إسماعيل حابة صانع الجمال وداعم الفن التشكيلي

رغم كونه لم يعرف كفنان تشكيلي، إلا أنه كان من أشد الداعمين والمضيفين للفن التشكيلي في تونس والمنطقة العربية، حيث استطاع إسماعيل حابة الذي فارقنا مؤخرا أن يحافظ على مهرجان المحرس للفنون التشكيلية وحصنه وعمل على تطويره كمؤسسة تتجاوز الأشخاص وتجمع كل عام خيرة الفنانين التونسيين والعرب والأجانب.
نام على سرير الأرض منذ أيام مضت صانع الجمال في مدينة النور، مدينة المحرس التونسية، رئيس مهرجان المحرس للفنون التشكيلية السيد إسماعيل حابة.
أعلن الفنان التشكيلي الرحيل بعد أن أكمل مشواره الطويل الذي بدأه رفقة المعلم الكبير الفنان يوسف الرقيق المؤسس الأول للمهرجان، بعد أن رسم ملامح “مدينة النور” كما وصفها الألماني بول كلي في
مذكراته، وتم إدراجها مؤخرا على قائمة المدن السياحية في تونس، وقبلها تكرست منذ عمر سنوات المهرجان الأولى في أذهان كل الفنانين والنقاد كعاصمة من عواصم التشكيل العربي، للدور البارز الذي تحظى به في إحياء ودعم الفنون عامة، وخصوصا الفن التشكيلي طيلة 35 سنة من عمر هذا الحدث التشكيلي الهام في تونس والمنطقة العربية كلها.
إسماعيل حابة المربي والناشط الثقافي منذ ستينات القرن الماضي عرف بجديته وحكمته في التسيير، وكان في كل عام يفعل المستحيل من أجل تنظيم مهرجان المحرس للفنون التشكيلية، وهو ما سبب له متاعب صحية أضرت بصحة قلبه وانتهت للأسف بوفاته على إثر سكتة قلبية.
كان الفقيد إسماعيل حابة صاحب خبرة في إدارة الحدث والتعامل مع الجميع بروح المودة، كان المربي الفاضل والأب الحنون والأخ الأكبر الداعم للجميع، ﻻ يشعرك بحسن الضيافة وحسب، بل يترك عندك انطباعا بأنك من أهل البيت أيضا، من أهل المكان، يجعلك تشعر أنك من أصحاب المهرجان وشريك حقيقي في المشروع الجمالي الكبير، فيترتب عليك الالتزام بالفعل الإيجابي والانتماء الحقيقي إلى الحدث الفني السنوي، فتصبح من أهل المحرس نفسها.
تربى مئات الناشئة من الفنانين كأطفال في مهد ورشات الأطفال ومشاركاتهم الأولى، وترعرع المئات من الفنانين الشباب وتمرس الكثير في هذا الفضاء الذي وفرته أرض المحرس، ليكون بمثابة أكاديمية للفنون والإبداع، تجارب تشكيلية مختلفة من جميع أنحاء العالم تلتقي في مكان واحد وفي زمن واحد، ﻻ تتوفر فرصة المشاركة، مشاركة المشاعر ومشاركة الخبرة والمعلومات والآراء من الطفل إلى المعلم في فنون التأريخ وفلسفات الفن وعلومه.
في كل مرة، كان إسماعيل حابة يستقبل المشاركين بنفسه ويشاركهم جلساتهم الليلية، فيسهر مع الجميع بكل تواضع وروح مرحة في محل إقامة الفنانين بفندق مرزوق وتماريس.
كان الراحل الصمام الرئيسي في كل الصعوبات التي كانت تواجه المهرجان في أصعب ظروف البلد، فحسن التصرف والخبرة الطويلة والحكمة كانت حاضرة دائما وأبدا.
الخبرة التي زرعها المربي الراحل إسماعيل حابة في قلوب أعضاء جمعية المهرجان ستزهر من جديد وستستمر في عملها
كنت قد التقيت بصديق عزيز قبل يوم على إعلان رحيل إسماعيل حابة عائدا من تونس، قال إنه مر بالمحرس في رحلته والتقى مصادفة بالأستاذ إسماعيل حابة الذي كانت تربطهما علاقة جيرة وصحبة عائلية قديمة، حيث قال إنه يبلغني السلام والتحية، فكأن هذا السلام كان إشعارا وتلويحا بالرحيل، تجاوز حتى حدود الأوطان إلى كل محبيه وأصدقائه.
منذ مشاركتي الأولى في المهرجان الدولي للفنون التشكيلية بالمحرس، أصبحت تربطني علاقة وثيقة بالمهرجان أكثر من ثماني عشرة سنة مضت، مع كل من الفنان يوسف الرقيق مرورا بالأستاذ محمد قدوار وصولا إلى إسماعيل حابة رحمهم الله جميعا، أو من أعضاء اللجنة الحالية المنظمة للمهرجان وأطال الله في أعمارهم وبارك في جهودهم.
وكمطلع على تجربة المهرجان ومن أشرفوا عليه جميعا، واثق أن الخبرة التي زرعها المربي المعلم الراحل إسماعيل حابة ومن رحلوا قبله في قلوب أعضاء جمعية المهرجان من شباب وشابات ستزهر من جديد وستستمر في عملها بنفس المستوى من الاتقان والفعالية والتنظيم في مدينة النور وجهة المبدعين، التي ستستمر في رسم الآمال في مدرسة الآمال التي تحتضن الورش والفعاليات الفنية في فضائها من كل عام.
كتب عنه الفنان الناقد خليل قويعة في صفحته الشخصية ناعيا الفقيد “إسماعيل حابة، مدير المهرجان الدّولي للفنون التشكيليّة بالمحرس، وداعا… كنت إحدى الشخصيّات المؤسّسة منذ 1988، وقد راهنت على فكرة الملتقى بشغف وناضلت من أجل أن يكون نبض المهرجان مستمرّا لمدّة 35 سنة”.
وتابع “كنت مقداما، متفائلا رغم المطبّات والحواجز، وكنت منفتحا على مختلف الأفكار والمسالك المؤديّة إلى حياة الألوان وبريقها في مدينة المحرس الفيحاء، كنت صادقا وغيورا على قيم الفنّ البنّاءة، دائم التطلع إلى لحظة أخرى أجمل وأرفع وأكثر تعبيرا عن معنى الحياة… وكنت عامرا بالودّ. رحمك الله”.