إصلاحات السياسة النقدية الليبية رهينة التوافق السياسي

فيتو من المنفي والدبيبة على أعضاء مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي.
الأربعاء 2024/10/23
صراع واضح على النفوذ بالمؤسسة المالية السياسية الأكبر في ليبيا

رغم الترحيب بخطوة تعيين أعضاء مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي للبدء في عملية إصلاح السياسة النقدية في البلاد، إلا أن العديد من الأصوات تخشى من إمكانية الدفع بالمؤسسة المالية إلى أزمة جديدة بسبب عدم وجود توافق سياسي على القرارات الصادرة من بنغازي.

طرابلس - أعلن مصرف ليبيا المركزي عزمه على البدء في اتخاذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتعافي السياسة النقدية في البلاد، عقب صدور قرار هيئة رئاسة مجلس النواب بتعيين الأعضاء الجدد لمجلس إدارة المصرف، غير أن هذه المهمة تشوبها الشكوك في ظل جدل سياسي حول قدرة الأسماء الجديدة على القيام بالإصلاحات.

وبارك مصرف ليبيا المركزي عبر صفحته الرسمية صدور قرار رئاسة مجلس النواب الليبي بشأن تعيين أعضاء مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي. وقال إن مجلس إدارة المصرف يتطلع إلى القيام بمهامه المناطة به وفق قانون المصارف رقم 1 لعام 2005 وتعديلاته، واتخاذ ما يلزم من إصلاحات هيكلية لتعافي السياسة النقدية بما يطمح له الشعب الليبي.

غير أن عضو مجلس النواب عبدالمنعم العرفي أكد أن هناك اعتراضات من المجلس الرئاسي على بعض الأسماء المقترحة لتشكيل مجلس إدارة المصرف المركزي، لافتا إلى أن القانون يمنح محافظ المصرف المركزي صلاحية تشكيل مجلس الإدارة الجديد.

وأوضح العرفي أن اختيار أعضاء مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي اختصاص أصيل للمحافظ ونائبه، وفق نص القانون، مردفا أن “مجلسي النواب والأعلى للدولة اتفقا على المحافظ ونائبه، ولا علاقة لنا باختيار أعضاء مجلس الإدارة المركزي”.

ولاحظ أن المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية يحاولان إدخال أسماء بعينها، مشيرا إلى أن الحديث عن أن رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح اعترض على أسماء عار عن الصحة.

وتخشى أوساط ليبية من إمكانية الدفع بالمؤسسة المالية إلى أزمة جديدة بسبب عدم وجود توافق عملي بين مجلس النواب والتحالف الثنائي القائم بين محمد المنفي وعبدالحميد الدبيبة اللذين يمثلان قوة رفض للقرارات الصادرة من بنغازي.

ستيفاني خوري: يجب اتخاذ خطوات إضافية بعد حل أزمة المصرف المركزي
ستيفاني خوري: يجب اتخاذ خطوات إضافية بعد حل أزمة المصرف المركزي

ورأى مستشار رئيس المجلس الرئاسي زياد دغيم أن قرار رئاسة البرلمان باعتماد إدارة المصرف المركزي به 3 مخالفات قانونية.

وقال دغيم الذي كان عضوا في مجلس النواب قبل أن يختار الوقوف في صف المجلس الرئاسي، إن المخالفة الأولى هي عدم الاختصاص في ظل التنازع مع المجلس الرئاسي بسب عدم وجود قانون تحديد كبار الموظفين.

وأضاف في تصريح صحفي أن المخالفة الثانية تتعلق برسالة ترشيح المحافظ المؤقت في ما يتعلق بعضو مجلس الإدارة عامر كركرة الفرجاني، وتتمثل المخالفة الثالثة في قرار النواب عدم تحديد وكيل عام وزارة المالية المسؤول عن اتساق السياسة المالية مع النقدية بالبلاد.

وبحسب مراقبين، فإن تصريح دغيم يعتبر بمثابة فيتو مرفوع من قبل المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة في وجه مجلس الإدارة الجديدة للمصرف المركزي والذي يضم ثلاثة أعضاء من طرابلس وثلاثة من برقة وعضوا واحدا من فزان.

ويضيف المراقبون أن الصراع على النفوذ بالمؤسسة المالية السياسية الأكبر في البلاد بات واضحا للجميع، كما أن المصالح الشخصية أصبحت أكبر بكثير من مصالح الدولة والمجتمع الليبيين.

ورغم نذر العودة إلى مفردات الصراع والأزمة، إلا أن عددا من الأصوات الليبية أبدت تفاؤلا بالانطلاق في مرحلة جديدة تنهي فترة الخلافات بين الفرقاء بخصوص قيادة المصرف.

وأوضح النائب الأول لرئيس مجلس النواب مصباح أوحيدة أن صدور قرار تكليف مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي سيكون له الأثر الإيجابي على الوضع الاقتصادي للدولة.

وقال أوحيدة في تغريدة عبر إكس “هذا نتاج عمل جماعي أوصت به لجنة دارسة سعر الصرف التي شارك فيها الكثير من المسؤولين والخبراء الاقتصاديين وننتظر تشكيل حكومة جديدة تشرف على الانتخابات العامة التي يطمح لها الليبيون”.

أوساط ليبية تخشى من إمكانية الدفع بالمؤسسة المالية إلى أزمة جديدة بسبب عدم وجود توافق عملي بين مجلس النواب والتحالف الثنائي القائم بين المنفي والدبيبة

وعلق الخبير الاقتصادي محمد أحمد على الأسماء الجديدة، قائلا إن معظمهم يأتون من تخصصات محاسبية، بما في ذلك المحافظ ناجي عيسى.

وأضاف أحمد أن هناك عضوا واحدا فقط لديه خبرة أكاديمية في الاقتصاد، مشيرا إلى أن اختيار السلطة التشريعية للأعضاء يُظهر أنها تعتبر المسألة الاقتصادية في ليبيا محاسبية الطابع، نظرا لارتباطها بقضيتي توزيع الموارد والفساد، وهما مشكلتان تتطلبان خبرات محاسبية لمعالجتهما.

وأعرب أحمد عن مخاوفه من أن يحدُث نوع من الانحراف يؤدي إلى إهمال القضايا الاقتصادية، مثل مكافحة التضخم واستقرار سعر الصرف وتطبيق سياسات نقدية، مؤكدا قناعته بأن الطاقم الاقتصادي والخبراء في المصرف سيقدمون النصائح العلمية اللازمة لمجلس الإدارة في هذا السياق، مردفا أن المصرف سيحتاج إلى وجود شخصيات أكاديمية اقتصادية قادرة على تقديم دراسات استشارية.

ورجحت أوساط ليبية أن تكون الإصلاحات المنتظرة في مصرف ليبيا المركزي جزءا من توافقات دولية على جملة من القرارات المنتظرة ومن بينها رفع التجميد عن الأموال الليبية في المصارف العالمية.

وذكر موقع “جيوبوليتيكال مونيتور” البريطاني أن المؤسسة الليبية للاستثمار تتوقع أن ترفع الأمم المتحدة تجميد أصولها البالغة 70 مليار دولار بحلول نهاية العام بعد سلسلة من التحولات التي قامت بها المؤسسة وسنوات من التفاوض مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

الصراع على النفوذ بالمؤسسة المالية السياسية الأكبر في البلاد بات واضحا للجميع، والمصالح الشخصية أصبحت أكبر بكثير من مصالح الدولة

وأوضح الموقع أن تدقيقا أجرته شركة ديلويت في عام 2020، كشف أن المؤسسة الليبية للاستثمار تكبدت خسارة قدرها 4.1 مليار دولار في العائدات المحتملة على محفظة الأسهم منذ بداية التجميد في عام 2011 وبدءا من عام 2019 حيث سعت المؤسسة الليبية للاستثمار إلى تنفيذ برنامج تحول كبير من شأنه أن يجعل الصندوق الليبي يتنافس مع صناديق الثروة السيادية المماثلة في منطقة الشرق الأوسط، وشمل هذا البرنامج بناء القدرات وزيادة الشفافية والعمل مع الأمم المتحدة على رفع تجميد الأصول ومع وضع برنامج التحول المكون من أربع خطوات للمؤسسة الليبية للاستثمار.

وأكد عضو مجلس الدولة الاستشاري سعد بن شرادة على ضرورة توحيد السلطة التنفيذية لتتمكّن إدارة المركزي الجديدة من صرف الموازنة العامة التي تحتاج إلى وزارة مالية موحدة ضمن الحكومة، وقال إن الموازنة يجب أن تصدر وفق قانون من الجهات المشرعة بالبلاد عقب وجود مجلس إدارة مكتمل حاليا للمصرف المركزي، معتبرا أن اعتماد مجلس النواب لمجلس إدارة المركزي سيساعد المحافظ على رسم السياسات النقدية ويجنب قراراته التعرض للطعون القضائية.

بدوره، قال الخبير المصرفي عمران الشائبي إن اعتماد مجلس إدارة جديد للمصرف المركزي بعد سنوات من الانقسام الداخلي، يمثل بداية جديدة لدفع عجلة التنمية الاقتصادية في ليبيا.

وكانت المبعوثة الأممية بالوكالة ستيفاني خوري شددت على ضرورة “اتخاذ خطوات إضافية بعد حل أزمة المصرف المركزي، وتعيين مجلس إدارة له”، من أجل إعادة الثقة في هذه المؤسسة، معتبرة أن “هذه الأحداث تذكرنا بمدى أهمية استقلالية مؤسسات الدولة الليبية، وضمان عدم استغلال موارد الدولة لتحقيق مكاسب سياسية، وبالخطر الذي تفرضه الإجراءات الأحادية، وحاجة كل الأطراف إلى احترام صلاحيتها، والعمل معا لإيجاد حل بروح توافقية”.

وعلى الرغم من حل أزمة المصرف المركزي، لفتت القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية إلى أن “هناك إجراءات أخرى لا تزال تغذي الانقسامات، فالنزاعات حول السلطة والمسائل الدستورية لا تزال مستمرة”.

وفي الثاني من أكتوبر الجاري تسلم المحافظ الجديد ناجي عيسى ونائبه مرعي البرعصي مهامهما رسميا، بعد تصويت مجلس النواب على الاتفاق مع مجلس الدولة الاستشاري.

وتضمن الاتفاق تعيين إدارة جديدة للمصرف خلال عشرة أيام من المصادقة على الاتفاق، لكن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي شدد على ضرورة تشكيل مجلس إدارة للمصرف المركزي “مكون من شخصيات ذات كفاءة وخبرة بالتوافق بين مجلسي النواب والأعلى للدولة والمجلس الرئاسي”، بحسب بيان للمكتب الإعلامي للمنفي.

4