إسرائيل على شفا كارثة.. هل سيعيد التاريخ نفسه؟

العمل الكارثي المتهور ينبغي أن يصبح حافزا لمواصلة المعركة ضد حكومة نتنياهو ومنعها من إصدار المزيد من التشريعات.
السبت 2023/07/29
حكومة تثير غضب الشارع وتدمر الديمقراطية

أرفع قبعتي لكل متظاهر إسرائيلي. هؤلاء الأبطال الذين خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج على خطة الحكومة  لـ"إصلاح" القضاء. إنهم يعلمون جيدًا الآثار الوخيمة التي ستحدثها. لا يخفى على أحد أن الحكومة تريد اغتصاب سلطة المحكمة العليا المحايدة، جوهرة تاج القضاء الإسرائيلي الذي يضمن الطبيعة الديمقراطية للبلاد ويضع هذه السلطة في أيدي مسؤولين منتخبين منحازين وفاسدين يضعون مصالحهم الذاتية ونهمهم على السلطة فوق المصلحة الوطنية.

تزعم أحزاب المعارضة بحق أن إقرار التشريع الأول لـ”المعقولية” سيسمح للحكومة بممارسة سلطة غير مقيدة، وإلغاء الضمانة التي تحمي حقوق الأفراد والأقليات. وسيؤدي ذلك بشكل خطير إلى زيادة الاستقطاب في البلاد بين الليبراليين العلمانيين والمسيانيين المتدينين المتطرفين وخلق انقسام دائم يمكن أن يؤدي إلى انتشار العنف بين الجانبين، وهو أمر متوقّع سيدمر الإنجازات الرائعة للبلاد، والتي تم تحقيقها من خلال العمل الجاد والتفاني من قبل العديد من الإسرائيليين، ويمهد الطريق لدكتاتورية زاحفة.

إن تصريح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المخادع بأن الإصلاح القضائي سيعزز في الواقع الديمقراطية الإسرائيلية، يتعارض مع ما تعنيه الديمقراطية. لكن نتنياهو، الذي استهلك نفسه بالكامل بسبب غروره المتضخم وتصميمه الاستبدادي وميله الأيديولوجي الراديكالي، نسي ما تمثله الديمقراطية. اسمحوا لي أن أذكره بذلك.

◙ أحزاب المعارضة تزعم بحق أن إقرار التشريع الأول لـ"المعقولية" سيسمح للحكومة بممارسة سلطة غير مقيدة، وإلغاء الضمانة التي تحمي حقوق الأفراد 

لا تقتصر الديمقراطية على انتخابات نزيهة وحرة. في ديمقراطية ليبرالية حقيقية، يتم منح الجميع حقوقًا متساوية بموجب القانون. ولضمان المساواة، يصبح القضاء المستقل شرطًا أساسيًا.

الادعاء الكاذب الآخر الذي يؤكده نتنياهو وأتباعه هو أن غالبية الإسرائيليين صوتوا لحكومته، مما يمنحها تفويضًا بالحكم كما تراه مناسبًا. في حين أنه كان تصويتًا متكافئًا بشكل أساسي – صوّت 2.36 مليون ناخب مؤهل للكتلة المؤيدة لنتنياهو، وصوت ما يقرب من 2.31 مليون لأحزاب المعارضة – ما يقرب من 39 في المئة مقابل 38.9 في المئة من الناخبين المؤهلين. لم يصوّت أكثر من 1.3 مليون ناخب مؤهل، بالإضافة إلى 3.05 مليون إسرائيلي تقل أعمارهم عن 18 عامًا.

وبالتالي، فإن الادعاء بأن الحكومة التي صوّت لها أقل من نصف السكان يمكنها اغتصاب سلطة المحكمة العليا المنصوص عليها في القانون الأساسي بأغلبية بسيطة هو أمر سخيف، لأنه يتعارض تمامًا مع إرادة ومصالح الأغلبية الساحقة. بالإضافة إلى ذلك، سوف يضعف مستقبل الإسرائيليين الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا – وهؤلاء يشكلون ثلث إجمالي سكان البلاد – والذين قد ينتهي بهم الأمر بالعيش في ظل دكتاتورية. سيغادر عشرات الآلاف من الشباب البلاد، مما يتسبب في هجرة عقول رهيبة سيكون لها تأثير معوّق على كل قطاع اقتصادي وعلمي.

وإلى جانب الجهود المبذولة لتقويض القضاء، منذ اللحظة التي تشكلت فيها حكومة نتنياهو الحالية، بدأت الهجمة على الديمقراطية بالانتقام، حيث أراد كل الشركاء في الائتلاف تأمين حصتهم في السلطة والسخاء المالي الذي يأتي معها. إن إنشاء وتوزيع وزارات جديدة زائدة عن الحاجة، فقط لإرضاء غرور مختلف قادة الأحزاب، أمر يضر بشكل مقلق برفاهية البلاد. الأموال المخصصة لهذه الوزارات غير الضرورية، مثل وزارة الأمن القومي برئاسة بلطجي من أمثال إيتمار بن غفير، كان من الممكن إنفاقها على الفقراء والمحتاجين.

وعندما لا يكون هناك فصل واضح بين الدين والدولة، فإن الديمقراطية تتعرض للخطر بطبيعتها لأنها تنتهك بشكل مباشر حق كل شخص غير متدين في العيش كما يراه مناسبًا. لكن هذه الحكومة وسّعت حتى سلطة الحزب الديني. 

وعندما يتحكم المجرمون بلسلطة لتعزيز مصالحهم، فإنهم يسخرون من ديمقراطية إسرائيل. في الواقع، الديمقراطية الحقيقية هي نظام حكم يضع رفاهية وسلامة الشعب في المقام الأول، لكن هذه الحكومة تدور حول الاستيلاء على السلطة ولا تفعل شيئًا سوى تقويض سمعة إسرائيل في الخارج وتدمير نسيجها الاجتماعي في الداخل.

◙ الديمقراطية لا تقتصر على انتخابات نزيهة وحرة. في ديمقراطية ليبرالية حقيقية، يتم منح الجميع حقوقًا متساوية بموجب القانون

وعندما تكون دولة ما قوة محتلة وتطبّق مجموعتين من القوانين – واحدة لليهود الإسرائيليين الذين يعيشون في الضفة الغربية والأخرى للفلسطينيين – تنتهك بانتظام حقوق الإنسان الفلسطيني وتخضع الفلسطينيين لاحتلال قاسٍ لا يرحم، فلا يمكن أن تكون دولة ديمقراطية. أترك الأمر لهذه الحكومة الشريرة للتلاعب بالرأي العام، مما يقودهم إلى الاعتقاد بأن الفلسطينيين يشكلون خطراً حقيقياً وقائماً على الأمن القومي لإسرائيل ويجب التعامل معهم بحزم بقبضة من حديد. لقد أدى الاحتلال إلى تآكل ديمقراطية إسرائيل منذ اليوم الأول، وطالما ظلت هذه الحكومة الاستبدادية في السلطة وشقت طريقها من خلال إخضاع القضاء لأهوائها، فسوف تتحرك لضم أكبر قدر ممكن من الضفة الغربية ودفن ما تبقى من ديمقراطية إسرائيل.

ومن المخجل أن تشريع “المعقولية” قد صدر للتو. ولكن هذا العمل الكارثي المتهور ينبغي أن يصبح حافزًا لمواصلة المعركة ضد هذه الحكومة ومنعها من إصدار المزيد من التشريعات التي من شأنها أن تشل المحكمة العليا تمامًا وتعيين القضاة الذين سيكونون خاضعين لأيديولوجية عبادة مسيانية خطيرة.

يجب إسقاط هذه الحكومة ليس فقط لمنعها من تدمير آخر بقايا ديمقراطية إسرائيل، ولكن لإنقاذ إسرائيل من التدمير الذاتي. يجب على كل متظاهر رفع العلم الإسرائيلي عالياً وألا يسمح للتاريخ أن يعيد نفسه ويؤدي إلى تدمير "المعبد الثالث" بسبب الخلافات الداخلية والشقاق والتنافس وحكومة مفلسة أخلاقياً وغير قابلة للإصلاح.

احذر يا نتنياهو. لقد بدأت للتو المعركة الحقيقية من أجل روح إسرائيل، وسوف يتم تذكّرك على أنك الفرعون الذي أوصل إسرائيل إلى حافة الكارثة.

7