إعادة هيكلة الخارطة الحزبية في مصر استعدادا للانتخابات البرلمانية

تشهد الساحة السياسية في مصر بعض الزخم بعد جمود يعود إلى المناخ العام في البلاد، وتبرز مؤشرات عن ترتيبات تتعلق بإنشاء ظهير سياسي للسلطة بعد فشل أحزاب الموالاة الحالية في صنع جماهيرية.
القاهرة - أحدثت خطوات قام بها سياسيون ومسؤولون مصريون بارزون لتدشين حزب جديد قريب من السلطة، حراكا على الساحة السياسية بعد فترة طويلة من الخمول، وذلك قبل إجراء الانتخابات البرلمانية العام المقبل، ما يشير إلى توجه نحو إعادة هيكلة الخارطة الحزبية، بما يساهم في صعود أحزاب وتراجع أخرى.
وعقد رئيس اتحاد القبائل والعائلات المصرية إبراهيم العرجاني اجتماعا بأحد الفنادق في القاهرة، الثلاثاء، شهد طرح فكرة لإنشاء حزب يضم عددا من المسؤولين السابقين ونوابا في البرلمان، وشخصيات لها وزن شعبي وقبلي في بعض المحافظات.
من بين الأسماء التي حضرت الاجتماع، رئيس مجلس النواب السابق علي عبدالعال، ووزير الزراعة السابق السيد القصير، ووزير الإسكان السابق عاصم الجزار ويشغل أيضا منصب الأمين العام لاتحاد القبائل والعائلات المصرية، ووزيرة التضامن الاجتماعي السابقة نيفين القباج، ووزير التنمية المحلية الأسبق عادل لبيب.
وقال مصدر شارك في الاجتماع لـ”العرب” إن اللقاء كان دعوة غداء عمل وجرت خلاله مناقشة تشكيل حزب جديد والاستماع للآراء المختلفة بشأن هويته وكيفية عمله الفترة المقبلة، وأن الأسماء التي حضرت ليست بالضرورة ستنضم إلى الحزب الجديد، لكن من المتوقع أن تكون لها إسهامات في تأسيسه.
وأضاف المصدر ذاته أن المشاركين في المائدة الموسعة تبنوا بشكل مبدئي اسما للحزب وهو “اتحاد مصر الوطني”، ويمكن الاستقرار على اسم آخر، إذا ما أفضت النقاشات إلى التوافق على تغييره، كما أن الجهات القائمة على عملية تأسيسه سعت للاستفادة من الخبرات السياسية لبعض المدعويين.
ويهدف تأسيس حزب موال للحكومة إلى ضخ دماء جديدة في الظهير السياسي للسلطة، ويعد دلالة على أن الأحزاب الحالية، في مقدمتها “مستقبل وطن” صاحب الأغلبية في البرلمان، و”حماة وطن”، أخفقت في دعم السلطة وفشلت في جذب قاعدة جماهيرية إليها.
ويعبّر تدشين حزب جديد له خلفية مرتبطة باتحاد القبائل والعائلات المصرية عن الرغبة في الاستفادة من الشعبية الضخمة للمكونين في المحافظات التي تشهد منافسات انتخابية، خاصة أن بعض الدوائر السياسية تتوقع إدخال تعديلات على قانون الانتخابات بما يتيح فرصة أكبر للمرشحين على المقاعد الفردية والقائمة النسبية التي تُصعب من عملية المنافسة، مع الانتقادات الموجهة للقائمة المطلقة المغلقة.
وقال أستاذ علم الاجتماع السياسي عبدالحميد زيد إن تشكيل الأحزاب حرية يكفلها الدستور والقانون، ولا يوجد ما يمنع تأسيس أحزاب لأفراد لهم خلفيات مجتمعية أو يعبرون عن جماعات لها حضور في الشارع، لكن لم يتم استيعابها في الأحزاب الراهنة، ولم يجدوا لأنفسهم مكانا بداخلها، ولم تعبر هذه الأحزاب عن القضايا التي تشغل أذهانهم، ومن ثم يُفتح الباب للتفكير في إنشاء حزب يعبر عن تلك الشرائح.
وأوضح زيد في تصريح لـ”العرب” أن السلوك التصويتي في انتخابات البرلمان تتحكم فيه عصبية الدم والقبلية أحيانا، ما يفسر الاستعانة بكيانات لها خلفية قبلية، فالقبائل لها نفوذ في أماكن تواجدها، وبها قيادات لم تجد لنفسها مكانا في الحياة السياسية وتسعى لتصنع لنفسها مكانا، كما أن الارتكان على البعد العائلي لمسؤولين سابقين حقق من قبل مردودات إيجابية في انتخابات جرت في سنوات ماضية.
وشدد على أن وجود شخصيات بمواقع حكومية لا يعني أن الحزب الوليد سيكون نيابة عن أحزاب موجودة على الساحة، وهناك تحديات حول مدى قدرة هذه الشخصيات على جذب الشارع، والأمر يتعلق بالثقافة السياسية والسلوك التصويتي، والوقت مازال مبكرا للحديث عن وجود إعادة هيكلة شاملة لخارطة الأحزاب وتموضها، وتتوقف القضية على صمود الحزب الجديد وقدرته على تنظيم عمله.
تزامن الحديث عن تدشين حزب جديد للموالاة مع إعلان “كتلة الحوار الوطني” وهي كيان سياسي تشكل منذ انطلاق الحوار الوطني، تسلم قيادة حزب “الوعي”، ليرأسه رئيس الكتلة باسل عادل، واعتمدت لجنة شؤون الأحزاب المصرية إجراءات التسلم ووافقت على قرارات الجمعية العمومية للحزب، في واقعة أثارت جدلا حول المغزى منها، وعبرت عن حالة التردي التي أصابت الأحزاب بوجه عام.
ولدى قيادات كتلة الحوار مواقف متراوحة بين تأييد الحكومة وتوجيه الانتقادات إليها في بعض الملفات، وتقف في منطقة رمادية بين الأحزاب المؤيدة للسلطة والمعارضة لها، وتحاول أن تشكل جسرا للحوار بين الأطراف المختلفة.
وأكد الحزب بتشكيله الجديد بعد أن تولى رئاسته في السابق رجل الأعمال محمود طاهر أنه يهدف إلى تقديم برنامج سياسي واجتماعي يعكس تطلعات وآمال الشعب، ويسهم في بناء مستقبل مشرق قائم على المشاركة والعدالة والديمقراطية والتنمية.
ويتوقع متابعون أن تشهد أحزاب المعارضة حراكا مماثلا على مستوى دخول بعض الشخصيات السياسية لتلعب دورا معارضا بعد أن أضحى الطريق مغلقا أمام النائب السابق، رئيس حزب الكرامة سابقا أحمد الطنطاوي الذي يواجه عقوبة السجن بتهمة تزوير توكيلات الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية الأخيرة، وضعف الأحزاب الموجودة حاليا.
أوضح المحلل السياسي جمال أسعد أن الحياة السياسية التي تضم نحو 100 حزب أغلبها كيانات شكلية ليست بحاجة إلى أحزاب جديدة، لكن ما تحتاجه مصر إذا كانت هناك رغبة في ممارسة حزبية حقيقية هو أن تنحصر وتندمج في أحزاب لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة، وأن تأسيس حزب مؤيد للسلطة له خلفية قبلية أمر سيواجه برفض من معارضين يرون بضرورة أن يكون العمل السياسي وفق أسس وطنية وليس قبلية.
وذكر أسعد في تصريح لـ”العرب” أن عدم قيام أحزاب الموالاة بأدوارها يرجع إلى المناخ السياسي الذي لم يسهم في خلق أحزاب تجد منافسة قوية أمام الأحزاب الداعمة للسلطة، بما ينعكس على سخونة المنافسة السياسية، وأن عدم قدرة المعارضة على الحركة بشكل طبيعي ترك تأثيراته السلبية على الحياة السياسية، وأن الأهم من تدشين حزب جديد البحث عن أجواء يمكن أن تساهم في خلق دور حزبي حقيقي.
وأشار إلى أن الاعتماد على جذب ما يسمون بـ”حزب الكنبة” لا يدعم نجاح الحزب الوليد في إنجاز مهمته، لأن هذا التعريف يرتبط بالجماهير التي تسيرها اللحظة وهي لا تناسب طبيعة عمل الأحزاب، ولا يمكن الاعتماد عليها لنجاح الحياة الحزبية، موضحا أن البناء على الماضي الذي يواجه اعتراضات شعبية يقلل من مهمة التعويل على الكيانات الوليدة التي ينظر لها المواطنون كأنها معلبة أو تم تصنيعها ولم تأت من رحم مواقف سياسية واضحة.