إيران تتخذ من غزة نموذجا مصغرا لحرب صواريخ شاملة على إسرائيل

في غمرة التحركات الدولية والعربية الضاغطة لوقف التصعيد في قطاع غزة، تحث إيران الفصائل الفلسطينية على الاستمرار في القتال، دون النظر إلى حجم المعاناة التي يتعرض لها سكان القطاع المحاصر.
غزة – دخلت الحرب في قطاع غزة يومها الثامن دون مؤشر عن توجه أي من الطرفين المتحاربين لخفض التصعيد، رغم التحركات والاتصالات الدولية التي اتخذت الأحد زخما أكبر، وسط تحذيرات أممية من أزمة إقليمية “لا يمكن احتواؤها” في الشرق الأوسط.
تقول أوساط سياسية فلسطينية إن أطرافا مستفيدة من هذا الصراع المتفجر والذي راح ضحيته حتى الآن العشرات من المدنيين في القطاع، وستسعى تلك الأطراف جاهدة للإبقاء على جذوته، وهو ما يعني إطالة عذابات سكان القطاع المحاصر.
وتلفت الأوساط إلى أن من أبرز المستفيدين إيران التي تحرص على دفع الفصائل الفلسطينية إلى عدم التراجع واستمرار التصعيد، الذي انفجر الاثنين الماضي، على خلفية توترات في المسجد الأقصى وفي حي الشيخ جراح في القدس الشرقية.
وتشير الأوساط إلى أن هذا ما تضمنه فحوى الاتصالات التي أجراها العميد إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس الجناح الخارج للحرس الثوري الإيراني مع المسؤولين في حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
وتريد إيران من خلال ما يحدث إيصال رسالة لحكومة تل أبيب والمجتمع الدولي بأن غزة ليست سوى نموذج مصغر لحرب صواريخ شاملة على إسرائيل، في حال تفجرت، وأن على الحكومة الإسرائيلية إعادة النظر في حساباتها.
وتشهد العلاقة بين إسرائيل وإيران تصعيدا خطيرا في السنوات الأخيرة اتخذ منحى جديدا منذ فترة باندلاع حرب سفن بين الطرفين.
وتعارض إسرائيل بشدة توجه الإدارة الأميركية للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، وقد بدأت تل أبيب تستعد لهذا السيناريو من خلال الإعلان عن أكبر مناورة عسكرية في تاريخها قبل أن تضطر إلى وقفها بعد ساعات قليلة من انطلاقها على خلفية تفجر الأوضاع مع الفصائل الفلسطينية.
وفي غمرة الجهود الدولية والعربية الحثيثة للوساطة ووقف التصعيد في غزة، عمدت طهران إلى إيصال رسالة للفصائل وفي مقدمتها حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بضرورة الاستمرار، وعدم المبادرة بخطوة وقف إطلاق النار، متعهدة بتقديم المزيد من الدعم.
وأوردت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إرنا) الأحد خبر إجراء العميد قاآني اتصالين برئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة.
وأشارت الوكالة إلى أن قاآني أكد للنخالة “أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تدعم حقوق الفلسطينيين في مواجهة انتهاكات وجرائم العدو الصهيوني”.
ونوّه قائد القوة الموكلة العمليات الخارجية في الحرس الثوري بـ”تطور المقاومة الفلسطينية وقدراتها في الدفاع عن شعب فلسطين”. كما نقل قاآني رسالة دعم مماثلة إلى هنية، مؤكدا “وقوف الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى جانب فلسطين”، وإدانتها “انتهاكات النظام الصهيوني وجرائمه في القدس وغزة”.
واعتبر أن ما تقوم به إسرائيل في القطاع وحي الشيخ جراح في القدس “يخالف كل القوانين والمعاهدات الدولية”.
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني زعم في وقت سابق أن بلاده الوحيدة التي تقدم الدعم والحماية للفلسطينيين، منتقدا دول المنطقة، خاصة مصر والأردن.
وقتل أكثر من أربعين فلسطينيا في الضربات الإسرائيلية على القطاع الأحد في أعلى حصيلة يومية لتبادل القصف بين إسرائيل والفصائل، ما يرفع عدد القتلى الفلسطينيين منذ نحو أسبوع إلى 188.
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقب اجتماع لمجلس الوزراء المصغر (الكابنيت) أن الحملة على القطاع “متواصلة بكل قواتها وستستغرق وقتا، حيث تريد إسرائيل أن يدفع المعتدي الثمن وتستعيد الردع”.
من جهته قال رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي أن حركة حماس “أساءت تقدير قوة ردنا (...) حيث تتعرض غزة لقصف جوي شديد وغير مسبوق. نحن نقوم بالذي يجب علينا عمله لحماية مواطني إسرائيل”.

وهذه أعنف مواجهة في غزة منذ العام 2014، وتشهد شن الطيران الحربي الإسرائيلي غارات مكثفة على القطاع، وترد الفصائل بإطلاق صواريخ طالت مناطق واسعة في الأراضي الإسرائيلية، منها صواريخ تم استخدامها للمرة الأولى حيث بلغ مداها 250 كلم.
واندلعت جولة العنف بعد إطلاق الفصائل صواريخ باتجاه إسرائيل تضامنا مع المئات من الفلسطينيين الذين جرحوا في صدامات مع القوات الإسرائيلية في باحة المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة، وتهديدات بطرد عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح لصالح مستوطنين يهود.
وشكل رد الفصائل السريع على التصعيد في القدس صدمة للكثير من المراقبين، الذين اعتبروا أن القرار لا يخلو من أبعاد سياسية في علاقة بما يجري في الإقليم، ولم يستبعد البعض أن يكون ما حدث بإيعاز من طهران لإعادة خلط الأوراق لاسيما وأنها تنظر للتحركات الإسرائيلية في الآونة الأخيرة بعين الريبة، وخاصة إعلانها عن مناورات “عربات النار”، التي دفعت حزب الله اللبناني إلى إعلان حالة الاستنفار القصوى. ويبني هؤلاء قراءتهم على أن استفزازات إسرائيل للمقدسيين لم تكن وليدة الأيام القليلة الماضية.
واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأحد أن التصعيد الجاري “يمكن أن يؤدي إلى أزمة أمنية وإنسانية لا يمكن احتواؤها وإلى تعزيز التطرف، ليس في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل فحسب، بل في المنطقة برمتها”.
وقال غوتيريش خلال جلسة لمجلس الأمن بخصوص التطورات في الأراضي الفلسطينية “يجب أن يتوقف القتال. يجب أن يتوقف فورا”، واصفا ما يحدث بـ”المروع”.
وحذر غوتيريش من أن «هذه الجولة الحالية من العنف لن تؤدي إلا إلى إدامة دورات الموت والدمار واليأس، وتدفع الأفق بعيدا عن أية آمال في التعايش والسلام».
من جهتها قالت السفير الأميركية بالأمم المتحدة إن بلادها مستعدة للدعم إذا سعى الطرفان إلى وقف إطلاق النار، في موقف يعكس أن الإدارة الأميركية ليست في وارد ممارسة أي ضغوط لوقف التصعيد.
واجتمع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مرتين الأسبوع الماضي في جلسات مغلقة لمناقشة تصاعد حدة العنف، لكنه لم يتمكن حتى الآن من الاتفاق على بيان عام لأن الولايات المتحدة، وهي حليف قوي لإسرائيل، لا تعتقد أنه سيكون مجديا.