إعادة الإعمار ملف مرشح لتطبيع العلاقات بين القاهرة ودمشق

القاهرة – تسيطر حالة من الضبابية على العلاقات الرسمية بين مصر وسوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد. ورغم أن الإدارة الجديدة في دمشق أرسلت إشارة طمأنة عبر اتخاذ إجراءات ضد بعض المسيئين للقاهرة من خلال فيديوهات بثت من الأراضي السورية، لم تظهر مصر تجاوبا.
وقد يكون الاقتصاد مدخلا مناسبا وملفا مرشحا لترطيب الأجواء السياسية بين البلدين، من خلال إمكانية مشاركة القاهرة في عمليات إعادة الإعمار المقبلة في سوريا، والاستفادة من الخبرات المصرية في مجال تشييد البنى التحتية الرئيسية، ما يعود بالنفع على الطرفين.
ولم تبد مصر اهتماما بالغا بما جرى في سوريا من تغيير ليس فقط بسبب الشكوك حول هوية الإدارة الجديدة، وإنما أيضا لأن مصر لديها مشاكلها الخاصة في ضوء الضغوط التي تتعرض لها الحكومة اقتصاديا واجتماعيا.
◙ التجارة بين مصر وسوريا لم تتوقف، وكانت تسلك أحيانا طرقا التفافية عن طريق تركيا بسبب العقوبات على سوريا
ويمكن أن يوفر الحضور في سوريا من الجانب الاقتصادي فرصة أمام الشركات المصرية الحكومية أو الخاصة، ويكسر حالة البرود السياسي بين البلدين.
وفي وقت تفتقر فيه الإدارة السورية الجديدة إلى مصادر للدخل، يتركز جزء من الثقل المالي السوري حاليا في مصر، ما يمكن أن يكون قاطرة لتنشيط التبادل التجاري بين البلدين عبر التجار السوريين النشطين الذين يعملون في مصر، وحققوا نجاحات كبيرة في سوقها.
ولم تمنع القطيعة السياسية بين مصر وكل من تركيا وقطر عمليات الاستثمار والتعاون الاقتصادي، وعلى مدى سنوات الحرب في سوريا لم يتوقف التبادل التجاري بين القاهرة ودمشق، وإن اتسم بالتذبذب أحيانا.
وشهد التبادل التجاري مع مصر تحسنًا كبيرًا بين عامي 2015 و2018، إذ ارتفعت الصادرات المصرية من مئتي مليون دولار إلى أكثر من 350 مليونا، وذلك حسب بيانات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية.
وأشارت إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر (حكومي) إلى تراجع الصادرات نحو سوريا العام الماضي إلى 304 ملايين دولار، وتراجع الواردات إلى النصف في الفترة نفسها، وسجلت 35 مليون دولار، مقابل 70 مليونا في 2022.
وقالت مصادر سورية لـ”العرب” إن بعض الأفراد المحسوبين على جماعة الإخوان المصرية حاولوا استغلال الوضع الانتقالي لبث فيديوهات تسيء إلى مصر، ما دفع المسؤولين في الإدارة الجديدة إلى مواجهة ذلك سريعًا بإجراءات حازمة.
واعتبرت المصادر السورية أن حالة التشنج الإعلامي في مصر إزاء بعض الوقائع المسيئة ليس لها مبرر، إذ كان يكفي أن يقوم السفير المصري في دمشق بإجراء اتصال هاتفي مع رئيس الإدارة الجديدة للتعبير عن رفض ما حدث ليتم التفاعل على الفور.
وأضافت المصادر ذاتها لـ”العرب” أن البعض ممن لا يريدون التقارب بين البلدين سعوا إلى استغلال الظرف، وراحوا يحضّون الدولة المصرية على عدم الاعتراف بإدارة أحمد الشرع الذي يتصرف بشكل عملي، ويسعى لتلبية طلبات الكل للحصول على اعتراف مختلف الدول، خاصة مصر.
وقال المحلل السياسي السوري عبدالرحمن ربُّوع إن دمشق الآن منفتحة على كل دول العالم، والدول العربية خصوصا. ويرى المسؤولون في الإدارة الجديدة أن مصر دولة محورية، ويصعب أن يقوموا بشيء يؤثر على العلاقة معها.
وذكر في تصريحات لـ”العرب” أن حكومة الإنقاذ الحالية تبحث عن الاعتراف بها انطلاقا من البوابة العربية، ومصر دولة أساسية ولها وزنها الإقليمي، فإذا اعترفت بها ستكون الكثير من الأبواب مفتوحة أمام دمشق.
◙ الحضور في سوريا من الجانب الاقتصادي يمكن أن يوفر فرصة أمام الشركات المصرية الحكومية أو الخاصة، ويكسر حالة البرود السياسي بين البلدين
وأكد ربُّوع أن التجارة بين البلدين لم تتوقف طيلة الفترة الماضية، وكانت تسلك أحيانا طرقا التفافية عن طريق تركيا بسبب العقوبات على سوريا، معبرا عن اعتقاده أن مصر لو طلبت الآن الاستثناء من مسألة العقوبات فقد يكون هناك طريق استيراد وتصدير مباشر، وبالتالي تنخفض أسعار الكثير من السلع السورية في مصر، وتصل البضائع المصرية إلى سوريا بأسعار أرخص من البضائع التركية.
وأشار إلى أن كل وسائل الإنتاج في سوريا معطلة، والمصانع متوقفة، والبلد يحتاج إلى بنية تحتية جديدة، بعد أن دمرت الحرب بنيتها أو انتهت صلاحيتها لعدم إجراء عمليات صيانة لها منذ 15 عاما. وتحتاج سوريا إلى خبرات شركات في هذا المجال، مثل الشركات المصرية، لبناء محطات كهرباء ومياه وصرف وغيرها.
ونجحت مصر في التعاون الاقتصادي مع جهات ليبية عديدة في الشرق والغرب، ووصلت شركات منها إلى هناك، وتقوم بدور مهم في تشييد البنى التحتية في العديد من الأماكن داخل ليبيا، وبناء مساكن وجسور ورصف طرق في مناطق متفرقة، ولم يمنعها تحفظها على حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة من التعاون معها اقتصاديا.
وقدم عبدالرحمن ربُّوع عبر “العرب” اقتراحا يقضي بأن يتم ترتيب زيارة إلى سوريا يقوم بها مسؤول مصري أو مجموعة وزارية تصطحب عددا من رجال الأعمال، وقال “مصر هي الأولى بمساعدة سوريا في عملية إعادة الإعمار الكبيرة المقبلة، وأن تستفيد منها، فالشركات العالمية مكلفة جدا، والصينيون يتواصلون مع إدارة الشرع لبناء علاقات تجارية واقتصادية، كذلك الأوروبيون والأتراك وبعض الدول العربية.”
وعبر عن اعتقاده بأنه سيكون هناك تقارب بين مصر وسوريا، خصوصا أن الإدارة السورية تسعى لتأكيد حسن نواياها حيال القاهرة، وأنها حريصة على طمأنة القيادة المصرية، وألّا تكون سوريا مصدر إزعاج لها أبدًا، فضلا عن الحرص على أن يكون لها موضع أساسي في ملف إعادة الإعمار بحكم الخبرات والقوة والإمكانات الكبيرة لديها.