إقرار البرلمان الليبي لقانون السحر والشعوذة يثير مخاوف استخدامه لقمع العقائد المخالفة

القانون الجديد سيكون عصا بيد التيارات المتشددة تسلطها على من يختلف معها في الرأي والعقيدة.
الخميس 2024/01/11
القانون الجديد يثير الجدل

بنغازي (ليبيا) - أقر مجلس النواب الليبي، في جلسته الثلاثاء بمدينة بنغازي، قانون حد السحر والشعوذة، الذي تقدمت بمشروعه هيئتا الأوقاف والشؤون الإسلامية في طرابلس وبنغازي.  وقال عضو مجلس النواب عن مدينة الزاوية علي أبوزريبة إن قانون تجريم السحر والشعوذة والكهانة وما في حكمها كان مقترحا منذ عام، وجرت مناقشته وتداوله لأكثر من مرة، وأن هيئتي الأوقاف بالمنطقتين الغربية والشرقية تقدمتا به بعد ورود عدد كبير من الشكاوى بالخصوص.

وبحسب القانون الجديد، يعاقب الساحر بالقتل إذا ثبت أن سحره تضمن كفرا، أو ترتب على سحره قتل نفس معصومة، كما يمكن للقاضي أن يحكم وفق ما توفر لديه من حيثيات قانونية على الساحر بإحدى العقوبات الآتية: القتل، أو السجن المؤبد، أو السجن لمدة لا تقل عن خمس عشرة سنة، مع غرامة قدرها مئة ألف دينار. ومن المنتظر أن يثير القانون الجديد جدلا واسعا في الداخل الليبي وعلى أكثر من صعيد، خصوصا وإن فسح المجال أمام استغلاله في تصفية الحسابات السياسية والاجتماعية، وفي قمع أصحاب العقائد المخالفة كالصوفيين والشيعة والبهائيين وغيرهم ممن تم استهدافهم خلال السنوات الماضية من قبل التيار السلفي المتشدد.

وكان المجلس الأعلى لمشيخة الطرق الصوفية في ليبيا دان استغلال الحملة ضد السحرة والمشعوذين بتشويه الطرق الصوفية ومنتسبيها والتهجم عليهم وتهديدهم بحجة محاربة السحر والشعوذة ومحاولتهم تضليل الرأي العام، مؤكدا أن “أهل التصوف هم حماة الدين وحراس العقيدة والسنة المحمدية وهم من نشر الإسلام وتعليم وتحفيظ القرآن الكريم” في مختلف مناطق العالم عبر الزوايا الصوفية.

وأوضح المجلس الأعلى لمشيخة الطرق الصوفية أن "المنهج الصوفي لم يخرج منه أي زنديق أو داعشي أو إرهابي واحد"، بل إن "الدواعش خرجوا من عباءة الوهابية السلفية، وتاريخ الماضي والحاضر يشهد بجرمهم وإرهابهم”، مشددا على أن “أتباع منهج التصوف وراءهم قبائل تحميهم ولن تسكت عن تهديدهم والتطاول عليهم بعد اليوم”.

علي أبوزريبة: قانون تجريم السحر والشعوذة والكهانة كان مقترحا منذ عام وجرت مناقشته وتداوله لأكثر من مرة
علي أبوزريبة: قانون تجريم السحر والشعوذة والكهانة كان مقترحا منذ عام وجرت مناقشته وتداوله لأكثر من مرة

وسبق للجنة الوطنية لحقوق الإنسان أن طالبت مكتب النائب العام بفتح تحقيق شامل في “تجاوزات وجرائم” وممارسات الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية ومكاتبها في مدن الزاوية وتاجوراء وطرابلس المركز ودرنة وبنغازي، حيال تجاوزاتها لصحيح القانون وقيامها بأعمال ليست من اختصاصها القانوني، وقالت إن هيئة الأوقاف جهة مشرفة على المساجد وليست سلطة إنفاذ قانون، فهي غير مخولة بالقيام بهذه الأعمال والممارسات المتجاوزة لاختصاصاتها ومهام عملها.

ويشير مراقبون محليون إلى أن القانون الجديد سيكون عصا بيد التيارات المتشددة تسلطها على من يختلف معها في الرأي والعقيدة، وهو بمثابة انتصار كبير لتلك التيارات التي تعمل على تحقيق هدفها المتمثل في السيطرة على المجتمع بمزاعم الدفاع عن الإسلام ومحاربة الأفكار الهدامة والخارجة عن الدين والشرع.

وبحسب القانون الجديد المصادق عليه من قبل مجلس النواب، فإنه يعاقب الكاهن بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات ولا تزيد عن خمس عشرة سنة وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف دينار، ولا تزيد عن سبعين ألف دينار، ويعاقب المشعوذ بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد عن خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف دينار، ولا تزيد عن خمسة عشر ألف دينار.

ويعاقب كل من ادعى القدرة على القيام بأعمال السحر أو الكهانة، أو هدد أحدا بها وإن لم يكن على سبيل الحقيقة بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد عن خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف دينار، ولا تزيد عن خمسة عشر ألف دينار. ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات ولا تزيد عن خمس عشرة سنة، وبغرامة مالية لا تقل عن خمسين ألف دينار، ولا تزيد عن خمسة وسبعين ألف دينار، كل من علم أو تعلم السحر أو الكهانة بأي وسيلة كانت، أو طلب أعمال السحر والكهانة بواسطة أو من دونها، بمقابل أو من دونه، وبأي وسيلة كانت.

كما يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثماني سنوات ولا تزيد عن أربع عشرة سنة، وبغرامة مالية لا تقل عن أربعين ألف دينار، ولا تزيد عن ثمانين ألف دينار كل من دعم السحرة أو الكهنة أو المتعاونين معهم بأي شكل من الأشكال أو وسيلة من الوسائل لجلب السحرة أو المشعوذين أو الكهنة أو أواهم أو تستر على السحرة أو الكهنة أو أعوانهم، وكل من لم يبلغ عنهم، أو أسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في ارتكاب أعمال السحر أو الكهانة، أو روج أو نشر لصالح أعمال السحرة والكهنة من خلال التأليف أو المنصات الإلكترونية أو الإعلامية، أو أي وسيلة من وسائل الدعاية والإعلان.

ويعاقب كل من استورد الأدوات الخاصة بالسحر أو أعان على توفيرها، أو حازها أو اقتناها ولو لغرض النقل أو الوديعة بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد عن عشر سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف دينار، ولا تزيد عن سبعين ألف دينار. ووفق المادة 13 من القانون، يتم تشكيل لجنة مختصة بقرار من وزير العدل بالتنسيق مع الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية تختص بتحديد مدى اعتبار الفعل من أعمال السحر أو الشعوذة أو الكهانة.

وشددت هيئتا الأوقاف على أن يطبق في القانون المعتمد، المشهور من مذهب الإمام مالك رحمه الله فيما لم يرد في شأنه نص في هذا القانون، وعلى أن كل من حكم عليه بالقتل بموجب نص المادة 5 من هذا القانون تضمن سحره كفرا لا يغسل ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن بمقابر المسلمين.

وتعرف المصطلحات الواردة في هذا القانون وفق المعاني المبينة أمامها بهذه المادة، فالسحر هو كل عمل مخالف للشريعة يقصد به التأثير في البدن أو القلب أو العقل، باستخدام رقى أو تمائم أو عقد أو طلاسم أو أدخنة، والكهانة هي ادعاء علم الغيب ومحاولة التبصر بما تكتمه الضمائر بأي وسيلة كانت وتدخل فيها العرافة والتنجيم ونحو ذلك، أما الشعوذة فهي استعمال الحيلة، أو خفة اليد في أفعال عجيبة يظنها من يراها حقيقة وهي ليست كذلك، لمحاولة استغلال الناس أو التأثير على عقائدهم.

والطلسم هو أسماء وكلمات وأحرف وأرقام وخطوط وجمل وجداول ورموز ومربعات يكتبها السحرة وتكون مجهولة المعنى لغيرهم في الغالب، وتكتب عادة على ورق أو جلود، وقد تكون منقوشة على أحجار أو خرز، أو غير ذلك. وفي مناسبات عدة، تم تسجيل اختراقات لحقوق الإنسان بدعوى مكافحة ظاهرة السحر والشعوذة سواء في غرب أو في شرق البلاد، وفي أكتوبر 2020، أصدرت هيئة الأوقاف فتوى تبيح قتل السحرة كحد ديني، وكذلك من يتعامل معهم.

ويشير مراقبون إلى أن تلك الفتوى كانت نسخة مطابقة للأصل من فتاوى سابقة صدرت عن تنظيمي القاعدة وداعش في ليبيا، وتم تطبيقها في عمليات قتل لإرهاب السكان المحليين في مدن مثل درنة وسرت.  وفي أبريل الماضي، أثار اعتقال الشقيقتين الناشطتين في مجال حقوق الحيوان ابتسام ورابعة بن عمران، اللتين تديران مأوى لتربية الكلاب الضالّة والمصابة في مدينة بنغازي شرق ليبيا، جدلا واسعا، بعد اتهامهما بالسحر والشعوذة وتهديد الأمن العام.

◙ هيئتا الأوقاف شددتا على أن يطبق في القانون المعتمد المشهور من مذهب الإمام مالك رحمه الله فيما لم يرد في شأنه نص في هذا القانون

وأوضحت وزارة الداخلية بالحكومة المنبثقة عن البرلمان، أن اعتقال الناشطتين "جاء استجابة لنداء وشكاوى سكّان المنطقة المتضررين بخصوص طقوس غريبة وأصوات مزعجة تصدر عن المكان"، مشيرة إلى أن الكلاب "يتم تربيتها في ظروف مزرية ومشبوهة وبأعداد كبيرة". وكانت اللجنة العليا للإفتاء في شرق البلاد قد أصدرت في الأيام الماضية فتوى مثيرة للجدل، تحت عنوان "حد الساحر وعقوبة من يتعامل معه أو يدافع عنه". ونصت هذه الفتوى على أن الحد الواجب على من يزاول نشاطات السحر “ضربة بالسيف"، وخلصت إلى أن "من يأتي الساحر، ليضر الآخرين فإنه يعزر تعزيرا شديدا رادعا حتى لو وصل إلى قتله بحسب إضراره".

ولم تستثن الفتوى من وصفتهم بأنهم “الذين يدافعون عن السحرة بأي اعتبار، ويحاولون عرقلة عمل أولئك المجاهدين في جهاز مكافحة السحرة، فإنهم غالبا لا يخرجون عن الصنفين السابقين، وسواء كانوا منهما أو لا، فالواجب ردعهم هم أيضا بأشد العقوبات حتى ينتهوا”.

وبحسب تقرير صادر عن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، فإن “المعتقدات والممارسات المتعلقة بالسحر والشعوذة أدت في العديد من البلدان إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بما في ذلك الضرب والإقصاء وقطع أعضاء الجسم وبتر الأطراف والتعذيب والقتل”، وأوضح التقرير أن “النساء والأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة ولاسيما الأشخاص ذوي المهق هم الأكثر عرضة لهذه المخاطر. وعلى الرغم من خطورة انتهاكات حقوق الإنسان هذه، ما من رد صارم من الدولة عليها في الكثير من الأحيان. وغالبا ما لا تعمل الأنظمة القضائية على منع انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالسحر والشعوذة والمعتقدات ذات الصلة أو التحقيق فيها أو مقاضاتها. وبالتالي، يكرّس هذا الفشل المؤسسي الإفلات من العقاب".

والمهق حالة نادرة وغير معدية ووراثية، يصاب بها الناس في جميع أنحاء العالم بغض النظر عن العرق أو نوع الجنس. ومن الشائع للغاية أن تنتج عن نقص في صبغة الميلانين في الشعر والجلد والعينين (المهق العيني الجلدي) ما يسبب ضعفا بالغا عند التعرّض لأشعّة الشمس. ولا يزال المهق غير مفهوم تماما، على المستويين الاجتماعي والطبّي. وفي بعض أنحاء العالم، يشكّل مظهر الأشخاص المصابين بالمهق أساسا للمعتقدات الخاطئة والأساطير المتأثرة بالخرافات التي تعزز تهميشهم واستبعادهم الاجتماعي. والأشخاص المصابون بالمهق فئة فريدة من نوعها، لم يتمّ إيلاء حقوق الإنسان التي يتمتّعون بها أيّ اهتمام على مدى عقود طويلة، فتعرّضوا للكثير من الوصم والتمييز والعنف في العديد من البلدان المختلفة.

وفي العام 2021، وخلال الدورة الـ47 لمجلس حقوق الإنسان، اعتمدت الدول الأعضاء قرارا بشأن القضاء على الممارسات الضارة المتّصلة باتهامات السحر والاعتداءات الشعائرية. وهذا القرار هو الأول من نوعه الذي يدعو إلى اعتماد نهج أكثر شمولا في معالجة الضرر الناجم عن الاتهامات بممارسة السحر والاعتداءات الشعائرية. كما يقر أيضا بأهمية العمل الذي تضطلع به الخبيرة المستقلة المعنية بتمتع الأشخاص المصابين بالمهق بحقوق الإنسان في هذا المجال.

ويرى التقرير الأممي أن المعتقدات والممارسات المتعلقة بالسحر والشعوذة تختلف اختلافا كبيرا بين الدول وحتى بين الأعراق المختلفة في البلد الواحد. ولا يزال فهم الاعتقاد بالسحر والشعوذة محدودا، تماما كما هي الحال بالنسبة إلى أسباب ممارسته في بعض الثقافات. ويشير المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفا، في تقرير الولاية لعام 2009 إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة بسبب المعتقدات بالسحر "لم تبرز على شاشات رصد حقوق الإنسان" وأن "هذا الأمر قد يرجع في جانب منه إلى صعوبة تعريف مصطلحي 'الساحرات والسحر' في جميع الثقافات، وهما مصطلحان قد يتضمنان إلى جانب دلالتيهما في الثقافة الشعبية، مجموعة من الممارسات التقليدية أو ممارسات العلاج الديني وليس من السهل تعريفهما. ويظلّ الواقع قائما وراء كلمة سحر، هذه الكلمة التي تشكّل عنوانا مبهما وقابلا للاستغلال، إذ يتعرّض 'غالبا الأفراد الذين لسبب ما يختلفون عن الآخرين أو يتخوّف الناس منهم أو يكرهونهم' للاستهداف بأعمال عنف تعسفية يقوم بها العامة من الناس أو ترعاها الحكومة أو تتساهل معها".

4