إسبانيا ترفض طلبات لجوء موالين لبوليساريو وتستعد لترحيلهم إلى الرباط

مدريد - قررت السلطات الإسبانية ترحيل أشخاص يصفون أنفسهم بأنهم “صحراويون”، بعدما رفضت طلباتهم للجوء على أراضيها، تجسيدا لالتزامها بقرارها دعم مقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية. ووفق معطيات أوردتها وكالة الأنباء “أوروبا بريس” وصحيفة “إلموندو” استقبل مطار أدولفو سواريز – باراخاس في العاصمة مدريد 57 شخصا ينتظرون صدور قرار نهائي من وزارة الداخلية الإسبانية من أجل ترحيلهم، بعد رفض منحهم اللجوء.
وأعلنت الداخلية الإسبانية أن 10 أشخاص أعلنوا توقفهم عن الأكل، وذلك بعدما أخبرتهم السلطات الإسبانية بأنه لن يكون بإمكانهم البقاء على أراضيها لعدم قبول ملفات اللجوء الخاصة بهم، ما يعني القيام بترحيلهم. وأكد محمد لكريني، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي، أن “الموقف الإسباني استند إلى عدم اقتناع السلطات بوجود تهديدات حقيقية لمقدمي اللجوء داخل المغرب، وهو مؤشر على وجود تحسن مهم في حقل حقوق الإنسان بعد إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان واللجان الجهوية، والذي دعمته قرارات مجلس الأمن، خصوصا وأنه لم يثبت تضييق السلطات على سفر أشخاص داعمين لبوليساريو في مدينتي العيون والداخلة إلى الخارج”.
واعتبر في تصريح لـ”العرب” أن “رفض إسبانيا طلبات اللجوء المقدمة من موالين لجبهة بوليساريو يعود إلى سببين؛ أولا لأنه يندرج في سياق تراجع الدعم للجبهة الانفصالية والقطع مع تكرار السيناريو الذي سبق وأن قام به زعيم الجبهة حينما قام بتزوير مجموعة من الوثائق من أجل استشفائه في إسبانيا، وثانيا لأن القرار ترجمة عملية للاعتراف الإسباني بسيادة المغرب على الصحراء من خلال دعم مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها مبادرة جدية وذات مصداقية وفق ما أقره مجلس الأمن والقوى الدولية الكبرى”.
وفي إطار سلسلة من القرارات المماثلة التي اتخذتها مدريد مؤخراً بشأن عدد من الانفصاليين الذين دعموا بعض الأحزاب والجمعيات المحسوبة على بوليساريو، تحت ذريعة “نقص الرعاية الصحية” وأيضا لدواع حقوقية، رفضت وزارة الداخلية طلب المدعو عبدالسلام ديشاكور، البالغ من العمر 29 سنة والذي زعم أنه “ناشط صحراوي في مجال حقوق الإنسان”، ما يعكس تشدد الموقف الإسباني تجاه قضية الصحراء المغربية، وهو ما يعزز الدعم الإسباني المتزايد لمقترح الحكم الذاتي المغربي كحل وحيد للنزاع.
وأكدت الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان بمدريد أن السلطات الإسبانية تفطنت إلى حيل طلبات اللجوء التي يقدمها بعض من يسمون أنفسهم بالنشطاء بادعاءات تعرضهم للاضطهاد في المغرب، من أجل تسهيل هجرتهم واستفادتهم من الامتيازات المترتبة على وضعية اللجوء، خصوصا وأن المغرب يضمن لجميع المواطنين التمتع بحقوقهم المضمّنة في الدستور وفي المواثيق والمعاهدات الدولية المصادق عليها.
وسبق أن أشارت تقارير إلى رفض إسبانيا طلبات لجوء أخرى تقدم بها انفصاليون، ما يؤكد على تراجع الدعم لجبهة بوليساريو والذي تزامن مع وصف وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا قبل أيام بأن “التعاون مع المغرب استثنائي ومذهل، يقوم بشكل واضح على الثقة وحسن النية. إنه عمل يومي لخدمة مصالح المجتمعين على حد سواء وضمان حقوق وحريات الجميع”.
وفي الجانب القانوني تتم عملية طلب اللجوء أمام وزارة الداخلية الإسبانية، التي لها صلاحية قبول أو رفض ذلك، كما أن القضاء الإسباني يدعم بشكل عام موقف وزارة الداخلية في رفض هذه الطلبات، ويعزز الموقف السياسي الإسباني تجاه قضية الصحراء والعلاقات مع المغرب.
ولم يساعد استنجاد الانفصاليين بجهات داخل إسبانيا، منها حزب “بوديموس” المحسوب على أقصى اليسار، بعدما رفضت السلطات أمينته العامة والوزيرة السابقة إيوني بيلارا، وصولهم (الانفصاليين) إلى القاعة التي تستقبلهم داخل المطار، وقد عبرت إيوني بيلارا عن دعمها لمطالب اللجوء.
من جهته طلب المتحدث باسم حزب “سومار” في البرلمان الإسباني من وزارة الداخلية التراجع عن قرارها، ويُنتظر أن يتم تسليمهم إلى الرباط باعتبارهم مواطنين مغاربة دخلوا إسبانيا بواسطة جوازات سفر مغربية، ولعدم اقتناع الداخلية بوجود خطر يتهددهم بوصفهم مواطنين مغاربة ينتمون إلى الأقاليم الجنوبية للمملكة.
وفي تصريحات للإذاعة الوطنية الإسبانية قالت القيادية في جبهة بوليساريو بإسبانيا فاطمة الغالية إن تعداد “الصحراويين” المهددين بالترحيل إلى المغرب يقارب الثلاثين. وفشل إنيغو إريخون، المتحدث باسم حزب “سومار” في البرلمان الإسباني، في الضغط على وزارة الداخلية للتراجع عن قرارها، مؤكدًا أن هذا الإعلان لا يتوافق مع رؤية الشريك الأصغر في الحكومة، وأضاف في منشور على منصة إكس أن "هذا القرار تم اتخاذه من دون موافقتنا، وعلى وزارة الداخلية أن تصحح موقفها".
وفي وقت سابق عارض حزب "سومار" اليساري الراديكالي، المعروف بتأييده ودعمه لجبهة بوليساريو الانفصالية، دعم إسبانيا لمبادرة الحكم الذاتي للصحراء، دون أن يكون لموقفه أي تأثير على موقف مدريد.
وعلى صعيد آخر طلبت النائبة تِش سيدي الموالية لبوليساريو من حزب “سومار” في البرلمان الإسباني توضيحات من وزير الداخلية حول رفض طلبات اللجوء المقدمة من حوالي 30 ناشطًا صحراويًا، من بينهم حالات إنسانية مثل علي حمّو، وهو ناشط أصم ومصاب بالسرطان، ومحمد علي سليماني وعائلته، الذين فروا من القمع في الصحراء الغربية، على حد وصفها.
وأكدت الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان بمدريد أن الجمعيات الداعمة لبوليساريو في إسبانيا تعمل على استغلال ملف هؤلاء الموالين للجبهة الانفصالية لإحراج الحكومة الإسبانية من المدخل الحقوقي، وهو ما لم يعد يجدي مع الحكومة في مدريد التي أغلقت هذا الباب بشكل نهائي.