إذاعة صغيرة مصدر أخبار اللاجئين السوريين في العراق

تشير تجربة إذاعة غاردينيا التي تبث من العراق بمحتوى سوري وإمكانات متواضعة إلى أن المصداقية تتفوق على التقنيات الحديثة، فقد استطاعت أن تنال الإذاعة الصغيرة ثقة اللاجئين في العراق وتكون مصدرهم للحصول على الأخبار والمعلومات بشأن ما يجري في الطرف المقابل من الحدود حيث توجد ديارهم.
أربيل (العراق) – تقدّم شيرين محمد أخبار إذاعة “غاردينيا”، من استوديو متواضع في كردستان العراق، لكن المحتوى سوري بحت وموجه لجمهور اللاجئين السوريين في العراق، وأصبحت الإذاعة الصغيرة ذات الإمكانيات المتواضعة صلة الوصل بينهم وبين بلادهم.
ويراود حلم العمل الصحافي شيرين منذ فترة طويلة. لذا اغتنمت الفرصة في عام 2018 حين قدمت منظمة “أون بونتي بير” الإيطالية غير الحكومية عرضا للتدريب بغرض إنشاء إذاعة صغيرة للاجئين. ويتضح أن الخط السياسي للإذاعة هو معارضة نظام الرئيس بشار الأسد.
والإذاعة جزء من تجربة “الإعلام البديل” الذي ظهر كمبادرات فردية وجماعية داعمة لعملية التغيير في سوريا، بعد عام 2011، وحاول هيكلة نفسه بعيدا عن سلطة النظام ورقابة الأجهزة الأمنية، وتقديم محتوى يهم السوريين وافتقدوه في إعلامهم المحلي طيلة عقود.
وتعمل السورية الكردية البالغة من العمر 31 عاما، والتي فرت من القامشلي في شمال شرق سوريا عام 2014، كمذيعة في الإذاعة التي تأسست في عربت قرب السليمانية في شمال شرق العراق، والموجهة إلى السوريين. وهي جزء من المجتمع الكردي السوري الذي عانى من التهميش، وتصاعد نفوذهم تدريجيا بعد بدء النزاع.
وقالت شيرين إنه حين “اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية البلاد، باتت الخدمة العسكرية مجرد ذريعة من أجل قمع الثورة” في شمال شرق سوريا، وهي منطقة تقع بمعظمها تحت سيطرة مقاتلين أكراد، وتطالب بحكم ذاتي، وظهرت فيها منابر إعلامية محدودة لكنها خضعت لرقابة المقاتلين المسيطرين على المنطقة.
واضطرت شيرين إلى ترك بلدها للحاق بزوجها الذي فرّ من أجل تفادي القيام بالخدمة العسكرية في الجيش السوري.
تعلن رنّة قصيرة عن نهاية النشرة الإخبارية. فتضع شيرين سماعات الأذن بهدوء على المكتب المصنوع من الخشب الأبيض. وتؤكد أنها منذ بدأت العمل كمذيعة، تسعى إلى تقديم أخبار موثوقة للمتابعين. وحسب رأيها، تكمن المشكلة في ”الأخبار الكاذبة التي يبثها النظام”، في وقت يملك “الجميع هاتفا ذكيا ويمكن أن يقرأ أي شيء حول سوريا”.
إذاعة غاردينيا جزء من تجربة "الإعلام البديل" الذي ظهر كمبادرات فردية وجماعية داعمة لعملية التغيير في سوريا بعد عام 2011
وشيرين الخبيرة في التجميل سابقا، هي واحدة من عشرات الشباب السوريين الذين خاضوا مجال الإعلام البديل دون أن يسبق لهم أن اختبروا أو مارسوا العمل الصحافي، بمن فيهم الصحافيون الذين لم يكتسبوا أي معارف أو مهارات تؤهلهم للعمل في هذا الحقل بشكل احترافي.
وأسهمت وسائل الإعلام البديل في رفع مستوى ونوعية المحتوى المقدم في الإعلام السوري نوعا ما، ونجحت في تقديم تغطيات جديدة وغير نمطية، نظرا لمساحة الحرية التي أتيحت لعملها الصحافي بالمقارنة مع وسائل الإعلام التي تنشر محتواها تحت رقابة النظام، إلا أنها تعاني أيضا من بعض المشكلات التي أثرت على أدائها ومن ضمنها تبعيتها لجهات التمويل، وضعف خبرة العاملين فيه، وتواضع التقنيات.
ويرى صحافيون خاضوا التجربة أن الإعلام البديل نجح في كسر النمطية والخروج من عباءة الإعلام التقليدي المتناغم مع سياسة حكومة النظام أو المعارضة على حد سواء. كما هو الحال بالنسبة إلى شيرين في إذاعة غاردينيا.
خارج الاستوديو، تجري شيرين يوميا مقابلات مع لاجئين في المخيم، تقول عنها من أجل أن “نعطي معلومات حقيقية لمن لا يزالون في الوطن عبر صفحتنا على فيسبوك، لترى عائلاتنا أننا لا نسكن داخل خيم”.
ويضمّ مخيم عربت 9056 كرديا سوريا، وفق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، اختار معظمهم السليمانية للبحث عن عمل، ملتحقين بأقرباء يعملون هناك منذ ما قبل النزاع الذي اندلع في بلادهم في 2011.
خليل، مدرس سابق للغة الإنجليزية، يعتمد بشكل رئيسي في جمع الأخبار على من يذهبون في زيارات إلى عائلاتهم على الضفة الأخرى من الحدود ويعودون منها
بخطى واثقة، يسير الصحافي خليل في شوارع المخيم مرتديا سترة كتب عليها شعار “غاردينيا أف.أم”. يحييه السكان من بعيد، فيما يقدم له أحدهم الخبز، فالجميع يعرف من هو. يتوجه إلى متدرب شابّ يهرول من خلفه بالقول “هكذا نبني شبكة علاقات”.
في شوارع مخيم عربت المتساوية، يلقّن خليل، أستاذ اللغة الإنجليزية سابقا والمتحدر من عامودا في شمال شرق سوريا، أسرار المهنة ليوسف البالغ من العمر 19 عاما، وكلاهما فرّ في عام 2014 من سوريا حيث لا يزال يقطن أفراد من عائلتيهما.
ويعتمد خليل بشكل رئيسي على من يذهبون ويعودون من زيارات إلى عائلاتهم على الضفة الأخرى من الحدود. وكان الثنائي يجري مقابلة مع كوران، صاحب مطعم البيتزا في المخيم.
وبعد الإجابة على أسئلتهما، يستفسر الطاهي المغطى بالدقيق عمّا إذا كان المعبر الحدودي مغلقا. ويقول الرجل الذي يذهب مرارا إلى سوريا لتزويد زوجته هناك بالحاجيات الغذائية “مع كوفيد – 19، لم نعد نعرف وضع الحدود. الإذاعة تخبرنا كل يوم بما يجري”.
وبعد كل زيارة، يعود كوران إلى العراق. “فلماذا البقاء هناك؟ لا كهرباء ولا رواتب وقيمة الدولار مرتفعة جدا. هنا يوجد عمل”. وكما غالبية البيوت في المخيم، بنى كوران فرن البيتزا الخاص به بالحجارة. ومنذ عام 2017، ترك السكان المخيم، وبدأوا ببناء منازل، وكأنما يستعدون لمنفى طويل في عربت.
حتى الآن، لم تعد أي عائلة بشكل نهائي إلى سوريا، وفق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. ويعيش 40 في المئة من 230 ألف لاجئ سوري في العراق داخل مخيمات، غالبيتهم في كردستان، وفق المنظمة الدولية للهجرة. ويوجد خمسة ملايين ونصف مليون لاجئ سوري حول العالم.
ويتواصل في دمشق الخميس، مؤتمر يهدف إلى تشجيع اللاجئين على العودة إلى بلدهم. لكن منظمات حقوقية تحذر من أن العديد من المناطق التي تأمل دمشق إعادة اللاجئين إليها، تعاني من نقص بالبنى التحتية اللازمة، أو أنها لا تزال غير آمنة.
ويقول خليل “لا تزال سوريا في قلوبنا”، لكن “حين نظهر أننا نستطيع أن نبني شيئا ما بمواردنا الخاصة، فهي طريقتنا لنقول إننا قادرون على بناء سوريا من دون الأسد”. ويضيف “الإذاعة أيضا تخدم هذا الهدف”.