إنهاء أزمة الكهرباء يخفف الضغوط عن الحكومة المصرية

الحكومة الحديثة تعمل على تصفية الأزمات التي تصاعدت الفترة الماضية بما يهيئ الأجواء لبناء الثقة مع المواطنين.
السبت 2024/07/20
عودة الكهرباء تريح المصريين

القاهرة - امتصت الحكومة المصرية جملة من الضغوط الواقعة عليها جراء مشكلات انقطاع الكهرباء بعد أن أعلنت الوفاء بتعهدها السابق بشأن إنهاء خطة تخفيف الأحمال بدءاً من الأحد المقبل، وسط توقعات أن تخفت حدة أزمة مثلت صداعا سياسيا للسلطة مؤخرا، وفي خطوة تشي بأن الحكومة التي تشكلت حديثًا تعمل على تصفية الأزمات التي تصاعدت الفترة الماضية، بما يهيئ الأجواء لبناء الثقة مع المواطنين.

وأعلن رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، الأربعاء، إنهاء خطة تخفيف الأحمال خلال فترة الصيف من الأسبوع المقبل وحتى منتصف سبتمبر، وبنهاية العام الجاري سيتم حل الأزمة بالكامل، بعد وصول شحنات الغاز التي تم التعاقد عليها مؤخراً. وبدا واضحاً أن الحكومة الجديدة لديها رغبة في خلق ظروف مواتية لعملها بلا ضجيج مرتفع على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أن فترات تخفيف الأحمال تزامنت مع امتحانات “البكالوريا” التي تشغل قطاعا كبيرا من المصريين، وساهمت في وضع الحكومة السابقة في مرمى الانتقادات بشكل مستمر.

ويمكن الانطلاق من تخفيف وتيرة مشكلة الكهرباء للبحث عن حلول لأزمات أخرى في مقدمتها ارتفاع أسعار السلع وضبط الأسواق، ما يمنح الحكومة مشروعية شعبية ترفع عنها الكثير من الضغوطات. ويدعم الوفاء بتعهدات سابقة قطعها مصطفى مدبولي مسألة الاقتناع بقدرته على تحسين الأوضاع بعد اتهامات بعدم أحقيته للبقاء في منصبه.

حسام علي: تجنب الوصول إلى الأزمات يساهم في إجراءات بناء الثقة
حسام علي: تجنب الوصول إلى الأزمات يساهم في إجراءات بناء الثقة

ومع أن التعاقد على شحنات الوقود التي ساهمت في حل الأزمة تم قبل تشكيل الحكومة الحالية، إلا أن المكسب السياسي سوف تجنيه هذه الحكومة التي تنشط في ملفات عدة، وتسعى للتأكيد على أن تغيير الأشخاص ووجود خطط متطورة وغير تقليدية للمشكلات الاقتصادية يمكن أن يُحدث الفارق. وتكمُن الإيجابية في محاولة تحسين العلاقة بين الحكومة الجديدة وبين قطاع الصناعة والاستثمار، لأن أزمة الكهرباء تركت تأثيرها السلبي على بعض المصانع، وشككت في قدرات الحكومة على إحداث طفرة في هذا القطاع.

وأشارت وزارة البترول والثروة المعدنية في مصر إلى أنها وفرت 170 ألف طن مازوت لتشغيل محطات إنتاج الكهرباء، وانتظام وصول شحنات الغاز المسال من الخارج، واستقرار ضخ الغاز الطبيعي من بعض دول الجوار. ويشير ذلك إلى أن حل الأزمة يكمن في توفير وقود كان في حاجة إلى عملة صعبة تمكنت الحكومة من توفيرها بعد الاتفاق على برنامج تمويل جديد مع صندوق النقد الدولي.

وقال النائب الأول لرئيس كتلة الحوار (حزب سياسي تحت التأسيس يقف في منطقة وسط بين الحكومة والمعارضة) حسام علي إن إنهاء مشكلة الكهرباء يساهم ضمن إجراءات أخرى في تخفيف الضغوط الشعبية عن الحكومة، وتعاطيها المختلف مع الأزمة ومواجهتها للمواطنين بأسبابها وسبل التعامل معها عبّر عن توجه جديد، وخلق اختلافا بين تعاملها مع الانقطاعات المتكررة، وبين حكومة جماعة الإخوان قبل عشر سنوات، حينما ارتكنت على نظرية المؤامرة ونفت مسؤوليتها عنها.

وأضاف أن تجنب الوصول إلى الأزمات يساهم في إجراءات بناء الثقة مع المواطنين، والاعتراف بالتقصير الذي حدث من جانب الحكومة في مشكلة الكهرباء وغيرها من المشكلات ذات الارتباط بواقع المواطنين هو مقدمة لطريق طويل لإعادة جسور الثقة، بدأته بالتواصل المباشر مع وسائل الإعلام والرد على ما يتم إثارته من وقائع وقضايا ومشكلات.

وأشار حسام علي في حديثه لـ”العرب” إلى أن قدرة الحكومة على استباق الأزمات ومكاشفة المواطنين بصراحة والتفكير في حلول مستقبلية لا تركز على الحلول الآنية للأزمة ما زال غير واضح، وبالنظر إلى أزمة الكهرباء فإنها اضطرت لاستيراد شحنات من الغاز بأسعار مرتفعة لمعالجة الأزمة سريعًا، وكان يمكن توقع ما آلت إليه الأوضاع منذ بداية هذا العام. كما أن التعامل لا يجب أن يقتصر على استيراد الشحنات المطلوبة فقط، وعلى الحكومة أن تبحث عن حلول مستدامة ومنتجة، مثل الاستفادة المثلى من الطاقة الشمسية ومشروعات البيئة التي تقلل الاعتماد على الوقود.

عمرو هاشم ربيع: المحافظة على جودة الخدمة بالسعر الحالي مطلوب سياسيا
عمرو هاشم ربيع: المحافظة على جودة الخدمة بالسعر الحالي مطلوب سياسيا

وحذر متابعون من أن يكون الإعلان عن أزمة انقطاع الكهرباء مقدمة لزيادة جديدة في أسعار شرائح الكهرباء، مع حديث رئيس الحكومة صراحة حول اتجاه حكومته لإقرار زيادات طفيفة وتدريجية فيها، وهو أمر قد يقضي على أيّ مكاسب سياسية تحققها خطوة إنهاء تخفيف الأحمال، وستجد الحكومة نفسها أمام انتقادات جديدة، لأن فواتير الكهرباء تأخذ في الارتفاع بمعدل كبير في الصيف.

وأوضح نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة عمرو هاشم ربيع أن وقف انقطاع الكهرباء من شأنه أن يخفف الضغوط السياسية والشعبية عن النظام الحاكم، لأن العودة إلى قرارات تخفيف الأحمال وظفها تنظيم الإخوان لضرب شرعية النظام المصري القائم بعد ثورة 30 يونيو 2013، وباتت هناك حاجة ملحة إلى التعامل سريعا مع المشكلة بعد أن وصلت تأثيراتها إلى قطاعات الصناعة والزراعة.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن المواطنين يمكن أن يمنحوا الحكومة مزيدا من الثقة بفعل القرار الأخير، لوقف تخفيف أحمال الكهرباء، شريطة ألاّ تعقبه مباشرة زيادة في أسعار الكهرباء، لأنها تشكل ردة في تلك الحالة، وأن المحافظة على جودة الخدمة بسعرها الحالي لعدة أشهر أمر مطلوب سياسيًا، خاصة وأن أسعار المحاصيل الزراعية التي تضررت مع التوقف شبه الكامل لصناعة الأسمدة وبعض المنتجات الاستهلاكية التي يتم تصنيعها محليا وتضررت من أزمة الكهرباء ستأخذ في الارتفاع.

ويُعيد معارضون التذكير بوعود قطعتها الحكومة على نفسها في السابق بشأن إنهاء أزمة الكهرباء من دون أن تحققها، حيث وعدت قبل عام بانتهاء تخفيف الأحمال التي قالت إنها اضطرت إليها بسبب الموجة الحارة، لكن الانقطاع استمر بعد هذا الموعد. وتكررت الوعود مرة أخرى في سبتمبر من العام الماضي، وفي ذلك الحين قالت وزارة البترول إنه حدث تحسن في إمدادات الوقود، وتكررت الوعود ذاتها مع نهاية العام الماضي، فهل تصدق وعود الحكومة الجديدة هذه المرة.

2