إنجاح البكالوريا في تونس: مسألة إجرائية أم قياس لجدوى البرامج الدراسية

تونس - تعدّ البكالوريا في تونس (شهادة ختم المرحلة الثانوية) دبلوما مهمّا للدخول إلى التكوين في التعليم الجامعي، ويصطدم المدرّسون والطلاّب بكثافة المحاور في البرنامج، حيث لا يكفي الموسم الدراسي لإتمام المواد حتى لو كان دون تقطّعات، وهو ما يطرح تساؤلا عمّا إذا كان إنجاح البكالوريا مسألة إجرائية أم قياسا لمدى جدوى البرامج واقترابها من المتلقّي.
وتحظى المناظرة الوطنية باهتمام كبير لدى الأسر التونسية التي تكثف من استعداداتها منذ انطلاق الموسم الدراسي بتوفير الحاجيات لأبنائها ومتطلباتهم، فضلا عن كون البكالوريا ترسّخت في تقاليد الأسر ونواميس حياتها.
ولم ينف متخصّصون في المجال مسألة التأخر في إتمام البرامج التي تصطدم بعقبات كثيرة على غرار الجائحة الصحية في السنتين الماضيتين، لافتين إلى أن البكالوريا مزيج بين ضرورة إتمام البرامج المعرفية والعلمية من ناحية وتقييم لمكتسبات الطلاّب من ناحية أخرى.

عمر الولباني: عندما يتم تخفيف البرامج يتم تحقيق نسب تقدم في إنجازها
وأفاد عمر الولباني المدير العام السابق للامتحانات بوزارة التربية أنه “عندما تم تخفيف البرامج في السنوات السابقة، تم تحقيق نسب تقدم في إنجازها، وعموما مع نهاية الأسبوع الأول من شهر مايو يتم إنهاء البرامج”.
وأضاف لـ“العرب” أنه “يتم الاستنجاد أيضا بدروس التدارك لتحسين مستويات الطلاب ومكتسباتهم، لكن التأخير في إتمام البرامج موجود، لأن برنامج السنة الرابعة هو آخر البناء في 13 سنة من الدراسة”.
وتابع الولباني “امتحان البكالوريا يركّز أساسا على البرنامج، لكنّه تقييم أيضا لمكتسبات الطلاّب، والغاية من الامتحانات الوطنية هي الحصول على شهادة عما ينجز خلال السنوات الدراسية، فضلا عن كونه تقييما لمدى تدرّج الطلاّب في اكتساب المعارف والبرامج”.
وأشار إلى أنه في السنوات العشر الأخيرة لم يكن من السهل إجراء امتحان البكالوريا، خصوصا في سنة 2020 حيث سجلت تونس بين شهري يونيو ويوليو 300 إصابة بوباء كورونا يوميا، وهو ما زاد من مخاوف الطلاّب والأسر والمشرفين على المجال.
ونهاية شهر أبريل الماضي أكد وزير التربية فتحي السلاوتي على هامش زيارة أداها إلى ولاية سليانة (شمال غربي البلاد) أن الوزارة على أتم الاستعداد لإنجاح الامتحانات الوطنية (البكالوريا وغيرها)، التي تمثل مواعيد هامة تنتظرها كل العائلات التونسية دون استثناء.
كما شدد على ضرورة التصدي لظاهرة الغش في الامتحانات الوطنية، قائلا إن “هذه الظاهرة الخطيرة وبلغت مستويات لم تكن معهودة وسيتم اتخاذ الإجراءات القصوى لمكافحتها”.
وأكّد مسؤولون على أن البكالوريا حدث وطني يعيش على وقعه المجتمع التونسي مع نهاية كل موسم دراسي، لافتين إلى أنه مسألة تنظيمية وإجرائية وجزء مهم من المنظومة التربوية.
وقال عامر الجريدي كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة “من المؤكد أن إنجاح البكالوريا مسألة تنظيمية وإجرائية في إطار منظومة تعليمية وبرامجية تربوية متكاملة، لكن أساس الموضوع هو الجانب المضموني البرامجي والتحصيلي، الأخلاقي والمعرفي والمهاري والتأهيلي”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “إتمام البرنامج مسألة نسبيّة بين المحصول المعرفي والتحصيل المهاري، فقد لا يُكمَل البرنامج دون نتيجة مهارية، في حين يمكن الإتيان عليه جميعه دون إكساب المتعلّم والمرشح للامتحان القدرة على التصرف في المادّة المعرفية التي تقبّلها”.
أكاديميّون ومدرّسون يرون أن برامج البكالوريا ومحاورها تقتضي اختزالا كبيرا، فضلا عن مراجعة علاقة الطلاّب بالمعارف والعلوم لتقليص الضغوطات عليهم
وتدفع المكانة البالغة للبكالوريا في المجتمع الأولياء إلى التنافس على تحقيق النجاح قبل التلاميذ، حيث تعتبر العائلات التونسية البكالوريا مفتاحا للعبور نحو الحياة الجامعية لذلك يعمل الأولياء على إنجاح الحدث منذ بداية السنة من خلال التراتيب والتنظيمات وتوجيه أبنائهم.
ويأخذ الحدث بعدا تنافسيا بين الأسر لأهميته البالغة في المكانة الاجتماعية لذلك يتنافس الآباء والأمهات على تحقيق النجاح قبل التلاميذ. ورغم تنامي بطالة أصحاب الشهادات العليا إلا أن شهادة البكالوريا ظلت محافظة على مكانتها.
ويرى أكاديميّون ومدرّسون أن برامج البكالوريا ومحاورها تقتضي اختزالا كبيرا، فضلا عن مراجعة علاقة الطلاّب بالمعارف والعلوم لتقليص الضغوطات عليهم.
وقال بلقاسم فضل، أستاذ فلسفة لمستوى البكالوريا، إن “البرامج طويلة، ويجب التقليص فيها واختزال نصفها على الأقل، على غرار مادة الفلسفة، فضلا عن كون علاقة التلميذ بالبرامج تستوجب مراجعة عامة في كل المواد والمحاور”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الناحية النفعية والبراغماتية بالأساس تطغى على التربية والتعليم، وهي نسق كامل يبدأ منذ السنة الأولى ابتدائي، ويوجد تراجع كبير لنسبة التمدرس، والبكالوريا هي تتويج لثلاث عشرة سنة من الدراسة”.

عامر الجريدي: إتمام البرنامج نسبيّ بين المحصول المعرفي والتحصيل المهاري
وبخصوص دلالات البكالوريا وقيمتها في المجتمع التونسي، أشار فضل إلى “وجود ضغط نفسي كبير عند الطلاّب الذين يحبّذون اختيار اختصاصات ممتازة مثل الطب، أما البقية تنقص لديهم نسبة الضغط”، لافتا إلى أن “قيمة البكالوريا تتجلى في جدواها الاقتصادية والتشغيلية في ما بعد، ورغم تأثر مستوى الدراسة بسبب عدة عوامل، فإنه ما يزال هناك اهتمام بتحصيل الشهادة”.
وتابع “لا يوجد أستاذ أو مدرس لا يسعى لإنهاء البرنامج أو تحصيل ما يمكن تحصيله من معارف، لكن المشكلة أن الطلاّب في نهاية الموسم الدراسي يتغيبون بشكل كبير، فضلا عن وجود ظاهرة التدارك على الإنترنت التي يراها الطالب لا تقتضي الحضور في القسم”.
وعرفت المواسم الدراسية في السنوات الأخيرة جملة من التقطعات والأزمات بسبب الحجر الصحي الذي فرضته جائحة كورونا وصراع نقابات التعليم التي تتبنى مطالب المدرسين والدفاع عن حقوقهم المهنية.
وغذت الصراعات المستمرة بين النقابات الأساسية للتعليم ووزارة التربية الأزمة، ومع انطلاقة كل موسم دراسي سرعان ما تطفو على السطح مطالب الأساتذة والمربين المطالبة بالترفيع في الرواتب أو النظر في وضعيات التشغيل، فضلا عن مطالب نقابية تتعلق بالقطاع.
ويبلغ عدد المرشحين لامتحانات البكالوريا لدورة 2022 حوالي 134950 مرشحا وهو عدد أقل من الدورة الماضية حيث كان في حدود 146 ألف مرشح.
وقال مدير عام الامتحانات بوزارة التربية عادل بن حميدة في تصريح لإذاعة محلية، إن المرشحين في هذه الدورة ينقسمون بين 105738 مرشحا في المعاهد العمومية و20459 في المعاهد الخاصة و8753 مرشحاً فرديا يتوزعون جميعا على 587 مركز اختبار كتابي.
وتنطلق الدورة الرئيسية لامتحان البكالوريا من الثامن حتى الخامس عشر يونيو القادم، على أن يتم الإعلان عن النتائج يوم الأحد السادس والعشرين من نفس الشهر.
وتنطلق دورة التدارك أيام الثامن والعشرين والتاسع والعشرين والثلاثين من يونيو والأول من يوليو فيما ستعلن النتائج يوم السبت التاسع من يوليو.