إقرار قانون للصحافة والإعلام في ليبيا مؤجل حتى تتبيّن ملامح المرحلة القادمة

ما زالت وسائل الإعلام في ليبيا تعكس حالة الانقسام في البلاد. وفيما يعمل الصحافيون تحت حماية أحد أطراف النزاع لضمان سلامتهم الشخصية، باتت مواقع التواصل الاجتماعي مساحة لنشر خطاب الكراهية، وهو ما زاد في احتداد الأزمة، في وقت تطالب فيه منظمات مدنية بتحييد الإعلام لتوحيد صف الليبيين.
طرابلس - حث المشاركون في ندوة “مناهضة خطاب الكراهية ضد الأقليات، والمكونات الاجتماعية الهشة، لأجل تعزيز قبول الاختلاف، واحترام الآخر”، السلطات التشريعية في ليبيا على تجريم خطاب الكراهية ودعوها إلى إصدار قانون ينظم الإعلام في ليبيا، وتضمين الهيئة العامة لرصد المحتوى الإعلامي في الدستور، بالإضافة إلى تنظيم مؤتمر على مستوى الدولة لمناقشة خطر خطاب الكراهية.
وأقر المشاركون في الندوة الإلكترونية التي نظمتها الهيئة العامة لرصد المحتوى الإعلامي بالعاصمة طرابلس، السبت الماضي، إقامة حملة توعوية في وسائل الإعلام، ودعم الهيئة العامة لرصد المحتوى الإعلامي لمبادرات المجتمع المدني بهدف مكافحة خطاب الكراهية، والتشبيك مع أصحاب المصلحة لإصدار قاموس مفصل يحوي الألفاظ والجمل التي تشكل إخلالات مهنية، أو خطاب كراهية.
وقال مدير مكتب المستشارين في الهيئة رضا الهادي إن الهيئة ستعمل على إعداد قائمة سوداء للمروجين لخطاب الكراهية، وتنفيذ توصيات الندوة، ودفع وسائل الإعلام إلى القيام بدورها في تصحيح المعلومات المغلوطة المتعلقة بأصحاب الأرقام الإدارية، بالإضافة إلى التنسيق مع وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لأجل تحديث المناهج التعليمية وتضمينها برامج مكافحة خطاب الكراهية والتضليل.
لا يعرف إن كات الدولة الليبية ستتبنى خيار التعددية أم ستنزع نحو نظام حكم الفرد مع استمرار لغة السلاح
وسبق للمركز الليبي لحرية الصحافة العمل على إعداد بنود وثيقة “احترام حرية التعبير واستقلالية وسائل الإعلام” حيث قال إنه سيجري جمع التوقيعات على الوثيقة لاحقا من قبل الأحزاب والكيانات السياسية والمرشحين في الانتخابات الوطنية القادمة (الرئاسية والبرلمانية) “بهدف التعهد بالعمل مع المجتمع المدني والصحافيين لإقرار قوانين جديدة لتنظيم الإعلام وإنهاء حالة الفوضى والانفلات الإعلامي بما يحقق الاستقلالية وحرية الصحافة ويضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للصحافيين”، غير أن المشروع لا يزال في انتظار التنفيذ.
ويطالب صحافيون وقانونيون بضرورة إقرار قانون الإعلام كما تنص على ذلك المادة 174 من مشروع الدستور الذي أعدته الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، التي تنص بشكل صريح على استقلالية وسائل الإعلام، غير أن الأمر لا يزال بعيد المنال، رغم أن المنظمة الليبية للإعلام المستقل نشرت مشروعا رأى فيه الخبراء بداية جيدة لصياغة القانون المرتقب.
وبالمقابل، أعلنت السلطات في شرق ليبيا خلال فبراير الماضي أنها ستبدأ بتطبيق قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الذي أقره مجلس النواب الليبي في سبتمبر 2022، وينص على أن “كل من بث إشاعة أو نشر بيانات أو معلومات تهدد الأمن والسلامة العامة في الدولة أو أي دولة أخرى من خلال شبكة المعلومات الدولية أو استعمال أي وسيلة إلكترونية أخرى” في ليبيا أو أي بلد آخر، يواجه عقوبة سجن طويلة.
فيما رأى خبراء الأمم المتحدة أنه يمكن أن يكون له تأثير خطير على حرية الرأي والتعبير، ويُرجع عدد من المتابعين تأجيل العمل على إقرار قانون للصحافة والإعلام إلى عدم التكهن بملامح الدولة الليبية خلال المرحلة القادمة ومعرفة طبيعة النظام السياسي وما إذا كانت ستتبنى الخيارات الديمقراطية والتعددية أم ستنزع نحو نظام حكم الفرد مع استمرار سيطرة لغة السلاح وأجندات المتصارعين على الثروة والسلطة والرافضين ضمنيا للتداول السلمي على السلطة.
ولفت الدكتور محمد علي الأصفر أستاذ الإعلام في الجامعات الليبية، رئيس لجنة إعداد قانون تنظيم الإعلام، في دراسة إلى ما جاء في المادة 14 من الإعلان الدستوري لثورة فبراير 2011 من أن الدولة “تضمن حرية الرأي وحرية التعبير الفردي والجماعي وحرية البحث العلمي وحرية الاتصال وحرية الصحافة ووسائل الإعلام والطباعة والنشر وحرية التجمع والتظاهر والاعتصام السلمي بما لا يتعارض مع القانون”.
ليبيا تراجعت في تصنيف حرية الصحافة للعام 2023، إذ احتلت الترتيب 149 من بين 180 دولة، بعد أن كانت تحتل المركز 143 العام الماضي
وأشار إلى أنه بناء على هذه المادة أصبح العمل بقانون المطبوعات الصادر سنة 1972 شبه مجمد شكليا مما أدى إلى صدور العديد من المطبوعات التي وصلت إلى 430 مطبوعة من صحف ومجلات في مختلف المناطق الليبية وأنشئت المئات من القنوات المسموعة والعشرات من القنوات الفضائية وغيرها من المواقع الإلكترونية دون تنظيم ودون حسيب ولا رقيب.
وألغيت وزارة الإعلام ثم أُنشئت هيئة عامة للإعلام ثم مؤسسة عامة للإعلام، وأخيرا تم إلغاء بعض المؤسسات الإعلامية العامة وضم بعضها إلى ديوان الحكومة مثل الإذاعة الوطنية والرسمية والهيئة العامة للصحافة، وضم وكالة الأنباء الليبية إلى البرلمان. وأصبح قطاع الإعلام مشتتا دون إعادة تنظيم هيكلي وتشريعي مع عدم تأسيس نقابة للصحافيين أو قانون ينظم هذا القطاع.
وتراجعت ليبيا في تصنيف منظمة “مراسلون بلا حدود” لحرية الصحافة للعام 2023، إذ احتلت الترتيب 149 من بين 180 دولة، بعد أن كانت تحتل المركز 143 العام الماضي.
وفسرت المنظمة هذا الوضع بتراجع مؤشرات السياسة والاقتصاد والتشريعات الإعلامية، معتبرة أن الصحافيين غالبا ما يجبرون على خدمة طرف معين من أطراف الصراع على حساب الاستقلالية التحريرية.
ورأت المنظمة إن ليبيا تحولت إلى بؤرة سوداء حقيقية على المستوى الإعلامي حيث غادر معظم الصحافيين ووسائل الإعلام البلاد، فيما أن الصحافيين الذين اختاروا البقاء في ليبيا بات شغلهم الشاغل الحفاظ على سلامتهم، من خلال العمل تحت حماية أحد أطراف النزاع، ولم يعد بإمكان الصحافيين الأجانب تغطية الأحداث الجارية على الأرض.
وقالت المنظمة إن “شباب ليبيا أصبحوا يجدون في وسائل التواصل الاجتماعي مجالاً للحوار المفتوح، ورغم ذلك أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي في ليبيا تمثل مساحة لنشر التطرف وخطاب الكراهية”، وهو ما زاد من تعميق الأزمة المتفاقمة في البلاد منذ الإطاحة بأعمدة الدولة في العام 2011 وظهور الخطابات الانعزالية والتحريضية والتكفيرية والإقصائية كانعكاس لحالة الانقسام السياسي والاجتماعي والثقافي والتطرف الأيديولوجي والنزعة الغنائمية التي انتشرت على نطاق واسع.
ويواجه الإعلام الليبي في الداخل المزيد من التضييق والتوجيه والتدخل المباشر مع اتساع ظاهرة الدكتاتوريات الناشئة في طرابلس وبنغازي واتساع قاعدة الحكم على أسس أسرية وقبلية وفئوية ومصلحية، فيما لا تكاد تكون مؤسسة إعلامية أو منظمة تدافع عن حقوق التعبير غير موالية لأحد أطراف النزاع، لاسيما إذا كانت تنشط من الداخل، وعادة ما يتم قمع كل محاولة فردية.
ويدفع الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي الثمن مضاعفا بسبب الضغوط السياسية والعزلة الاجتماعية وفقدان الحماية القانونية.
75
في المئة من مستخدمي الإنترنت يعتمدون على منصات التواصل الاجتماعي في الوصول إلى المعلومات
وبعد ضغوط داخلية وخارجية تم في الثاني من أغسطس الجاري إخلاء سبيل الناشط ماهر حمد الغرياني إثر اعتقاله تعسفيا لمدة 65 يوما من قبل كتيبة طارق بن زياد في بنغازي، وفي 7 أغسطس جرى الإفراج عن بالقاسم الجارد، بعد اختطافه واحتجازه لمدة 40 يوما في سجن الأمن الداخلي ببنغازي.
ويرى مهتمون بالشأن الإعلامي في ليبيا أن المدونين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي يبدون أكثر اندفاعا في التعبير عن مواقفهم من الصحافيين المقيمين في الداخل ممن باتوا يدركون أن لا أحد يمكن أن يضمن سلامته إذا أراد أن يعبر عن مواقفه بحرية قد تصدم القوى المسيطرة على المنطقة التي يقيم فيها.
وبلغ عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في ليبيا 5.65 مليون مستخدم في يناير 2023، أي ما يعادل 82.5 في المئة من إجمالي عدد السكان الذي يتجاوز 7 ملايين نسمة، فيما تشير دراسات ميدانية إلى أن 75 في المئة من مستخدمي الإنترنت يعتمدون على منصات التواصل الاجتماعي في الوصول إلى المعلومات.
وفي مارس المنقضي جاء في تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن الهجمات ضد فئات معينة، ومنها المدافعون عن حقوق الإنسان والنشطاء في مجال حقوق المرأة والصحافيون وجمعيات المجتمع المدني، ساهمت في خلق جوٍّ من الخوف دفع الناس إلى ممارسة الرقابة الذاتية أو الاختباء أو الاغتراب في وقت كان من الضروري فيه خلق جو يساعد على إجراء انتخابات حرة وعادلة لليبيين لممارسة حقهم في تقرير المصير واختيار حكومة تمثلهم لإدارة البلاد.
من جانبها أوضحت وكالة الأنباء الليبية في قراءة لها لواقع الإعلام في البلاد أن المشهد الإعلامي الليبي لا يزال يعيش فوضى عارمة بسبب ضعف الدولة والانقسام السياسي والصراع على السلطة والنفوذ، ناهيك عن الانتشار الواسع للسلاح وعمليات الاستقطاب وشراء الذمم وقمع الحريات، ودعت السلطات المختصة إلى مواكبة المتغيرات المحلية والدولية وتخفيف القبضة الحكومية على وسائل الإعلام وسن القوانين اللازمة لترقية المشهد الإعلامي الليبي وتطوير الكليات المختصة، كما جددت في ذات الوقت دعوة الصحافيين الليبيين إلى الوحدة ورفض حالة الاستقطاب التي تعيشها البلاد اليوم ونبذها ودفع السلطة التشريعية إلى إصدار قانون جديد للصحافة والمشاركة في صياغته، والسعي الجدي لتأسيس النقابة العامة للصحافيين وبيت الصحافة الليبية وبناء نواد للصحافيين الليبيين في ربوع ليبيا.
وكانت 22 منظمة حقوقية ليبية أكدت أن الصحافيين والإعلاميين الليبيين يتعرضون إلى العديد من الانتهاكات، ودعت في بيان مشترك إلى تطبيق ما جاء في تقرير سلامة الصحافيين الذي قدمته مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان واشتمل على العديد من الممارسات الجيدة في مجال سلامة الصحافيين. وأوصت المنظمات بضرورة إنشاء هيئة دستورية مستقلة في ليبيا تعمل على استقلالية وحرية وسائل الإعلام وتنظم عملها وفق المعايير الدولية.