إلى أي مدى ستصل الاحتجاجات في إيران؟

القيادة السياسية الإيرانية تعقد اجتماع أزمة بعد الفشل في تطويق الحراك الشعبي.
الاثنين 2022/10/10
الإيرانيون يخترقون التلفزيون الرسمي

بعد فشل الأجهزة الأمنية الإيرانية في تطويق الاحتجاجات التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، عقدت القيادة السياسية الإيرانية اجتماع أزمة للبحث في طرق بديلة لتهدئة الشارع الذي كسر المحظورات بالتمرد على النظام والمطالبة بإسقاطه.

طهران - عقدت القيادة السياسية في إيران اجتماع أزمة في ظل تزايد حدة الاحتجاجات التي تشهدها جميع أنحاء البلاد، والتي اندلعت على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق بدعوى عدم التزامها بقواعد الزي الإسلامي قبل قرابة شهر، ما يطرح تساؤلات بشأن المدى الذي يمكن أن تصل إليه الاحتجاجات التي فشلت الأجهزة الأمنية في تطويقها.

وذكرت الرئاسة الإيرانية الأحد أن الرئيس إبراهيم رئيسي ورئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية شاركوا في الاجتماع. وبحسب بيان مشترك صادر عن رئاسة الجمهورية، دعا المشاركون في الاجتماع إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية، والوقوف ضد "المؤامرات المعادية" من أعداء النظام الإسلامي.

ولا يزال سبب وفاة أميني غير واضح. وبينما يعتقد المنتقدون أن اللوم يقع على "وحشية الشرطة"، تصر السلطات على أنها توفيت بسبب قصور في القلب. ومنذ وفاة أميني اندلعت احتجاجات داخل إيران وخارجها ضد القيادة الإيرانية وتحديدا ضد فرض الحجاب. وردت قوات الأمن بحملة قمع عنيفة أسفرت عن مقتل العشرات وإصابة الكثيرين.

ولامت القيادة الإيرانيةُ الغربَ، وقالت إن الاضطرابات نتيجة "مؤامرة" تورطت فيها الولايات المتحدة وإسرائيل و"خونة إيرانيون في الخارج". وما تشهده إيران من احتجاجات منذ وفاة الفتاة الكردية الإيرانية مهسا أميني بعد أن احتجزتها الشرطة بدعوى عدم التزامها بالزي الإسلامي لم يسبق له مثيل، خاصة بعد اتساع نطاقها؛ إذ انتشرت في أكثر من 85 مدينة.

عماد أفروغ: الإيرانيون يطالبون بتغيير واسع النطاق بسبب الفقر والظلم

وقال المحلل الإيراني الدكتور جواد حيران نيا إنه على عكس احتجاجات عام 2009، التي اعترض فيها الإيرانيون على شرعية الانتخابات، أو احتجاجات عامي 2017 و2019، التي كانت أسبابها قضايا اقتصادية وقام بتنظيمها في المقام الأول الفقراء، تعد الاضطرابات الحالية أكثر انتشارا، وأدى الغضب إلى توحيد كل الفئات الاجتماعية الإيرانية.

وأضاف حيران نيا ، مدير مجموعة دراسات الخليج العربي في مركز البحث العلمي والدراسات الإستراتيجية للشرق الأوسط في إيران، أن القضايا الاجتماعية والسياسية تلاقت في حقيقة الأمر خلال الاحتجاجات التي بدأت الشهر الماضي، وأن ما بدأ وكأنه غضب ضد الحجاب الإلزامي تطور إلى غضب واسع النطاق ضد النظام الحاكم.

وصرح عماد أفروغ، الرئيس السابق للجنة المركزية لمجلس الشورى الإيراني (البرلمان)، لموقع جماران نيوز الإخباري بأن الاحتجاجات تطالب بالمرونة على مستوى فرض الحجاب بصفة خاصة وعلى مستوى الحكم بصفة عامة.

وقال أفروغ إن الإيرانيين يطالبون أيضا بتغيير واسع النطاق بسبب انتشار الفقر والظلم والبطالة والتمييز، مضيفا أن المجتمع الإيراني غارق في المشاكل ويبحث عن حلول.

وتضمن الشعار الرئيسي للاحتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية" دلالة قوية أيضا؛ فقد لعبت النساء دورا محوريا في الاحتجاجات وشجعت مطالبتهن بإجراء إصلاحات على ظهور وعي اجتماعي جماعي بالتحديات التي تواجهها الإيرانيات.

والطلبات الكاملة للمحتجين واسعة النطاق، فهي شاملة وجامعة؛ إذ تتضمن قضايا تخص الرجال أيضا. وتتعلق الاحتجاجات الآن بالحقوق التي تخص كل الإيرانيين.

وأضاف حيران نيا أن قادة الاحتجاجات ليسوا فقط من الطبقة الوسطى، وإنما هم أيضا من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و20 عاما.

وحُظي وجود هؤلاء الشباب بالإعجاب من جانب غيرهم من الإيرانيين؛ فعلى سبيل المثال أشادت شخصيات عامة -مثل نصرالله حكمت (فيلسوف إيراني) وسورش سيحات (مدير)- بالطلبة وبمشاركة الشباب في الاحتجاجات، مشيرة إلى أنها "تعلمت دروسا من شجاعتهم".

ولكن لماذا يعارض الشباب الإيرانيون اليوم بجسارة وبجرأة ويتحاشون النهج المحافظ؟ ترى أستاذة الإعلام شاهيندوخت خارازمي أن هذا الجيل نشأ في عصر الوعي المستدام والرقمنة، وتقول "إنهم تعلموا كيفية التعامل مع مطالبهم والسعي لتحقيقها من خلال ألعاب الفيديو". وأضافت أن "هذا الجيل مستعد ليواصل اللعب حتى الفوز". ولا يستطيع المرء التحدث إلى هذا الجيل بلغة فرض القيود ويتوقع أن ينجح.

معركة انطلقت من غطاء الرأس.. التحرير أساسها وديدنها
معركة ضد النظام انطلقت من غطاء الرأس.. التحرير أساسها وديدنها 

وتابع حيران نيا أن من الملاحظ أن المحتجين لم يدعوا إلى إصلاح النظام السياسي الإيراني الحالي، مما يظهر احتداد الشعور بالإحباط ويأسهم من خطاب الإصلاحيين، وبصفة خاصة المحتجون المنتمون إلى الطبقة الوسطى. وفي الحقيقة يعتبر شباب اليوم منفصلين بشكل كبير عن الحركة الإصلاحية.

وينتمي معلمو شباب اليوم إلى حقبتي سبعينات وثمانينات القرن الماضي، الذين أمضوا فترة طفولتهم ومراهقتهم في ظل حالة الحرب، وفي مساحات مغلقة وقيود سياسية واجتماعية. وذكر حيران نيا أن هذا الجيل نشأ في غياب الإنترنت ولم تكن لديه الإمكانية لمقارنة نفسه بالعالم، وحدثت احتجاجاته في غياب القنوات الداخلية أو الخارجية التي يمكن من خلالها سماع صوته.

◙ المحتجون لم يدعوا إلى إصلاح النظام السياسي الإيراني الحالي، مما يظهر احتداد الشعور بالإحباط واليأس من خطاب الإصلاحيين

وكانت مشاركة الطبقة الوسطى في الانتخابات الرئاسية عام 1997 أول مظاهرة واسعة النطاق لهم ضد النظام السياسي القائم. وكانت تهدف إلى إصلاح النظام. غير أن هذا المسعى فشل؛ فقد أدار الإصلاحيون في السلطة ظهورهم لمثلهم العليا، وفضلوا البقاء في السلطة على تلبية الطلبات الحقيقية للشباب.

وتابع حيران نيا أن هذا أسفر عن شعور الإيرانيين من الطبقة الوسطى بخيبة الأمل تجاه النهج الإصلاحي والإصلاحيين وحتى خطاب الاعتدال الذي قاده الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني.

وهذه القضية كشفت عن نفسها في الانتخابات البرلمانية عام 2020 والانتخابات الرئاسية عام 2021 عندما قرر الإيرانيون المنتمون إلى الطبقة الوسطى مقاطعة الانتخابات وأوضحوا بذلك شعورهم بخيبة الأمل إزاء النهج الإصلاحي.

والآن يعرب أبناء هذا الجيل، وهم شباب العقد الأول من القرن الحالي، عن احتجاجهم ضد النظام السياسي بطريقتهم. وهذا جيل منفصل عن التاريخ العام لجيل آبائهم الذي سعى لدعم الحركة الإصلاحية. وهو جيل لم يلعب أي دور في النظام القائم، فهو ضحية فقط.

ووفقا للمنظر الإيراني مقصود فراساتخه، تم حرمان شباب اليوم من حرية اختيار أسلوب حياتهم والعثور على وظيفة مناسبة والعيش في ظروف اقتصادية مواتية.

وقال مقصود إنه بدلا من ذلك يعيشون في حالة تضخم متفش وانعدام المساواة بين الجنسين وانعدام المساواة الدينية وقمع اجتماعي وسيطرة على المعلومات. وأصبحت سياسة حياة الشباب هي سياسة المقاومة.

5