إذا عرف السبب

ما أن يذكر اسم تونس حتى يضاف إليه لقب الخضراء؛ وهي خضراء بالفعل. وبعد أربع سنوات متلاحقة من الجفاف مازالت تونس خضراء كما عهدناها.
خلال ربع قرن تقريبا من إقامة شبة متواصلة في هذا البلد المتوسطي، الذي شدتني إليه عوامل كثيرة، أهمها طبيبة أهله وتسامحهم مع الآخر وحسن ضيافتهم. ومن بين عوامل كثيرة أخرى ما يعرض في أسواق تونس ومحلاتها التجارية من خضار وفاكهة. كنت أختار دائما السكن على مقربة من أسواقها الشعبية، وهي كثيرة. وكنت حتى وأنا لا أحتاج إلى التسوق، أحرص على زيارة سوقها المركزي، مرّة في الأسبوع على الأقل.
في السوق المركزي، تحديدا، أطلب لبن العصفور ستجده؛ خضار وفاكهة ولحوم حمراء وبيضاء وغلال بحر وأعشاب عطرية وتوابل تفوح رائحتها من على بعد أمتار عديدة. وكأن السير في سوق سيدي البحري وسوق الحلفاوين متعة لا تضاهيها متعة أخرى..
الصورة اليوم تبدلت. في العام الأخير تحديدا بدأت أشهد ظاهرة لا يمكن إلا أن أسميها إلّا “مؤامرة” على صورة تونس.
أفهم جيدا، وأنا ابن منطقة ريفية مازالت رائحة ثمارها وتربتها عالقة بأنفي، حتى بعد 60 عاما، أن الماء هو الدماء التي من دونها لا يوجد زرع.
لن أناقش تأثير ظاهرة الجفاف على الزراعة والمنتوج الفلاحي في تونس. ولكن بعد متابعة شبه يومية تشهد عليها مقالات عديدة نشرتها في هذه الموقع وهذه الصحيفة، أشك في أن يكون الجفاف هو السبب.
نعم، هو عامل من عوامل عديدة، ولكنه ليس السبب الوحيد.. سيقال إنه التصدير، نقول تونس دائما كانت تصدر الغلال والفاكهة والخضار. ويقال إنها السياحة، نقول تونس دوما تستقبل السياح. ويقال إنهم الليبيون الذين يقصدونها أفواجا، نقول إن تونس لم تتوقف يوما عن استقبالهم، حتى تخال أنهما شعب واحد، وما ينطبق على الليبيين ينطبق على الجزائريين.
لن أنفي على الإطلاق تأثير كل هذه العوامل فرادى ومجتمعة، على حجم المعروض في الأسواق وعلى ارتفاع الأسعار، ولكن لن أؤكد ذلك أيضا، فأنا لست خبيرا، بما يكفي، للحسم في هذا الأمر، وتونس مليئة بالخبراء الزراعيين والاقتصاديين، ويمكن أن يفيدوننا بذلك.
هناك استفساران سأطرحهما، يمكن للإجابة عنهما أن تساهم في حل اللغز.
أسكن في منطقة ميسورة، القدرة الشرائية لقاطنيها عالية، توجد على مقربة مني ثلاثة متاجر (سوبرماركت) لبيع المواد الغذائية، طالما اشتهرت بمعروضها الرائع للخضار والفاكهة واللحوم. في الأشهر الأخيرة نقص المعروض، وأصبحت النوعية أقرب إلى القمامة التي يتوجب رفعها عن الرفوف والتخلص منها كتالف. إلا أنهم يصرون على الإبقاء عليها.
على مقربة من هذه المتاجر يوجد سوق شعبي صغير، يعرض خضارا وفاكهة وغلال بحر يسر مظهرها الناظرين.. لماذا؟
سؤال آخر، نحن اليوم على بعد يوم واحد من المولد النبوي، الذي يحتفل به التونسيون بتحضير “عصيدة الزقوقو”، التي تحضر من الصنوبر البري، وتغطي غاباته في تونس مساحة 361 ألف هكتار تمثل قرابة 10 في المئة من المساحة العالمية التي تنتشر في عدة بلدان بينها اليونان وسوريا ولبنان.
ورغم أن إنتاج تونس من الزقوقو سجل استقرارا سنويا بين عامي 2009 و2014، إلا أن أسعاره تضاعفت هذا العام.. لماذا؟