إقامة مونديال فاخر في قطر تنغّصها تكاليف السياحة

يتفق خبراء على أن إقامة مونديال فاخر لكرة القدم بمنطقة الخليج تصطدم بمنغصات التكاليف المرتفعة للسياحة، والتي قد تحبط الأهداف التي رسمتها قطر، أو الدول المجاورة التي تسعى للاستفادة من جذب الجماهير لتحقيق مكاسب من هذا الحدث التاريخي.
دبي/الدوحة - تراهن دول الخليج العربي على السياحة الفاخرة، التي تشتهر بها، ولكنها قد لا تناسب بعض مشجعي كرة القدم الأقل قدرة على إنفاق الأموال، لتقديم بطولة كأس عالم استثنائية لكرة القدم في قطر حيث تكاليف الإقامة والتنقل والترفيه ستكون باهظة.
والإمارة الخليجية الثرية هي أوّل بلد في منطقة الشرق الأوسط يستضيف أحد أهم الأحداث في العالم خلال الفترة الممتدة بين العشرين من نوفمبر والثامن عشر من ديسمبر المقبلين، والتي بدأت تستعد لاستقطاب المشجعين.

سو هولت: باقاتنا تتراوح بين 1500 وخمسة آلاف دولار
ومن المتوقع أن يصل عدد الزوار خلال هذه الفترة إلى 1.2 مليون شخص أي ما يقرب من نصف عدد سكان الإمارة الصغيرة الغنية بالغاز.
وتعد قطر الزوار بإقامة مونديال غير مسبوق تستعرض خلاله ثقافة الصحراء البدوية والمرافق الحديثة والمطاعم الراقية في ناطحات السحاب المتلألئة.
وعلى بعد ساعة بالطائرة، تُمنّي إمارة دبي النفس أيضا باستضافة عدد ممن سيقصدون الدوحة. ويُنظر إلى دبي على أنها رمز للفخامة وتنتشر فيها سيارات الدفع الرباعي باهظة الثمن أمام الفنادق الكبيرة.
وتعرض إكسبات سبورت، ومقرها دبي، والتي تقدّم نفسها على أنها شركة رائدة في مجال السياحة الرياضية في منطقة الخليج، باقات متنوعة لمشجعي كأس العالم بما في ذلك تذاكر طائرات إلى الدوحة.
وتقول مديرة الشركة سو هولت لوكالة الصحافة الفرنسية “في الجمهور أشخاص لم يسبق لهم اختبار عنصر المغامرة في هذه المنطقة من قبل”، مشيرة إلى ان الشركة تقدم حزما في دبي تتراوح بين 1500 وخمسة آلاف دولارلأربع ليال.
لكن في قطر قد تكون التكاليف أكبر. ويرجع محللون هذه الغلاء إلى أسباب كثيرة من بينها إنفاق الدوحة قرابة 200 مليار دولار لإقامة هذا الحدث.
ولذا يمكن تخيل مدى تضاعف الكلفة إذا تمت مقارنة ذلك مع بطولة كأس العالم 2014 في البرازيل التي كلفت 15 مليار دولار فقط، وفي جنوب أفريقيا 2010 كانت التكلفة ثلاثة مليارات دولار، وفي ألمانيا 2006 كانت التكاليف ملياري دولار.
ووفق تقرير أصدرته شركة الاستشارات كورنرستون غلوبال قبل الوباء، فقد أدت أزمة قطر أثناء المقاطعة الخليجية إلى زيادة كلفة المونديال بما بين 20 و25 في المئة للشركات التي تستورد المواد المستخدمة في المشاريع المخصصة للبطولة.
كما أن المشاريع تأخرت شهرا أو اثنين عن جدولها المحدد، مما زاد من الأعباء الملقاة على كاهل المطورين. ولم يفلح مقاولو البناء وشركات التطوير في إقناع السلطات القطرية بتحمل فارق الزيادة في التكاليف.

رونان إيفين: الكثيرون قد يلغون رحلاتهم لعدم تحملهم ميزانيات مرتفعة
ووفق هولت، فإنّ منطقة الخليج لاسيما دبي “معروفة” بتقديم “خدمات عالية الجودة” خاصة في الفنادق والمطاعم. وأشارت إلى أن الزبائن الذين يقومون بعمليات حجز حاليا يأتون من أميركا الشمالية بقدر ما هم من أوروبا أو الصين أو الهند.
ويشمل العرض الرئيسي للشركة الإقامة في فندق ضخم جديد في قلب نخلة دبي، الجزيرة الاصطناعية، مع إطلالة مبهرة من المسبح المبني على السطح، لكنها تشير إلى أنها تقدم عروضا لأماكن إقامة أخرى تناسب “معظم الميزانيات”.
ورغم العروض الحالية المغرية بعض الشيء، إلا أن الملاحظين يعتقدون أن العديد من المشجعين يشعرون بنوع من التردد.
وقال مدير رابطة المشجعين الأوروبيين رونان إيفين “تواجه نسبة كبيرة من محبّي كرة القدم الأوروبيين الذين اشتروا تذاكر المباريات احتمال إلغاء رحلاتهم لأنهم لا يستطيعون تحمّل هذا النوع من الميزانية”.
وأضاف في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية “إما أن الناس لا يستطيعون الحصول على سكن أو أن السكن باهظ الثمن”.
وأوضح أنه “في البرازيل وفي روسيا يمكنك ركوب قطار والإقامة في مكان يبعد 200 كيلومتر عن الستاد والحضور في يوم المباراة فقط، ويمكن التخييم واستئجار شقة لشخصين، وهذا يبدو غير ممكن في قطر”.
ويتابع أنه في دبي “الأسعار ليست بالضرورة أكثر ملاءمة”.
ويشدّد إيفين على أنّ “هناك بالفعل زبائن أثرياء يأتون إلى نهائيات كأس العالم، لكنهم ليسوا من يملأ الملاعب”.
ويضيف ممازحا أن معظم المشجعين “ليسوا من الأشخاص الذين يستطيعون تحمل تكلفة الإقامة في سفن سياحية مقابل خمسة آلاف دولار في الأسبوع”.
وبالنسبة إلى المشجعين العاديين، تشمل الخيارات الأقل كلفة سريرا في غرفة مشتركة بالقرب من الدوحة بسعر يبلغ 84 دولارا في الليلة، أو الإقامة على متن السفن السياحية بتكلفة تتراوح بين 179 و800 دولار لليلة.

روبرت موجيلنيكي: يجب التوازن بين الحدث وأهداف السياحة طويلة المدى
وستضم حشود المشجّعين العمال الوافدين الذين عُرضت عليهم بعض التذاكر مقابل 40 ريالًا (11 دولارا).
ويأخذ إيفين على الاتحاد الدولي لكرة القدم أنه “لعب دورا” من خلال التهاون مع مسألة إصرار قطر على عدم “مراجعة نموذجها” السياحي.
وأشار إلى أن العديد من المشجعين قد يضطرون “للقيام بأكثر من رحلة ذهابا وإيابا لتجنب تكلفة الإقامة”.
لكن بالنسبة إلى قطر، فإن تنظيم بطولة كأس العالم “مسألة هيبة” وليست وسيلة “لتعبيد الطريق أمام إدخال اصلاحات شاملة على نموذج السياحة في البلاد”، وفق ما يقول الباحث في معهد دول الخليج العربية روبرت موجيلنيكي.
ويؤكد لوكالة الصحافة الفرنسية أن “ما لا يريده القطريون هو أن ينتهي الأمر بوفرة في البنية التحتية السياحية لشريحة من الزوار من غير المرجح أن يكون لهم حضور منتظم في البلاد”.
وتتبنى الدوحة نهجا يستهدف بناء قطاع سياحي حيوي بما يتيح لها اجتذاب قرابة ستة ملايين سائح كل عام بحلول نهاية العقد الحالي.
ويرجح موجيلنيكي أن تستمر الإمارة في السعي لجذب السياح “من دوائر النخبة”. ومع ذلك، يعتقد أنه يتعين على المسؤولين القطريين إيجاد “توازن بين الاحتياجات العاجلة المرتبطة بكأس العالم وأهداف السياحة الطويلة المدى”.
إلا أنّ الاتجاه الإقليمي، بحسب الباحث، يسير بشكل أساسي نحو “الفخامة والرفاهية”، بما في ذلك في السعودية التي تسعى حاليا لجذب سياح من غير الحجاج.