إيران تنتخب… فأي رئيس مطلوب

إيران لن يكون لها في هذه المرحلة بالذات إلا رئيس دمية لا يخرج عن سياساتها التوسعية واصطفافاتها الدولية، وينفذ سياسات الحرس الثوري والمرشد الأعلى.
الجمعة 2024/07/05
أيا كان الفائز فسيكون لسان المرشد

“لا ينبغي للرئيس أن يخلق قطبية ثنائية”، بهذه العبارة افتتح يحيى رحيم صفوي، مساعد ومستشار المرشد الإيراني، كلمته أمام حشد من المشاركين في الانتخابات الرئاسية الرابعة عشرة، طالبا منهم وبصراحة أن “ينتخبوا شخصا لا تتعارض آراؤه مع علي خامنئي، وأن على الشعب أن ينتخب رئيسا يعتبر نفسه الشخص الثاني”.

وأضاف صفوي الذي ألقى كلمة يوم الثلاثاء الحادي عشر من يونيو في مؤتمر بعنوان “حركة ذكريات الدفاع المقدس” أنه إذا قال رئيس السلطة التنفيدية “المرشد الذي يقول هذا وأنا أقول ذلك فإن هذا سيسبّب مشاكل في البلاد”.

تؤول الانتخابات الرئاسية في إيران إلى جولة ثانية، الجمعة، لاختيار رئيس للبلاد بعد عدم حسمها من الجولة الأولى في الثامن والعشرين من يونيو الماضي، إذ أسفرت الجولة الأولى عن اختيار كل من المرشحين الإصلاحي مسعود بزشكيان والمحافظ سعيد جليلي للتنافس، وذلك بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث طائرة مروحية في التاسع عشر من مايو الماضي.

بغضّ النظر عن نسبة المشاركة التي بلغت 40 في المئة بحسب المتحدث باسم اللجنة محسن إسلامي وهي تعتبر الأدنى منذ الثورة الإسلامية عام 1979، إلا أنّ نتائجها تحمل الكثير من القراءات وسط منطقة تشهد المزيد من التوترات التي تتراقص على وقع انزلاق نحو الحرب الكبرى، فهل تحتاج إيران رئيسا ذا فكر تفاهمي – حواري أم صدامي – عسكري؟

اليوم طهران تقف أمام مفترق طرق؛ فالإصرار الإسرائيلي على استمرارية الحرب، ورفع مستوى تهديداته المباشرة بتوسعها نحو حزب الله في لبنان، سيجرّان إيران ومن معها حتما إلى الحرب

تشتعل الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله مع استمرار الحرب في قطاع غزة. وبالمقابل تكثّف حركة الحوثيين عملياتها في البحر الأحمر، رغم تلقيها ضربات أميركية – بريطانية في عمق اليمن، وترفع الحركات العراقية منسوب تهديداتها من خلال استهداف مصالح الولايات المتحدة في كل من سوريا والعراق. الملفت أن كافة هذه الأطراف محوريتها طهران من جهة القرار والتسليح والتموين والعقيدة، هذا ما يبعد بحسب المنطق الدبلوماسي أي فرصة للتسوية، لا بل يرشح تزايد الصدام العسكري، الأمر الذي يعزّز الفرصة أمام المرشح المحافظ المتشدّد للوصول إلى سدّة الرئاسة.

تقف اليوم طهران أمام مفترق طرق؛ فالإصرار الإسرائيلي على استمرارية الحرب، ورفع مستوى تهديداته المباشرة بتوسعها نحو حزب الله في لبنان، سيجرّان إيران ومن معها حتما إلى الحرب. بالتوازي تقود الدبلوماسية الإيرانية جولة تسويات ترتكز على مبدأ التواصل مع دول الخليج العربي، بهدف ربط النزاع معها، وتطويق الدبلوماسية الأميركية عبر تمتين العلاقات الخليجية – الإيرانية.

كان ملفتا بعد الضربة الإيرانية الأخيرة على إسرائيل، أن تعود طهران لتهديد إسرائيل مجددًا، بعضلات فصائل كل “محور الممانعة” وتجرّها إلى المعركة في حال وسّعت إسرائيل الحرب على “حزب الله”. لقد ذكرت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة على منصة إكس أن إيران تعتبر “دعاية الكيان الصهيوني حول عزمه مهاجمة لبنان حربًا نفسية”، محذّرة من أنه في حال شنّ هجوم عسكري واسع النطاق، فسوف تليه “حرب إبادة” وشدّدت على أن جميع الخيارات ستكون مطروحة بما في ذلك المشاركة الكاملة لمحورها.

صدقت البعثة في تسمية “محورها”، هي التي انطلقت في تحقيقه مع تصدير ثورتها عام 1979. فإيران عملت عبر التاريخ على بناء محور لها في المنطقة، علّ ذلك يساعدها على مدّ نفوذها ويجعل منها دولة إقليمية قادرة على فرض المعادلات على الساحتين الإقليمية والدولية.

لا تخفي إيران ارتباطها بالمحور الذي أسّسته كل من الصين وروسيا بهدف إحداث “خربطة” في النظام الدولي القائم، ذلك النظام الذي تفرض الولايات المتحدة عليه نمط ثقافتها واقتصادها وتسعى لإخضاع مكوناته واللاعبين فيه خدمة لمصالحها.

بالتوازي مع قرع الطبول الإيرانية الحرب مع إسرائيل، تعمل طهران على كسر الصورة النمطية التي وضعتها واشنطن على إيران بأنها “شرطي الخليج”، الأمر الذي فرّق بينها وبين دول المنطقة، إذ تعمل اليوم عبر دبلوماسيتها على تطبيق سياسة “التلاقي والانفتاح” مع محيطها العربي، ليس حبا في خفض التوتر بينهما، ولكن بإصرار وبمباركة صينية وتحفيز روسي واضح.

الانتخابات الرئاسية في إيران تؤول إلى جولة ثانية لاختيار رئيس للبلاد بعد عدم حسمها من الجولة الأولى في الثامن والعشرين من يونيو الماضي

ذكرت وكالة أنباء البحرين الرسمية أن المملكة وإيران اتفقتا على “إنشاء الآليات اللازمة من أجل بدء المحادثات بين البلدين لدراسة كيفية استئناف العلاقات السياسية بينهما”. وجاء ذلك خلال لقاء جمع وزير الخارجية البحريني عبداللطيف الزباني والقائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني في طهران.

لا تستطيع إيران الخروج من دائرة الانقسام العمودي القائم دوليا، فهي تجد نفسها جزءًا من محور يعمل على اقتلاع الهيمنة الأميركية عن النظام العالمي. فهي ترتبط مع كل من الصين وروسيا بتحالفات عسكرية واقتصادية، الأمر الذي يجعلها ملزمة في المشاركة في الحرب بوجه الغرب إن دخلت إسرائيل الحرب مع لبنان أم لم تفعل ذلك.

لكنّ إيران التي تسير على خطى ربط النزاع مع دول المنطقة، ورفع تصعيد التهديد مع إسرائيل وأميركا، قد تجد نفسها في قلب الحرب لاسيما وأنها تسير على خطى تصنيع القنبلة النووية، وقد تجد نفسها أمام حرب كبرى إسرائيلية عليها. لقد ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقرير أطلعت عليه رويترز أن إيران ركبت أربعا من ثماني مجموعات متطورة تستخدم في تخصيب اليورانيوم قالت طهران في وقت سابق من يونيو الماضي إنها ستضيفها على عجل إلى محطة فوردو لكنها لم تبدأ تشغيلها بعد.

بالعودة إلى ما قاله صفوي، وفي ظلّ أحداث المنطقة وتطوراتها، يخرج صفوي في موقف واضح يعبّر عن موقف السلطة الحاكمة في إيران، وهو يحمل دعوة إلى انتخاب رئيس لا يخرج من كتف المرشد، ولا يعارضه، بل جلّ ما هو مطلوب منه التكلم بلسانه. لهذا، كائنا من كان الفائز من المتنافسَيْن الإصلاحي أو المحافظ المتشدّد، لن يكون لإيران في هذه المرحلة بالذات إلا رئيس دمى لا يخرج عن سياساتها التوسعية واصطفافاتها الدولية، وينفّذ سياسات الحرس الثوري والمرشد الأعلى.

7