"إم البنات".. قصة حب حالمة تواجه تحديات المجتمع اللبناني

تدور قصة المسلسل اللبناني “إم البنات” حول أرملة تعيش مع بناتها الثلاث منذ أن فقدت زوجها ليلة عيد الميلاد، ولكل ابنة شخصيتها وأحلامها، وفي الأثناء تعرف الأم الحب فتعيش تناقضات المرأة العاشقة والأم المسؤولة، ليتابع المُشاهد العديد من الأحداث الجامعة بين الرومانسية والمواقف الإنسانية المؤثرة.
تضمن المسلسل اللبناني “إم البنات” الذي تم عرضه أخيرا على شاشة تلفزيون “إم.تي.في” اللبنانية توليفة مضمونة النجاح لأي عمل درامي، فعلى مستوى الحكاية يتعرض العمل لقصة كلاسيكية مستساغة جماهيريا وطالما عولجت من قبل في العديد من الأعمال الإبداعية، حين يجمع الحب بين طرفين غير متكافئين اجتماعيا أو ثقافيا وتعليميا.
وعلى مستوى المعالجة الدرامية نجح المخرج فيليب أسمر في الإمساك جيدا بأطراف العمل وخيوطه المتشعبة، وتوظيف قدراته الإخراجية للخروج بصورة مبهجة ومؤثرة وتتمتع بالإثارة في نفس الوقت، كما يحمل المسلسل طابعا اجتماعيا لا يخلو أيضا من الكوميديا الخفيفة والعلاقات الرومانسية والإنسانية المؤثرة.
والمسلسل الذي أخرجه فيليب أسمر عن سيناريو لكلوديا مارشليان، جمع عددا من الوجوه المحببة إلى قلب المشاهد ككارين أسمر وجيري غزال، علاوة على وفاء طربية وليليان نمري وختام اللحام ومارينال ساركيس وفرح بيطار ومجدي مشموشي.
ويتكون “إم البنات” من إحدى وعشرين حلقة، ويدور حول فرح (كارين رزق الله) وهي أرملة شابة وفقيرة تعيش برفقة بناتها الثلاث وحماتها بعد أن توفي زوجها ليلة عيد الميلاد.
ويُبرز المسلسل كيف تجاهد الأم لتربية أبنائها وكيف خلّف رحيل زوجها المأساوي الخوف في داخلها من كل التفاصيل الصغيرة المرتبطة بمصرعه في ما يشبه العقدة النفسية، وهو خوف لازمها وانعكس على طريقة تعاملها مع بناتها وتصرفاتها مع الآخرين. وتواجه الأرملة الشابة الحياة وحيدة وتحارب من أجل لقمة العيش، كما تواجهها أيضا العديد من التحديات الصعبة كابتزاز شقيق زوجها لها وتهديد صاحب البيت بطردها منه.
وبينما هي تعيش على ذكرى زوجها المتوفى يقتحم حياتها فجأة شاب من أسرة ثرية وهو مايكل الذي يلعب دوره جيري غزال، يشعر مايكل نحو فرح بالعطف، وسرعان ما تتحول هذه العلاقة بينهما إلى حب جارف ومتبادل يضعهما معا في تحد أمام المجتمع، فكيف ستتعامل الأرملة الشابة مع ذلك الأمر؟ وكيف تواجه بناتها والمجتمع؟ وكيف يواجه مايكل أيضا أهله بهذه العلاقة؟ هكذا يضعنا المسلسل أمام مجموعة من التحديات التي تتفاقم مع الوقت، إلى أن تتبدل القناعات بفعل مؤثرات مختلفة.
المسلسل يحمل طابعا اجتماعيا لا يخلو من الكوميديا الخفيفة والعلاقات الرومانسية والمواقف الإنسانية المؤثرة
ولعل مفاجأة المسلسل اللافتة تتمثل في ذلك الحضور المميز للوجه الجديد على مجال التمثيل جيري غزال الذي يخوض التجربة لأول مرة مؤديا دور مايكل، وهو الشاب الطيب القلب المنحدر من أسرة غنية، والذي يقع في حب فرح.
ويناقش المسلسل قضية الفروق الطبقية على نحو مباشر في مراوحته بين عائلة فرح الفقيرة وجيرانها من ناحية، وعائلة مايكل التي تتمتع بالثراء من ناحية أخرى، إذ لا تتقبل والدة الشاب ارتباط ولدها بأرملة فقيرة لديها ثلاث بنات، غير أن تصاعد الأحداث يضع حلولا رومانسية وغير متوقعة لتلك التحديات. يواجه مايكل ممانعة أسرته في تحد، كما يواجه عناد فرح وترددها في ثبات، ويدفعها للخروج من أحزانها، ولا يكتفي مايكل بذلك فقط، بل يحاول جاهدا أن يجد حلولا للكثير من المشكلات التي تعترض حبيبته، فيدفع لصاحب البيت الجشع أموالا حتى يكف عن تهديدها بالطرد، ويتدخل في الخلافات التي تنشب بينها وبين شقيق زوجها المتوفى.
المسارات الدرامية الثانوية في المسلسل لا تقل رومانسية، ولا تخلو من التحديات هي الأخرى، ولعل أبرزها تلك العلاقة المربكة التي تجمع بين صاحب البيت رئيف (عاطف العلم) وزوجته زلفا (ليليان نمري)، وهما دوران أضافا للمسلسل نكهة خفيفة ومحببة، فالزوج رئيف رجل بخيل وجشع، أما زوجته فتتمتع بالحنان والعطف، وهي الصديقة المقربة من فرح.
تعاني زلفا من العقم ويستغل زوجها ذلك الأمر في ابتزازها والسيطرة عليها، وتبلغ قسوة الزوج ذروتها حين يبيع بيتهما ويهرب تاركا إياها وحيدة في مواجهة الحياة.
وعلى هذا النحو تتكرر الإشارة أكثر من مرة إلى التحديات التي تواجهها المرأة التي تضعها ظروف الحياة في مكان المسؤولة عن الأسرة أو العائلة، وهي تحديات تتشابه في تفاصيلها رغم اختلاف الطبقة الاجتماعية والثقافة والتعليم، فوالدة مايكل نفسها وهي سيدة غنية وتلعب دورها الفنانة ختام اللحام قد تخلى عنها زوجها في سبيل نزواته ومغامراته النسائية، تواجه التحديات نفسها التي تواجهها فرح وزلفا الفقيرتان، لذا فهي تتعاطف في النهاية مع فرح وتبارك ارتباطها بابنها.
وبين الأدوار اللافتة في هذا المسلسل يبرز دور الحماة المكلومة الذي أدته وفاء طربية، وهي الأم التي تفقد القدرة على الكلام بعد مصرع ابنها، وتعيش في صمت وعزلة، لكنها تخرج من عزلتها حين تتعاظم المحن من حولها. كذلك تمتع دور كارين رزق الله بالقوة في العديد من المواقف، وهي التي تجد نفسها مقسمة بين إخلاصها لذكرى زوجها وحبها الجديد الذي تخشى الإفصاح عنه.