إيران أمام مهمة معقدة لإحياء الاتفاق النووي

فيينا – انطلقت الثلاثاء محادثات فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى، وسط أجواء تهدئة إعلامية بين طهران وواشنطن التي تشارك في الاجتماع عن بعد، فيما تشير التوقعات الأكثر تفاؤلا إلى أن تكون المحادثات شاقة وصعبة لكنها ستفضي في نهاية المطاف إلى قبول طهران بمباحثات مباشرة تنعش الاتفاق النووي المجمد.
ويتواجد المسؤولون الأميركيون في مكان مختلف عن نظرائهم الإيرانيين، ضمن مشاركة الطرفين في الاجتماعات التي يحضرها أيضا مسؤولون من الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا وبريطانيا، فيما يلعب الأوروبيون دور الوسيط في هذه المباحثات.
وتهدف المفاوضات لإعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، وتمهيد الطريق لتراجع إيران عن تملصها من القيود التي فرضت عليها بموجبه، فزادت عمليات تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المئة، متجاوزة نسبة 3.67 في المئة المسموح بها.
ووصف مراقبون قبول إيران بالتفاوض غير المباشر عبر الوسطاء الأوروبيين مع الولايات المتحدة بأنه يمهد لمحادثات مباشرة في نهاية المطاف رغم التصعيد الإيراني ومحاولة طهران وضع شروط مسبقة قبل أي عملية تفاوض.
وتتمثل المشكلة الرئيسية في إحياء الاتفاق النووي الإيراني في من يبدأ أولا، حيث تصر إيران على أن ترفع الولايات المتحدة جميع العقوبات قبل استئناف المفاوضات والامتثال للاتفاق، فيما تريد واشنطن العكس.
وأعلنت الولايات المتّحدة الإثنين أنّها مستعدّة لإعادة النظر بقسم من العقوبات المفروضة على إيران إذا ما التزمت طهران بالكامل بالاتفاق النووي المبرم في 2015، في مبادرة قد تفضي بأن يتخذ فيها الجانبان خطوات صغيرة دون الالتزام الكامل لكسب الوقت.
ويرى محللون أن هذا النهج المعتدل من شأنه أن يبطئ تدهور العلاقات منذ إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق في 2018، ويوقف انتهاكات إيران اللاحقة التي جعلتها تقترب أكثر من مستوى تخصيب اليورانيوم للاستخدام في الأسلحة.
وقال مصدر مطلع على المراجعة الأميركية لسياسات تجاه الملف النووي إن الأميركيين “يفكرون بشكل حقيقي” في احتمال العودة المباشرة إلى الاتفاق النووي وما أسماه “الأقل مقابل الأقل” كخطوة مؤقتة.
وذكر مصدر آخر أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إذا خلصت إلى أن التفاوض بشأن العودة الكاملة للاتفاق سيستغرق وقتا طويلا، فقد تتبنى نهجا أكثر اعتدالا.
وقد تجد واشنطن سبلا أخرى لتخفيف الألم الاقتصادي لإيران لتمهد الطريق أمام صندوق النقد الدولي لإقراض طهران أو تسهل وصول البضائع الإنسانية أو تتبنى فكرة أوروبية لتسهيل ائتماني.
ورحبت إيران الثلاثاء بتصريحات “واعدة” لمسؤولين أميركيين أبدوا فيها استعدادا لإعادة النظر في بعض العقوبات المفروضة عليها دون المسّ من جوهر العقوبات.
وقال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي في مؤتمر صحافي “نجد أن هذا الموقف واقعي وواعد. يمكن لهذا الموقف أن يشكل بداية تصحيح المسار السيء الذي أوصل الدبلوماسية إلى طريق مسدود”. وأضاف “نحن نرحب بهذه التصريحات”.

وأتى موقف ربيعي ردا على سؤال بشأن تصريحات أدلى بها روبرت مالي مبعوث إدارة الرئيس الأميركي بايدن لإيران، لشبكة “بي.بي.أس” الأميركية.
وقال مالي في مقابلة نشرت الجمعة على الموقع الإلكتروني للشبكة “تدرك الولايات المتحدة أنه من أجل العودة إلى الالتزام (بالاتفاق النووي)، علينا أن نرفع العقوبات غير المتلائمة مع الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع إيران والدول الأخرى المنضوية” في إطاره.
ويجد بايدن نفسه محاصرا بين مؤيدي الاتفاق ومعارضيه. فالمؤيدون يحضّونه على الإسراع حتى لا يضطر بعد انتخابات الرئاسة الإيرانية المزمع عقدها في يونيو المقبل إلى التعاطي مع قيادة جديدة أكثر عداء للحوار مع واشنطن، فيما يدعوه المعارضون إلى عدم تقديم أي تنازل قبل قيام طهران بخطوات فعلية.
وفي رسالة وجهت إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، طالب سبعون نائبا جمهوريا وسبعون نائبا ديمقراطيا إدارة بايدن بالتفاوض على اتفاق أوسع نطاقا وأكثر صرامة مع إيران. غير أن بايدن يقول إنه يريد العودة أولا إلى اتفاق 2015، واعتماده نقطة انطلاق للتفاوض على التزامات “أقوى وأكثر استدامة”.