إنتاج عربي ضخم للأفلام المصرية يجبر صناع السينما على التطوير

فيلم "ولاد رزق 3" يوجه البوصلة لتحسين المحتوى ومجاراة الإنتاج السخي.
الخميس 2024/07/04
فيلم حطم الأرقام القياسية

جاء الإنتاج السعودي لفيلم "ولاد رزق 3" ليكون خطوة مشجعة تبشر بتعزيز السوق المحلية، لكنها تضع تحديات جديدة أمام شركات الإنتاج المصرية التي لن يكون البعض منها قادرا على مجاراة التطورات التقنية والميزانيات المالية الضخمة التي تصرف على أفلام مصرية بإنتاج عربي.

القاهرة - أثار النجاح الجماهيري الذي حققه فيلم “ولاد رزق 3” بعد ما يقرب من ثلاثة أسابيع على عرضه بدور عرض عربية، تساؤلات عديدة حول مستقبل السينما المصرية وقدرتها على مجاراة الإنتاج الضخم للأفلام التي يشارك في صناعتها ممثلون ومخرجون وكتاب مصريون، ما يعني أنها موجهة لسوق مصري يبرهن على أن العمل الجيد قادر على أن يُعيده بكثافة إلى دور العرض السينمائي مرة أخرى.

حقق الفيلم إيرادات في مصر بلغت 200 مليون جنيه، فيما بلغ إجمالي إيراداته بدور العرض العربية ما يقرب من 800 مليون جنيه (الدولار= 48 جنيها)، واعتلى صدارة أكثر الأفلام جذبًا للجمهور في تاريخ السينما المصرية، ما يفرض منافسة من نوع آخر قد تظهر معالمها الفترة المقبلة بفعل رغبة جهات إنتاجية في تحقيق عوائد مماثلة أو الاقتراب من تلك الأرقام مع توسع الإنتاج السعودي للأفلام المصرية.

ويدرك القائمون على صناعة الفن في مصر أنهم أمام منافسة صعبة للغاية مع صندوق “بيج تايم” السعودي الذي تبلغ استثماراته الآن 100 مليون دولار لإنتاج  16 فيلما جديدا في المرحلة الأولى، ومن ثم فشركات الإنتاج الأخرى التي لن يكون لها نصيب من المشاركة ضمن الإنتاج السعودي عليها التفكير في أساليب تضمن بقاءها في المنافسة، ورغم أن الجزء الأكبر من الشركات المصرية لديه شراكات مع هيئة الترفيه السعودية التي تشارك في إنتاج على هذه الأعمال، غير أن ذلك قد يجبر جهات الإنتاج المحلية على تحسين جودة المحتوى الفني الذي تقدمه.

حنان شومان: فيلم "ولاد رزق 3" حقق تطورا تقنيا مهما للسينما العربية
حنان شومان: فيلم "ولاد رزق 3" حقق تطورا تقنيا مهما للسينما العربية

ويتفق البعض من النقاد على أن أي تطور فني يطال الأفلام المصرية له انعكاسات إيجابية على السينما المصرية التي قد تشهد تحولات مهمة الفترة المقبلة مع ضرورة القدرة على مجاراة ما يتم تقديمه من محتوى، والأمر لا يرتبط فقط بالقدرة على توفير ميزانيات ضخمة للأفلام، فمن المهم البحث عن قضايا تجذب الجمهور للسينما، وهؤلاء دائما ما يضعون فيلم “الحريفة” الذي شارك في بطولته عدد من النجوم الشباب مؤخرا وحقق نجاحا جماهيريا واسعًا في مصر بميزانية إنتاج ضئيلة.

شارك في بطولة فيلم “الحريفة” نور النبوي، نور إيهاب، أحمد غزي، خالد الذهبي، سليم الترك، ومغني المهرجانات كزبرة، ونجم الكرة المصرية السابق أحمد حسام ميدو، وهو من إخراج رؤوف السيد، وتأليف إياد صالح وإنتاج “تي فيسيشن”، وتناول قصة طالب أجبرته الظروف على ترك حياته التي اعتاد عليها والانتقال من مدرسته الخاصة إلى أخرى حكومية، فيكتسب بمرور الوقت احترام الزملاء بسبب مهارته الكبيرة في كرة القدم، وحقق الفيلم إيرادات اقتربت من 100 مليون جنيه مصري.

قالت الناقدة الفنية حنان شومان إن المبالغة تطغى على تقييم ضخامة إنتاج “أولاد رزق 3” سواء أكان ذلك بشكل ينعكس على هجوم موجه إلى الفيلم أو احتفاءً به، فالواقع يشير إلى أنه لا يشكل فارقًا على مستوى القصة أو الموضوع عن الكثير من الأعمال السينمائية المصرية، ويمكن مقارنته بفيلم آخر جرى عرضه في موسم عيد الفطر وهو “شقو” بطولة عمرو يوسف، فنجد أن تفاصيل العملين قريبة مع أن فيلم “شقو” من إنتاج شركة السبكي، وهو إنتاج زهيد غالبا.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن عوامل الإبهار تغيب عن غالبية الأفلام المصرية ذات الإنتاج المحلي بسبب الاعتماد على ميزانيات زهيدة تذهب معظمها لنجوم شباك التذاكر، وفي المقابل فإن فيلم “ولاد رزق 3” يصعب وصفه بأنه سيء أو رديء لكن الترويج له تم باعتباره وصل إلى القمة مع الإنتاج الضخم الذي في غير محله، وأن الواقع يشير إلى أنه حقق تطورا تقنيا مهما للسينما العربية.

وشددت شومان على أن استجابة شركات الإنتاج لهذا التطور قد تكون محدودة لإدراكهم عدم وجود فروق كبيرة في المستوى الفني، من حيث القصة والمحتوى، لكن في حال قدمت هيئة الترفيه السعودية أعمالا كانت فيها الفوارق واضحة مع الأفلام المصرية الأخرى، فذلك سيكون دافعًا لشركات الإنتاج لتحسين جودة ما تقدمه، وأن سبب تراجع إيرادات الأفلام المعروضة بجانب “ولاد رزق 3” هو قلة جودتها.

ينافس “ولاد رزق 3” ثلاثة أفلام أخرى عرضت بالتزامن مع موسم عيد الأضحى وهي: “عصابة الماكس” بطولة أحمد فهمي، وينتمي إلى فئة الأفلام الكوميدية، ومثله فيلم “اللعب مع العيال” بطولة محمد إمام وإخراج شريف عرفة، و”أهل الكهف” بطولة خالد النبوي وهو عمل تاريخي بصبغة حربية أخذ عن مسرحية لتوفيق الحكيم.

أسهم انتماء فيلم "ولاد رزق 3" إلى ثيمة أفلام الأجزاء المتعددة في انجذاب الجمهور إليه، والنجاح الذي حققه في الجزء الأول والجزء الثاني يدعم نجاح الثالث، فضلا عن الدعاية التي صاحبت عرضه، وملاءمته لفئات عمرية تتابع السينما في مصر وتستهويها مشاهد الأكشن والمغامرات التي غابت عن بعض الأفلام المصرية مؤخرا بسبب حاجتها إلى تمويل ضخم مع قناعة شركات الإنتاج المحلية بأنها تكون أمام مغامرة غير محسومة في ظل تراجع إقبال الجمهور على السينما بوجه عام.

أحمد سعدالدين: الإنتاج العربي للأفلام المصرية يصب في صالح السوق المحلية
أحمد سعدالدين: الإنتاج العربي للأفلام المصرية يصب في صالح السوق المحلية

يشارك في بطولة فيلم "ولاد رزق 3" أحمد عز، عمرو يوسف، محمد ممدوح، آسر ياسين، كريم قاسم، علي صبحي، أحمد الرافعي، سيد رجب، ومحمد لطفي، وهو من تأليف صلاح الجهيني، وإخراج طارق العريان، وتكون طاقم عمله من 700 فرد وجرى تصويره في القاهرة والرياض، وبلغت تكلفته الإنتاجية 600 مليون جنيه مصري.

أكد الناقد الفني أحمد سعدالدين أن جودة الفيلم تدفع نظريا شركات الإنتاج المصرية إلى تحسين جودة أعمالها، لكن الهدف هو الوصول إلى صلات تمكن تلك الشركات من الدخول في شراكات مع هيئة الترفيه السعودية دون أن تكون هناك مجازفة نحو ضخ أموال باهظة قد لا تأتي بمردودها، وأن صناع السينما في مصر يراقبون خطوات الصندوق السعودي الذي لم يشرع بعد سوى في تقديم عملين أو ثلاثة من بين 16 عملا سبق إنتاجها، وهناك شكوك حول الجدوى من الإنفاق الضخم، وأن إجمالي ما سيحققه “ولاد رزق” من إيرادات حاكم لمستقبل الأفلام خلال السنوات المقبلة.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الإنتاج العربي الضخم للأفلام المصرية يصب في صالح السوق المحلية مع ضرورة الالتزام بمتطلبات تقديم أعمال سينمائية جيدة في مقدمتها قصة الفيلم والسيناريو المحكم وفتح الباب أمام “صنايعية الكتابة” للعودة إلى التأليف السينمائي، ووقف ظواهر اتجاه المخرجين إلى الكتابة والتفرغ لتقديم أجيال جديدة من الكتاب، مشيراً إلى أن وجود سوق كبيرة لعرض الأفلام المصرية في العالم العربي فرصة يجب استغلالها جيداً في الوقت الحالي.

وأشار سعدالدين إلى أن وجود فيلم أو اثنين من إنتاج سعودي ضخم ومجموعة أخرى من الأفلام بجانبها لن يخدم سوق شباك التذاكر ولا صناعة السينما المصرية، لأن ما حدث في فيلم "ولاد رزق" أنه استحوذ على قاعات عرض كانت مخصصة لعرض أفلام أخرى، وهو أمر تجاري تنص عليه قوانين توزيع الأفلام، فالقاعات التي يتم فيها عرض أفلام لا تحقق جذبا جماهيريا يتم توجيهها لتقديم أفلام أخرى مكتملة العدد.

وتتخوف شركات الإنتاج المحلية من أن يؤثر دخول الإنتاج السعودي على خط الأفلام المصرية سلبًا على فرص المنافسة، لأن نجوم الصف الأول سوف يذهبون إلى من يمنحهم عوائد دولارية ضخمة، ومن المتوقع أن يقود ذلك إلى أزمة في الأجور بدأت تظهر تجلياتها في اتجاه عدد من النجوم إلى السينما بدلاً من الدراما وينعكس على غياب عدد من الفنانين البارزين عن دراما موسم رمضان المقبل، ما سيكون بحاجة إلى تنظيم يسهم في إحداث توازن في السوق السينمائي والدرامي أيضا.

14