إسحاق جهانغيري قناع آخر لخامنئي يغزو جزر الخليج بمشاريع تنموية

جنيف- اختار الممثل الأميركي الفاشل والرئيس الأميركي الأربعين رونالد ريغن الذي ضرب آخر مسمار في النعش السوفييتي جورج شولتس مدير الشركة الأميركية العملاقة “بكتل” ليكون وزير خارجية له. وكذلك فعل دونالد ترامب باختياره رئيس شركة إكسون التروست النفطية العملاق تيلرسن أيضاً ليكون وزير خارجيته. وكذلك فعل روحاني الرئيس الإيراني "الإصلاحي" عندما رقّى إسحاق جهانغيري من وزير صناعة في حكومة خاتمي إلى منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية الإيرانية، فمن هو جهانغيري هذا ليرتقي إلى هذا المنصب ولينال ثقة المرشد الأعلى علي خامنئي الذي لا يعجبه من الرجال العجب؟
جهانغيري كان أحد الإيرانيين الذين حاصروا السفارة الأميركية أواخر سبعينات القرن الماضي. في الاشتباكات التي حصلت وقتها أُصيب، وبعد شفائه بأيام تزوج من مانيجا جهانغيري. ولم يكن ذلك الزواج جائزته الأولى، بل مكاناً خاصاً بين صفوف الحرس الثوري الإيراني الذي وضع يده على القطاع الصناعي الإنشائي والاستثماري الإيراني بحكم حيازة جهانغيري على بكالوريوس في الفيزياء من جامعة كرمان وتبعها لاحقاً بماجستير من جامعة شريف، ودكتوراه في الإدارة الصناعية من الجامعة الحرة في إيران.
وهم الاعتدال والإصلاح
بحكم الشهادة العليا والحظوة كان لا بد من إضفاء مسحة مدنية عليه اسمها “الاعتدال” أو “الإصلاح” في إيران؛ فأصبح إسحاق عضواً في مجلس الشورى الإيراني لمرتين، ثم أصبح محافظاً لأصفهان. وقبل أن يقع الخيار عليه ليكون نائباً للرئيس روحاني، كان خاتمي أوكل إليه وزارة الصناعة خلال إنجازه الدكتوراه.
آخر فصول جهانغيري خوضه الانتخابات الرئاسية الأخيرة ضد معلمه روحاني المرشح ثانية للرئاسة. فعله الأخير هذا كان مبرمجاً تماماً. دقائق قبل أن يُغلَق باب الترشيح أتى الرجل وتقدّم بأوراقه؛ وبعد تقديمه بدقائق أُقفلَ الباب. ولو فعل ذلك غيره لما قُبِلَ ترشيحه. ومن هنا تأتي مسألة الترشيح المُبَرمَج.
خلال أيام الحملة الانتخابية قام جهانغيري بما لم يكن بإمكان معلّمه روحاني أن يقوم به. لقد هاجم المرشحين المحافظين شرّ هجوم وصدّ انتقادات وتجريحات طالت ما يسمّى “الإصلاحيين” وعلى رأسهم روحاني بشكل منقطع النظير. رافع الرجل عن الاتفاق النووي بحماس منقطع النظير؛ وصد اتهامات بالتقصير طالت رئاسة وحكومة روحاني بشكل يرضي تقيّة المرشد ويخرس المنتقدين الذين كشفوا الازدواجية والمفارقات والوعود الخلّبية في الاتفاق وكذلك النفاق الذي رافق تبعات الاتفاق.
إيران تتبنى استراتيجية شاملة تسعى لتطبيق إصلاحات تقوم على عوامل السوق كما يتضح في وثيقة الرؤية التي تعتمدها الحكومة وتمتد 20 عاما، وخطة التنمية الخمسية السادسة لإيران لفترة السنوات 2016-2021
وحسب تقرير للبنك الدولي صدر في أبريل من العام الحالي، فإن إيران تمتلك ثاني أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد السعودية، حيث بلغ إجمالي الناتج المحلي في عام 2016 حوالي 412.2 مليار دولار. وهي كذلك ثاني أكبر بلدان المنطقة بعد مصر من حيث عدد السكان إذ بلغ عدد السكان نحو 78.8 مليون نسمة عام 2015.
ويتميز الاقتصاد الإيراني بوجود قطاع هيدروكربوني وقطاعي الزراعة والخدمات وحضور ملحوظ للدولة في قطاعي الصناعات التحويلية والخدمات المالية. وتحتل إيران المركز الثاني في العالم من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي والمركز الرابع في احتياطيات النفط الخام المثبتة. ومازال النشاط الاقتصادي وإيرادات الحكومة يعتمدان إلى حد كبير على العائدات النفطية ومن ثم ستظل متقلبة.
وقد تبنت طهران استراتيجية شاملة تسعى لتطبيق إصلاحات تقوم على عوامل السوق كما يتضح في وثيقة الرؤية التي تعتمدها الحكومة وتمتد 20 عاما، وخطة التنمية الخمسية السادسة لإيران لفترة السنوات 2016-2021. وتتألف خطة التنمية الخمسية السادسة من ثلاثة أعمدة هي تطوير اقتصاد مرن وقادر على التحمل وتحقيق تقدم في العلوم والتكنولوجيا وتعزيز التفوّق الثقافي.
|
وعلى الصعيد الاقتصادي تتوقع خطة التنمية تحقيق معدل نمو اقتصادي سنوي نسبته 8 بالمئة وتنفيذ إصلاحات في المؤسسات المملوكة للدولة والقطاع المالي والمصرفي، وعملية تخصيص وإدارة الموارد النفطية ضمن الأولويات الرئيسية للحكومة خلال فترة السنوات الخمس.
وفي أعقاب انكماش يقترب من 2 بالمئة في عام 2015 انتعش الاقتصاد الإيراني بصورة حادة في عام 2016 ليصل إلى حوالي 6.4 بالمئة. وتشير أحدث الدراسات إلى أن الاقتصاد الإيراني قد نما بوتيرة غير مسبوقة بلغت 9.2 بالمئة، مقارنة بالعام الماضي. وعلى الرغم من هيمنة القطاع النفطي هناك بعض علامات تدل أيضا على دينامية ونشاط القطاعات غير النفطية.
وقد تحسنت الأرصدة الخارجية وأرصدة الموازنة في عام 2016 حسب تقرير البنك الدولي، وشهد الفائض في الحساب الجاري لإيران زيادة قوية نتيجة للنمو القوي في الصادرات النفطية. وتشير التقديرات إلى زيادة فائض الحساب الجاري إلى 6.5 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2016 ارتفاعا من 2.7 بالمئة في عام 2015، مستفيدا بقوة من رفع العقوبات المفروضة على الصادرات النفطية وتعافي الصادرات.
مصير شعارات الخميني
وإثر الاتفاق النووي انقسمت المنظومة الحاكمة في طهران إلى فريقين، فصوّر واحد ذلك الاتفاق بأنه سيجلب السمن والعسل والازدهار الاقتصادي لإيران من خلال تدفق الأموال المحجور عليها ورفع الحصار والاستثمارات، وآخر بقي متمترساً عند شعارات الخميني “الموت لأميركا” و”الشيطان الأكبر” وندد بالاتفاق.
وكان جهانغيري من الفريق الأول مدافعاً شرساً لسانه أكثر طلاقة من معلّمه؛ وربما كان ذلك أحد أسباب ترشحه، ليكون حاجز صدّ ومهاجم كي يحمي ترشح روحاني ويضمن نجاحه.
في مقابلة مع صحيفة فرنسية قال جهانغيري “بدأت حكومتنا في السير في طريق جيد؛ فقد حللنا القضية النووية وجعلنا الاقتصاد أكثر استقرارًا وأعدنا الأمل؛ وأنا على ثقة بأن الإيرانيين سيصوّتون لهذه الحكومة لكي تستمر في عملها”.
بعد أن نصّب نفسه “رابوقاً” وغطاء لترشيح روحاني وبعد أن أنجز مهمته في الهجوم على محافظ طهران الذي يقيم في منصبه منذ 2005 في مناظرة تلفزيونية ملتهبة سحب جهانغيري ترشيحه، وانطلق مدافعاً ومرافعا عن السياسة الاقتصادية لحكومة روحاني بحكم استلامه للملف الاقتصادي وبحكم وجوده على رأس المجلس الأعلى للبناء؛ وهذا أحد المفرزات الاقتصادية للحرس الثوري الذي يضع يده على روح الاقتصاد الإيراني برئاسة خامنئي ذاته.
|
الهيمنة على الاقتصاد
تم إخراج انسحابه عبر إجماع ما يُسمّى “المجلس الأعلى لتيار الإصلاحيين” بأن طُلب منه الانسحاب لحساب روحاني بحيث تظهر كتلة الإصلاحيين واحدة داعمة لروحاني في وجه “المحافظين”. وهكذا كان المُنتج؛ عودة رئاسة روحاني، وصاحبنا النائب الأول للرئيس. وبذا كانت الرسالة التي قدمها المرشد للعالم أن الإصلاحيين هم مَن فازوا في انتخابات “ديمقراطية”؛ ومعروف أن نسبة المشاركة في تلك الانتخابات كانت في أدنى درجاتها.
ينطلق جهانغيري بعمله كنائب أول للرئيس للمرة الثانية، ليكون آخر منجزاته الاقتصادية في الجزر “الإيرانية ” في “الخليج الفارسي”، كما يطيب للإيرانيين تسميته، وبحر عمان وسواحل مكران بتطوير وتنمية تلك الجزر؛ ويقول في أحد مقابلاته وتغريداته إن تطوير الجزر في جدول أعمال الحكومة وهي محط اهتمامها الكبير.
جهانغيري أشار لدى افتتاحه مطار وميناء جزيرة “هندورابي” إلى الإجراءات المتخذة على صعيد البنى التحتية في جزيرة “كيش” باعتبارها أول منطقة حرة بالبلاد وقال إن هذه الجهود تأتي بهدف استقطاب الاستثمارات الأجنبية وكذلك حث القطاع الخاص على الاستثمار في هذه المنطقة.
يصر نائب الرئيس على أن الهدف الأساس من إيجاد المنطقة الحرة في كيش هو استقطاب السياح والتجارة إلى حدّ ما، وهو يقول “إن هذه المنطقة استطاعت أن تحقق نجاحات نسبية ولكن الجهود تتجه إلى جعل المناطق الحرة قاعدة أساسية لاستقطاب المستثمرين الأجانب وللتصدير”.
نشاطات مريبة
|
يقول جهانغيري إن متابعة وتطوير الجزر واحدة من الإجراءات التي كانت جزيرة كيش، من بينها، السباقة في هذا المجال حيث يجري تطوير جزيرة هندورابي وإيجاد مؤسسات البنى التحتية فيها كما يعتبر بناء مطار وميناء وفنادق لترفيه السياح والمواطنين الذين يرغبون في قضاء أوقات فراغهم في “الخليج الفارسي” من جملة هذه الإجراءات. والمحطة الرئيسية الأخرى في نشاط جهانغيري كانت استقباله لعماد خميس رئيس وزراء نظام بشار الأسد في طهران. في تلك الزيارة لخميس تم توقيع ست اتفاقيات لها الصبغة الاستراتيجية.
اتفاقيات تعود على إيران بمنتج كبير وسريع؛ وكأننا أمام استعجال إيراني في استرداد ما أنفقته إيران من مليارات على قتل السوريين وتشريدهم وخراب بلدهم وامتصاص ما تبقّى لهم من خيرات مقابل ما استثمرته إيران في ذلك البلد من عبث ودمار.
وضعت إيران يدها على مناجم الفوسفات السورية بالمطلق عبر اتفاقيات مع حكومة الأسد. اتفاقيات بموجبها لا يقترب سوري من تلك المناجم. وهناك اتفاقية أخرى تنشئ إيران بموجبها مؤسسة اتصالات متجاوزة أيّ سيادة وطنية سورية.
هذا إضافة إلى اتفاقية يتم بموجبها وضع اليد الإيرانية على أراضٍ شاسعة بآلاف الهكتارات الزراعية في الأرض السورية. زد على ذلك اتفاقات تتعلق بالنفط ومشتقاته وبمشاريع مياه تكون إيران المتصرف الأول بها. اللافت في كل تلك الاتفاقات أن جهانغيري هو المهندس والمدبر والموقّع، على الدوام، من الجانب الإيراني.
هذا هو جهانغيري مشروع آية الله خامنئي للرئاسة الإيرانية عام 2021. رجل عفّ عن الرئاسة، له الرصيد الأقوى اقتصادياً في دهاليز الحرس الثوري، المُختَبر بسياسة الولاء للقائد الأعلى، منقذ الإصلاحيين، منقذ رئاسة معلمه روحاني، عبقري الجزر وجهة السياحة والاستجمام والاستثمار في الخليج الذي أضفت إيران فارسيتها عليه وافتراسها له، وأخيراً موقِّع اتفاقيات الاحتلال مع حكومة الشماعة الأسدية التي تعلّق عليها فارس كل عبثها وأطماعها. إنه المهندس جهانغيري.