إقليم طاطا نموذج لازدهار تعاونيات الواحات في المغرب

النهوض بمجال سلسلة إنتاج الحناء محرك للتنمية الاقتصادية ذات القيمة المضافة مع تمكين النساء والشباب.
السبت 2025/06/21
نشاط تعاوني مدر للأرباح

تبرز تعاونيات الواحات في إقليم طاطا كمثال على ديناميكية المجتمع المدني وقدرته على دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في المغرب، عبر اعتماد مقاربات تشاركية تقوم على تثمين الموارد وتحقيق التمكين للنساء والشباب، في سبيل تحقيق تنمية متوازنة ومستدامة.

إقيلم طاطا (المغرب) - يلعب القطاع التعاوني دورا مهما في جهود تطوير وتقييم سلسلة الحناء بإقليم طاطا الواقع في جهة سوس ماسة بالجنوب الشرقي للبلاد، باعتباره منتجا محليا لاقتصاد الواحات ذا قيمة اقتصادية عالية.

وتسهم التعاونيات بشكل ملموس في تحسين دخل النساء القرويات والمزارعين مع تعزيز ديناميكية التنمية المحلية المستدامة، كما أنها تدعم توليد فرص عمل مباشرة وغير مباشرة.

ويساعد هذا المسار في النهوض بمجال الحناء كمحرك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في منطقة فم زكيد بإقليم طاطا والمناطق المجاورة لها.

وينشط المزارعون المهتمون بإنتاج الحناء في إطار تعاونيات ومجموعات ذات نفع اقتصادي، وهي من المبادرات التي تم اتخاذها لتحقيق تأطير جيد للعاملين في المجال.

وتهدف المبادرة إلى تعزيز قدرات هذه الفئة وتحقيق هدف استدامة الإنتاج، سواء من الناحية الكمية أو الجودة، بالإضافة إلى تمكين المزارعين من الحصول على قدرة تنافسية جيدة.

حسن مكي: دار الحناء في زاكي تمثل لبنة أساسية في هذا المسار
حسن مكي: دار الحناء في زاكي تمثل لبنة أساسية في هذا المسار

وتطور عمل التعاونيات في الواحات، كونها تعرف تنوعا كبيرا في المنتجات الطبيعية، كما أن لها قدرة كبيرة على تنمية وتسويق هذه المواد الطبيعية في المعارض المحلية والدولية.

وشهد هذا النشاط الزراعي نموا ملحوظا في إقليم طاطا المتسم بانتشار الواحات، وذلك بفضل المبادرات التي يتم القيام بها لتطوير هذه السلسلة.

وتعتبر التعاونيات بجهة درعة تافيلالت المحاذية لجهة سوس ماسة شمالا، مدخلا للعمليات التنموية؛ فقد أصبحت عاملا مهما للتطوير وطريقا يمهد للنمو الاجتماعي والاقتصادي.

وتندرج تعاونية زاكي للفلاحة الطبيعية التي تشرف على تسيير دار الحناء بفم زكيد ضمن جهود تعزيز سلاسل الإنتاج ودعم المزارعين.

ويسهم مركز عرض وتسويق المنتجات المحلية، الذي شيد على مساحة 625 مترا مربعا، باستثمار يفوق 53 مليون درهم (5.3 مليون دولار) في دعم منتجات إقليم طاطا بما في ذلك الحناء والعسل واللوز والزيتون والنباتات العطرية والطبية والزيوت الأساسية وغيرها.

وترمي التعاونية عبر دار الحناء إلى تحديد قيمة الحناء بالمنطقة وتحسين ظروف عمل المنتجين، من خلال توفير مكان مجهز بمعدات حديثة للمعالجة والتعليب.

وأكد رئيس التعاونية حسن مكي أن دار الحناء تمثل لبنة أساسية في هذا المسار، الذي تتميز به المنطقة محليا، مشيرا إلى أن المشروع يندرج في إطار ديناميكية تنموية تهدف إلى زيادة القيمة المضافة.

وقال في تصريح لـ”العرب” إن “عملية التثمين تمر عبر عدة مراحل متكاملة انطلاقا من استقبال أوراق الحناء الخام من عند الزبائن، مرورا بمرحلة التنقية، ثم الطحن، فالتعليب والتخزين، لتطرح بعد ذلك في السوق في شكل منتج نهائي معد للتسويق والاستهلاك.”

وكان المنتجون يعانون من صعوبات تتعلق بمعالجة الحناء، حيث كانوا يعتمدون على النسوة وأدوات تقليدية في طحنها باستعمال أدوات الرحي الحجرية، وهي عملية مرهقة وتستغرق وقتا طويلا، كما أنها لا تضمن الجودة المطلوبة.

5.3

ملايين دولار كلفة بناء مركز عرض وتسويق منتجات طاطا، تشمل الحناء والعسل واللوز والزيتون

ولكن التعاونيات ساهمت خلال الفترة الأخيرة من خلال توفير معدات عصرية في تطوير سلسلة إنتاج الحناء، التي يعول عليها أهالي المنطقة.

ويؤكد مكي أن التعاونية التي يشرف عليها تشغل 14 عاملا من ضمنهم امرأتان لديهما آلات متطورة لطحن الحناء قدمتها المديرية الفلاحية لطاطا وقد “ساهمت كثيرا في طحن كميات كبيرة رفعت الإنتاجية بجودة عالية.”

وقال “نطمح إلى توسيع المشروع وزيادة اليد العاملة إلى أكثر من النصف في المستقبل القريب، فالتعاونية تسهم في تثمين هذا المنتج وتنمية وإنعاش الاقتصاد المحلي في إقليم طاطا.”

وبعيدا عن إقليم طاطا نجد تعاونيات يفوق عددها 50 في مدينة قلعة مكونة بإقليم تنغير جنوب شرق المغرب، أغلبها تشتغل في مجال إنتاج مشتقات الورد البلدي المعروفة به عالميا، والمنتشر على امتداد واحات دادس ومكون.

وطورت تلك التعاونيات منتجات مختلفة تدر لأصحابها أرباحا كثيرة مقارنة مع المواد المستخلصة من الورد، بل ثمة تعاونيات غيرت ما اعتادت على تسويقه.

ويرى خبراء أن التعاونيات التي تشتغل في مجال الواحات تعتبر أداة لتحقيق التنمية المستدامة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، مؤكدين أنها تسهم بصورة فعالة في الحد من البطالة والفقر وإدماج صغار المنتجين في السوقين المحلية والدولية.

وتم اختيار تعاونية زاكي من بين خمس تعاونيات مميزة بمبادرتها المبتكرة وأثرها الإيجابي على المجتمع المحلي في برنامج كرو آند بيتش في جهة سوس ماسة بتمويل مشترك من الاتحاد الأوروبي والبنك الأوروبي للاستثمار.

ويهدف تمويل الأوروبيين لهذه المبادرة الطموحة إلى تعزيز قدرات التعاونيات وتحويلها إلى محرك للتغيير الاقتصادي والاجتماعي.

Thumbnail

وكانت تعاونية زاكي ضمن 25 تعاونية تم اختيارها من أصل 210 تعاونيات استفادت من تدريبات مكثفة تناولت مواضيع متعددة مثل التسويق الرقمي والتجارة الإلكترونية والتصدير، فضلا عن الحوكمة والإدارة المالية.

وأوضح مكي أن الخبراء قدموا الدعم الفردي للتعاونيات، ما “ساعدنا على هيكلة مشاريعنا وتحقيق تأثير أكبر في مجالات التنمية المستدامة والتمكين الاقتصادي.”

وأكد أن التعاونيات في المنطقة تجسد ثمرة الجهود المبذولة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبدعم من المديرية الإقليمية للفلاحة بطاطا، واهتمام خاص بالمزارع المحلي والمرأة البدوية، باعتبارهما ركيزتين أساسيتين في تحقيق التنمية القروية المستدامة.

وبلغت كلفة بناء هذه الدار، التي أنجزها المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بورزازات ما يناهز 2.3 مليون درهم (230 ألف دولار)، في حين بلغت كلفة تجهيزها حوالي 1.3 مليون درهم (130 ألف دولار)، بتمويل من المديرية الإقليمية للفلاحة بطاطا.

ووسط كل هذا الزخم تطالب التعاونيات بمختلف أنواعها قطاعات الدولة والمؤسسات المنتخبة وكل الجهات المعنية بالاقتصاد الاجتماعي، بتقديم الدعم اللازم وتوفير آليات فعالة للتسويق الداخلي والخارجي.

كما يعول الناشطون في التعاونيات على زيادة المرونة وتيسير الشروط والإجراءات الإدارية والجمركية واللوجستية، لتطوير أدائها من أجل تقليص نسبة الفقر والهشاشة الاجتماعية.

11