إعداد الحلويات في المنزل عادة اجتماعية عريقة مهددة بالانقراض

تكاد عادة صنع الكعك المنزلي تندثر مثل الكثير من العادات الاجتماعية القديمة، لولا محاولات متفرقة من بعض النساء اللاتي تحركهن الرغبة في إعادة تلك العادة المفرحة إلى البيوت وإحيائها وإدخال سعادة العيد على قلوب أطفالهن.
الخميس 2015/07/16
برامج الطهي شجعت النساء على إعداد حلويات العيد في المنازل مع الأطفال

صنع الكعك عادة ارتبطت في ذاكرة المصريين بعيد الفطر، بتفاصيلها الاحتفالية التي تتضمن تجمّع السيّدات في الأحياء الشعبية، خصوصا حول “الطبلية”، في منزل إحداهن يصنعن كعك العيد بأنواعه وحولهن تتعالى ضحكات الأطفال الذين يتسابقون على حمل الصاجات المليئة بالكعك النيّئ والذهاب بها إلى أقرب مخبزة لتسويتها في فرنها الضخم.

وبعد أن انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة شراء الكعك الجاهز من المحلات توفيرا للوقت والمجهود، عادت الكثير من سيدات البيوت خصوصا في العامين الأخيرين إلى إعداد الكعك في منازلهن، بمشاركة أطفالهن في محاولة لإدخال البهجة عليهم.

منى ممدوح وهي أم لطفلين قالت لـ“العرب” إنها تتذكر جيّدا كيف كانت تعد كعك العيد مع أمها وجدتها في طفولتها، ولكن بمرور الوقت أصبحت أمها تشتري الكعك الجاهز من المحلات والذي يعادل سعر الكيلوغرام منه في المحال المتواضعة (9 دولارات أميركي). وتابعت قائلة "أردت تجربة إعداد الكعك في المنزل، هذا العام، لأشعر طفلي بالبهجة التي كنت أشعر بها وأنا صغيرة، وأساهم في توفير الأموال التي يتكلفها شراء الكعك من محال الحلويات الجاهزة"، مشيرة إلى أنها تعلمت طرق إعداده الحديثة من برامج الطهي المنتشرة في الفضائيات المختلفة.

سالي أسامة أم شابة أخرى فكّرت في أن تشيع بهجة كعك العيد على أطفال الحضانة التي تمتلكها، فقررت أن تخبز الكعك معهم لتجعلهم يعيشون فرحة العيد، وأن تحيي عادة اجتماعية جميلة قاربت على الانقراض خاصة أن أمهاتهم يشترين الكعك الجاهز من المحلات. وقالت سالي لـ“العرب”، وهي من أب مصري وأم عراقية، إن أمهات الأطفال تحمّسن للفكرة وقررن تجربتها في البيوت ليستعدن مع أبنائهن ذكريات الطفولة الجميلة.

رأفت النبراوي: الفراعنة عرفوا الكعك قبل آلاف السنين لكن ارتباطه بالعيد حدث في عصر الفاطميين

إذا كان التنوع في برامج الطهي وانتشارها في السنوات الأخيرة أحد أسرار عودة المصريات إلى خبز الكعك وتجهيزه في البيوت وتشجيعهن على ذلك، فإن ارتفاع أسعار الجاهز منه كان السبب الآخر.

وارتفعت أسعار الكعك هذا العام بشكل مبالغ فيه، حيث يبدأ سعر كيلو الكعك من 9 دولارات ويصل إلى أكثر من 20 دولارا في محال الحلويات الشهيرة، وهو ما يمثل عبئا على العديد من الأسر المصرية، خاصة أنه لا توجد أسرة تشتري كيلوغراما واحدا فقط وإنما عدة كيلوغرامات تتضمن "الكعك" و"البيتي فور" و"البسكوت" و"الغريبة".

الدكتورة يسرية عبدالمنعم أستاذ الاقتصاد المنزلي أكدت لـ"العرب" أن هناك إحجاما ملحوظا من النساء عن شراء الكعك من محال الحلويات هذا العام، نظرا إلى الارتفاع المبالغ فيه في أسعاره بما يعطي انطباعا باستغلال التجار للناس.

ولفتت إلى أن برامج الطهي ساهمت بشكل كبير في تشجيع النساء على إعداد الكعك في المنازل، مشيرة إلى أن المواد الخام المستخدمة في إعداده أقل تكلفة من شرائه جاهزا.

وتعود كلمة كعك إلى أصول قبطية “kaak”، كما أن أصوله ترجع إلى عصر الفراعنة حيث دلّت بعض النقوش والجداريات على ذلك، فكانوا ينقشون عليه بأشكال ورسومات منها آله الشمس (آتون أحد الآلهة الفرعونية القديمة) ويضعونها في المقابر مع الميت، وترسم النساء المصريات حتى الآن قرص الشمس على الكعك.

عادت الكثير من سيدات البيوت إلى إعداد خبز الكعك في منازلهن، بمشاركة أطفالهن في محاولة لإدخال البهجة عليهم

لكن الدكتور رأفت النبراوي أستاذ التاريخ الإسلامي، قال لـ"العرب" إن المصريين لم يربطوا الكعك بعيد الفطر ويعتبرونه شكلا من أشكال الاحتفال بالعيد إلا في عصر الفاطميين الذين توسعوا في إعداد الولائم والمآدب في شهر رمضان للتقرب من المصريين في بداية حكمهم، كما اهتموا بصناعة الحلويات وربطها بكل مناسبة دينية، فصنعوا الكنافة والقطائف في رمضان والكعك في عيد الفطر، لافتا إلى أن الأخير كان من الحلويات التي اهتموا بالتنوع في خبزها وطرق تزيينها، حيث كان المصريون يخبزون النوع التقليدي منه.

وتابع الدكتور رأفت النبراوي قائلا: كان الفاطميون يوزعون الكعك على الفقراء في عيد الفطر، وكانوا ينقشونه بأشكال ورسومات مميّزة، وبلغت أهميته في عصرهم أن الأدوات التي كانوا يستخدمونها في صنعه لا تزال محفوظة في متحف الخزف، مشيرا إلى أنهم كانوا يصنعون كعكا يضعون بداخله دينارا ذهبيا، يكتبون عليه “كُل وافطن”، فكان هذا الدينار يكفي لإعاشة أسرة مصرية لمدة شهر كامل.

الشيف أسامة زغلول، يعمل بأحد محلات الحلويات الشهيرة، قال لـ"العرب"، إن الزبائن يقبلون على شراء الكعك في النصف الثاني من شهر رمضان، مذكرا بمقولة شهيرة تلخص الشهر الكريم تقول “ثلثه للمرق (وهو الطعام) وثلثه للحلق (صنع الكعك) وثلثه للخرق (وهي ملابس العيد). ولفت إلى أن أغلب الزبائن يفضلون الكعك المصري التقليدي الذي يتنوع بين الناعم والخشن، لكن أسعاره تتفاوت حسب جودة الصنع التي تعتمد على نوعية الطحين والسمن المستخدمين في إعداده، وكذلك ما إذا كان الكعك سادة أو محشوا، ونوع الحشو سواء كان مكسرات أو عجوة أو ملبن.

21