسط تداخل مصالح وتوسع للنفوذ في أكثر من ساحة في المنطقة. والجماعة التي تضعها أنقرة على لوائح الإرهاب، قد تجد فيها طهران صديقة لا بل ذراعًا لها في المنطقة، فمهما تكاثرت المصافحات بين الرجلين وتوزعت الابتسامات ظل هناك واقع لا يمكن التغاضي عنه وهو أن المعركة في الساحل السوري وسوريا عمومًا يجب أن تنتهي على قاعدة بناء الدولة، حيث لا مراعاة لإقامة الدويلات على غرار حزب الله في لبنان، وإن لم يتم ذلك فسيبقى التوتر سيد الموقف.

6