إساءة المدربين الأجانب لمصر بين العجرفة واختلاف الثقافات

تُثير تصريحات المدربين الأجانب أحيانا بعض الجدل، سواء بسبب العجرفة أو بسبب اختلافات ثقافية قد تكون غير مفهومة أو حتى مسيئة للبعض، وعلى سبيل المثال، خلّفت تصريحات المدرب مارسيل كولر التي صدرت مؤخرا عن الأهلي استياء وأزمة بين جماهير الكرة المصرية.
القاهرة– تسبب السويسري مارسيل كولر مدرب فريق الأهلي في أزمة كبيرة بين جماهير الكرة المصرية خلال اليومين الماضيين، بعدما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقتطفات من تصريحات أدلى بها لمجلة “كيكر” الرياضية الألمانية رأى البعض فيها أنها تحمل إساءة لمصر، ووصل الأمر إلى مطالبة إدارة النادي الأهلي بفسخ عقد المدرب وترحيله فورا، وتجاهل نجاحاته مع الفريق.
وأعادت التصريحات إلى الأذهان أزمات مدربين أجانب عملوا في مصر سابقا، وأدلوا بتصريحات لوسائل إعلام أجنبية، رأى بعض المصريين أنها تسيء إلى بلدهم، وتعكس سلوكا متعجرفا لمدربين صنع أغلبهم شهرته من خلال العمل في مصر، بينما رأى آخرون أنها لا تمثل إساءة بقدر ما تعكس اختلاف الثقافات والبيئات التي جاء منها هؤلاء المدربون، وبين الثقافة السائدة بمصر التي تصنف المنتقدين كمعارضين دون تمييز، وهو اختلاف دفع المجربون ثمنه بالتسريح،عندما أدلوا بتصريحات وقت أن كانوا على رأس عملهم، ومنع الاستعانة بآخرين تحدثوا بعد رحيلهم عن مصر.
◙ البعض يرى أن التصريحات المستفزة لبعض المدربين لا تمثل إساءة بقدر ما تعكس اختلاف ثقافات لهؤلاء وبيئاتهم
تحدث مارسيل كولر عن تجربته المعيشة بالقاهرة، فقال إنها “مدينة ضخمة ومزدحمة جدا،” والأمور ليست منظمة، كما هو الحال في أوروبا، لافتا إلى أن لاعبي الفريق يؤدون خمس صلوات يوميا، ما يؤثر على مواعيد التدريبات، لكن الجزئية التي أثارت مشاعر الكثيرين في مصر حين سأله الصحافي عما إذا كان انتقال النجم المصري عمر مرموش إلى مانشستر سيتي ينعش مبيعات قمصان “السيتيزنز” بين المصريين، فرد كولر عليه بأن الكثيرين في مصر يواجهون صعوبة في شراء قمصان الفرق المفضلة لديهم بسبب الأولويات والتحديات المالية التي تواجههم لشراء الطعام.
لم يخمد الجدل المثار حول التصريحات رغم تكريس النادي الأهلي كل أدواته الإعلامية للدفاع عن المدرب وتبرير ما قاله بأنه “فرق ثقافات”، وأن حديث كولر عن الازدحام المروري ملاحظة لاختلاف طبيعة الحياة بين مدن أوروبا والقاهرة التي تضم أكثر من 22 مليون نسمة، وأن كولر درج على مدح مصر وشعبها.
ورغم لجوء كولر نفسه إلى إصدار بيان توضيحي في اليوم التالي، أكد فيه أنه يحترم الدين الإسلامي والشعب المصري، وتعليقاته كانت تتعلق بالتخطيط التنظيمي للتدريبات وليس انتقادا للممارسات الدينية، معربا عن إعجابه بالشغف والدعم الكبيرين من جماهير الأهلي، لكن الأزمة قد تكون لها تبعات تظهر الفترة المقبلة، وربما تؤشر إلى وصول علاقة المدرب السويسري مع النادي المصري إلى محطتها الأخيرة.
ولم يكن مارسيل كولر المدرب الأجنبي الأول الذي يطلق تصريحات تثير عاصفة من الجدل، لكن سبقه آخرون، أبرزهم المدرب الهولندي نول دي راوتر الذي تولى تدريب المنتخب المصري لكرة القدم عام 1994.
ومع عدم تحسن نتائج المنتخب المصري تحت قيادته، فاجأ راوتر المصريين بهروبه عائدا إلى بلاده بعد مرور شهور قليلة على توليه المسؤولية، وفسّر الرجل هروبه في حوار أجرته معه صحيفة هولندية أنه اكتشف أن المصريين “مخصبون بجينات خاطئة،” وهو تصريح أثار عاصفة من الغضب في مصر، وتبارت وسائل الإعلام المحلية في الرد عليه، لدرجة المطالبة بمقاضاته في هولندا بتهمة الإساءة.
هولندي آخر، تسبب في أزمة هو المدرب مارتن يول فحين كان يدرب الأهلي موسم 2015 – 2016، هاجمت جماهير النادي الغاضبة مقر تدريبات الفريق بعد خسارة الأهلي نهائي كأس مصر أمام غريمه التقليدي الزمالك، وهاجمت بعض اللاعبين واعتدت عليهم بالضرب، ما دفع يول إلى تقديم استقالته للإدارة بزعم خوفه على حياته، وأنه لا يشعر بالأمان في مصر، رغم قرار الإدارة بتجميد تدريبات الفريق إلى حين الحصول على ضمانات أمنية لتأمين اللاعبين.
تسبب رحيل يول بهذه الطريقة، وبسبب تلك الواقعة، في جدل كبير بعدما أشارت إليها بعض الصحف الإنجليزية والهولندية في توضيح أسباب رحيله، ولجأ البعض إلى المزايدة بالحديث عن أن مصر بلد غير آمن للمدربين واللاعبين الأجانب، وازداد الوضع سوءا بعد تفجر أزمة أخرى في نفس العام (2016) مع المدرب البرازيلي جورفان فييرا.
◙ كارلوس كيروش مدرب منتخب الفراعنة يصطف في طابور المدربين الذين تسببت تصريحاتهم تجاه مصر في توتر الأجواء مع الجمهور والإعلام ما قاد في النهاية إلى إقالته
في ذلك الوقت، نسب تسجيل صوتي إلى المدرب الذي كان يقود فريق سموحة المصري وقتها، يتحدث فيه مع وكيل أعماله قائلا “أود أن أرحل عن هذا البلد اللعين في أسرع وقت.. اليوم تشاجرت مع رئيس نادي سموحة ومسكت في رقبته وكدت أضربه بالكرسي.. إنه شخص مجنون،” وعقب انتشار المكالمة المسربة أعلن فرج عامر رئيس نادي سموحة، إيقاف فييرا عن العمل وتحويله للتحقيق، ثم إقالته لاحقا، ولم يتوقف الكثيرون عند ما قاله المدرب البرازيلي من أن المكالمة قديمة وأنه لم يذكر مصر أو نادي سموحة فيها، مثلما لم يحاول أحد التحري عما أثير وقتها من أن رئيس سموحة هو من قام بتسريب المكالمة لتسهل عليه إقالة المدرب وعدم دفع مستحقاته المالية المتبقية.
يصطف المدرب البرتغالي كارلوس كيروش مدرب منتخب الفراعنة في طابور المدربين الذين تسببت تصريحاتهم تجاه مصر في توتر الأجواء مع الجمهور والإعلام ما قاد في النهاية إلى إقالته.
وحقق إنجازات جيدة مع المنتخب المصري الذي تولى تدريبه لمدة قصيرة بين سبتمبر 2021 ومارس 2022، واستطاع بلوغ نهائي كأس الأمم الأفريقية في الكاميرون، والملحق المؤهل إلى نهائيات مونديال قطر، فضلا عن اكتشافه العديد من اللاعبين المجهولين الذين أصبحوا نجوما فيما بعد.
لكن طريقة تحدث المدرب البرتغالي بجرأة وصراحة لم يعتد عليها المصريون وضعته فوق صفيح ساخن، وتحول إلى هدف لهجوم وسائل الإعلام المحلية، دون حماية من الجهات المسؤولة التي تعاقدت معه، سواء وزارة الرياضة أو اتحاد الكرة، وهو ما فسره البعض بأن المسؤولين لم يستسيغوا انتقاداته للبيئة الرياضية في مصر، وضعف البنية التحتية لكرة القدم، بما فيها الملاعب وكفاءة اللاعبين ومهاراتهم، الأمر الذي يجعل من المستحيل تقريبا تطوير كرة القدم.
تضم قائمة المدربين الأجانب أصحاب التصريحات المسيئة، الألماني راينر هولمان الذي درب الأهلي بين عامي 1995 و1998، قبل هروبه من مصر بزعم عدم شعوره بالأمان نتيجة تكرار الحوادث الإرهابية التي كانت تشهدها البلاد في تلك الفترة، وأدلى بتصريحات لوسائل الإعلام الألمانية بعد هروبه قال فيها “كنت أشعر أن الأمن غير كافٍ في بعض المباريات، وهناك تهديدات غير مباشرة تؤثر على تركيز الفريق”.
واعتبر مصريون التصريح إساءة بالغة لبلدهم، خاصة بعدما تكشف أن المدرب تعاقد مع نادي الهلال السعودي بعد مدة قليلة، ما فضح أن هروبه كان بحثا عن أموال أكثر، وليس بسبب خوفه على حياته.