إقبال متزايد على تعدد الزوجات في المغرب

رغم أنه يتم رفض أغلبها من السلطات القضائية إلا أن أذون طلب تعدد الزوجات في المغرب عرفت تزايدا في الفترة الأخيرة رغم الانعكاسات الإيجابية للتعديلات التي عرفتها مدونة الأسرة على السلوك الاجتماعي. ومازال تعدد الزوجات يلقى تأييدا مهما من طرف شرائح واسعة داخل المجتمع المغربي ذلك أن قانون الأحوال الشخصية في المغرب يسمح بتعدد الزوجات، لكنه يشترط موافقة الزوجة الأولى.
أثارت مسألة تعديل مدونة الأسرة في المغرب موضوع تعدد الزوجات الذي لقي تأييدا مهمّا من طرف شرائح واسعة داخل المجتمع المغربي، ورفضا من بعض الفئات الأخرى في ذات الحين. وأفاد تقرير جديد للمجلس الأعلى للسلطة القضائية تسجيل 20 ألف طلب للإذن بالتعدد ما بين سنتي 2017 و2021 بمحاكم المملكة، حيث حازت سنة 2021 على حصة الأسد من حيث عدد الطلبات المقدمة.
وبحسب التقرير، شكلت نسبة طلبات الإذن بتعدد الزوجات التي تم رفضها 61.13 في المئة، بينما بلغت نسبة الاستجابة لهذه الطلبات 38.87 بالمئة. ولا تشكل أذونات زواج التعدد إلا نسبة قليلة جدا لا تتعدى 0.66 في المئة من مجموع أذونات الزواج التي تصدرها المحاكم، إذ سجلت حالات تعدد الزوجات تراجعا بالنظر إلى الانعكاسات الإيجابية التي أحدثتها التعديلات التي عرفتها مدونة الأسرة في المغرب على السلوك الاجتماعي العام في هذا الموضوع.
ويسمح قانون الأحوال الشخصية في المغرب بتعدد الزوجات، لكنه يشترط موافقة الزوجة الأولى وإذن القاضي، بيد أن هناك أشكالاً عدة للتحايل على القانون منها الحصول على شهادة العزوبية والزواج العرفي. وتنص المادة 41 من قانون الأسرة المغربي على أن “المحكمة لا تأذن بالتعدد في حالتين رئيسيتين، الأولى إذا لم يثبت لها المبرر الموضوعي الاستثنائي، والثانية إذا لم تكن لطالبه الموارد الكافية لإعالة الأسرتين وضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة”.
وبشأن أسباب لجوء المغاربة إلى تعدد الزوجات لفت التقرير إلى أن أهم الأسباب التي تم الأخذ بها كمبررات لطلبات التعدد تتمثل أساسا في “الوضعية الصحية للزوجة، ورفض الزوجة المقيمة بالخارج الالتحاق ببيت الزوجية المعد لها بالمغرب”، إلى جانب “حالات العلاقة القائمة واقعاً والتي نتج عنها حمل أو أولاد، ورغبة الزوج في التعدد مع موافقة الزوجة وتوفره على الإمكانيات".
وقد تم تشديد شروط قبول التعدد في مدونة الأسرة، لكن جمعيات حقوقية تعنى بوضع المرأة والأسرة لا تزال تطالب بضرورة الإلغاء الكلي لتعدد الزوجات، وعدم القبول بشروط ممارسة التعدد في التعديل المرتقب لقانون الأسرة.
وراسلت جمعيات نسائية منها “فيدرالية رابطة حقوق النساء” و”اتحاد العمل النسائي” وزارة العدل بخصوص رؤيتها الإصلاحية لمدونة الأسرة، تضمنت المطالبة بتغيير شامل لمدونة الأسرة، اعتمادا على تطبيق مبدأ المساواة وأخذا بعين الاعتبار الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وإدخال تعديلات على جميع الجوانب، سواء تعلق الأمر بالزواج أو الطلاق، مشددة على ضرورة “الأخذ بعين الاعتبار قيمة المساواة في أي تعديل سيتم إدخاله، وملاءمتها مع مقتضيات دستور 2011".
وانتقد الحسن السكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات - تمارة، قرب العاصمة الرباط، دعاة منع وتجريم التعدد في المغرب، معتبرا أن تعدد الزوجات مباح شرعا "ولا يمكن لكائن من كان أن يحرّمه، ولا يكون محرّما إلا عندما ينتفي فيه شرط العدل” مضيفا أن "الأصل في تعدد الزوجات هو الإباحة وليس الوجوب، وتعترضه أحكام أخرى فيكون حراما في أحوال ومكروها في أحوال وجائزا في أحوال أخرى".
وكشفت دراسة حديثة أعدها "مركز الدراسات الأسرية والبحث في القيم والقانون" حول وضعية الأسرة المغربية أن تعدد الزوجات ما زال يلقى تأييدا مهما من طرف شرائح واسعة داخل المجتمع المغربي. وأوردت الدراسة أن حوالي 80 في المئة من فئات المجتمع المغربي تؤيد تعدد الزوجات ضمن مقتضيات مدونة الأسرة، في حين تعارض ما نسبته 16 في المئة الإبقاء عليها ضمن فصول المدونة، أما النسبة المتبقية فقد أيدت الاحتفاظ بها مع ضرورة اعتماد مبدأ التقييد في تطبيقها ومراعاة الحالات الاستثنائية، كحالات العقم والمرض.
ويواجه تفعيل تعدد الزوجات عراقيل وقيودا موضوعية عديدة، أبرزها الأهلية المالية ويليها مشكل السكن، ثم الأهلية الجسدية والنفسية. وعن أسباب قبول النساء للتعدد ودوافعهن كشفت الدراسة أن التأخر في سن الزواج يعد من أبرز هذه الدوافع، يليها مشكل الهشاشة والفقر، في حين أرجعت فئة من المستجوبات سبب قبولهن لها إلى “الحب بين الطرفين”، في الوقت الذي اعتبرت فيه نسبة 14.5 في المئة أن دافعهن الرئيسي هو "عدم قدرة الشباب على تحمل أعباء بيت الزوجية".
أما دخول الرجال في هذه المؤسسة فقد اعتبرت نسبة 33.7 في المئة منهم أن إقدامهم على التعدد راجع إلى توفرهم على القدرات المالية الكافية لإعالة أكثر من أسرة، تليها الرغبة في الحصول على الأبناء بأكثر من 28 في المئة، ثم الرغبة في تحقيق الرجولة أو الحب بين الطرفين بنسبة 15.8 في المئة و15 في المئة على التوالي.
وقال محمد سعيد بناني، المدير السابق للمعهد العالي للقضاء، إن التعدد مازال قائما ولكن مدونة الأسرة أفرغته من محتواه، إذ أنه بموجبها أصبح بإمكان “المرأة تزويج وتطليق نفسها بنفسها، ولم يعد من حق الزوج الارتباط بزوجة ثانية إلا بإذن الزوجة الأولى وأن تعلم بذلك الزوجة الثانية".
◙ تفعيل تعدد الزوجات يلقى عراقيل موضوعية عديدة، أبرزها الأهلية المالية ومشكل السكن، ثم الأهلية الجسدية
ويتحايل الكثيرون على القوانين الجاري بها العمل من خلال استغلال التراخيص التي تمنح لهم للزواج بنساء أخريات من دون اللجوء إلى المحكمة لاستصدار آخر جديد. وأعلن وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي عزمه إطلاق منصة رقمية خاصة لضبط عقود الزواج وحالات الطلاق في البلاد، وذلك بهدف منع التحايل على طلبات الإذن بتعدد الزوجات.
وسجلت دراسة لـ"مركز الدراسات الأسرية والبحث في القيم والقانون" بعض مظاهر التحايل على القانون للاستفادة من التعدد دون موجب شرعي؛ كتزوير شواهد العزوبة، وإبرام زيجات غير قانونية عبر تغيير عنوان السكن، أو الزواج بالفاتحة ثم إلحاق النسب بعد الحمل. وكما رصدت الدراسة حالات يتم فيها التقدم مع امرأة في وضعية حمل أمام القضاء من أجل وضع الرجل أمام الأمر الواقع لأجل الحصول على الموافقة بالتعدد.
وفي مراسلة رسمية طالب الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية محمد عبدالنباوي رؤساء المحاكم الابتدائية والاستئنافية ورؤساء أقسام قضاء الأسرة بضرورة مواجهة أشكال استغلال الإذن بتعدد الزوجات عند إبرام كل عقد زواج جديد من دون العودة إلى المحاكم.
ووفق المراسلة الرسمية فإن هذا "التحايل" يفرغ النصوص القانونية الموضوعة لحماية الأسرة من محتواها، ويعصف بالحقوق المقررة للزوجة في “مدونة الأسرة” حول شروط التعدد، ومنها حقها في التعرف على الزوجة التي يعتزم زوجها الاقتران بها وتمكينها من فرض شروط لفائدتها أو لمصلحة أطفالها عن بينة واختيار.