إدريس شويكة لـ"العرب": السينما صرخة جمالية في وجه الاعتياد القاتل

"طحالب مرة" نافذة مغربية على عالم صامت تحصد أربع جوائز في مهرجان صوفيا.
الاثنين 2025/06/16
الفيلم يخلق حوارا مع الواقع

يراهن المخرج السينمائي المغربي إدريس شويكة على قوة المواضيع التي يطرحها، ودقة نسجه لعناصر أفلامه لتكون بمثابة مساحة للحلم والاكتشاف والنقد في آن واحد. وقد توج فيلمه الجديد "طحالب مرة" بالعديد من الجوائز الدولية مؤخرا. وفي هذا السياق التقته "العرب" في حوار حول تجربته الجديدة، وركزت على فلسفة اشتغاله الفني، ورؤيته لمستقبل السينما المغربية.

في خطوة جديدة تبرز الحضور المتصاعد للسينما المغربية على الساحة الدولية، استطاع فيلم “طحالب مرة” للمخرج المغربي إدريس شويكة أن يحصد أربع جوائز مرموقة دفعة واحدة في مهرجان “كولدن فيمي” الدولي بالعاصمة البلغارية صوفيا، وهو أول عرض دولي للفيلم، ليبين لنا قوة تأثيره الفني ورسالته الاجتماعية الهادفة، وهذا التتويج هو مكافأة لمجهود فريق عمل ولرؤية إخراجية تحمل بصمة خاصة في التعامل مع قضايا الواقع المغربي، من خلال عدسة إنسانية تنفذ إلى عمق المهمشين والمنسيين.

ويمثل هذا الإنجاز محطة مضيئة في مسار السينما المغربية المعاصرة، ويؤكد أنها باتت قادرة على مخاطبة العالم بلغة سينمائية مغربية، تنطلق من المحلي لتُخاطب الإنساني الكوني.

حكاية من الهامش

إدريس شويكة: الفيلم الجيد هو الذي يُحرّك شيئًا في الداخل والسينما تُصنع من أجل الإنسان لا من أجل الجوائز أو المهرجانات فقط
إدريس شويكة: الفيلم الجيد هو الذي يُحرّك شيئًا في الداخل والسينما تُصنع من أجل الإنسان لا من أجل الجوائز أو المهرجانات فقط

يرى إدريس شويكة أن السينما هي صرخة جمالية في وجه ما يسميه الاعتياد القاتل، عندما يعيش الإنسان وسط ضغوط اجتماعية ونفسية تكاد تطفئ فيه الحس بالكرامة والدهشة. ومن هذا المنطلق لا يشتغل على الأفلام بدافع الحاجة إلى التعبير والاحتجاج الفني على واقع مليء بالقبح، كما يسعى الفن إلى تحويله إلى مادة قابلة للتأمل والفهم.

بالنسبة إليه، فيلم “طحالب مرة” هو محاولة لتزيين البؤس أو دغدغة المشاعر، ورهان على الحقيقة القاسية بصيغة فنية راقية، قادرة على إزعاج المُشاهد بقدر ما تُوقظه.

ويشدد شويكة في حديثه لـ”العرب” على أن الفيلم هو نتيجة تلاحم فريق عمل آمن بالفكرة، واجتهد على كل المستويات، فالممثلون والتقنيون ومصممو الصورة والموسيقيون، جميعهم اشتغلوا في ظروف غير مريحة، لكن بحب وشغف جعلا الفيلم يبلغ هذا المستوى من القوة والتماسك.

فوز “طحالب مرة” بجوائز أفضل دراما لفيلم أجنبي، وأفضل إخراج، وأفضل تصوير، وأفضل موسيقى تصويرية، يؤكد برأيه أن العمل السينمائي حين يُبنى على رؤية جماعية وصدق فني، لا بد أن يلفت الانتباه الدولي حتى في ظل محدودية الموارد.

يصف شويكة فيلمه بأنه نافذة على عالم صامت، لا تصله عدسات الإعلام أو اهتمام السينما التجارية. وتدور الحكاية حول فتاة تجمع الطحالب من شواطئ مهجورة، لكن القصة الحقيقية تكمن في الطبقات الخفية من الاستغلال والهشاشة والتهريب والتمييز التي تعيشها هذه الفئة.

 فالفتاة التي تظهر وحيدة في المشهد، تمثل جموع النساء المهمشات، في القرى الساحلية، وفي كل مجتمعات العزلة والإقصاء.

ويؤكد شويكة أن الهدف من الفيلم هو عرض نموذج حي، كون أنثى تقاوم بصمت وتعيش بقوة، رغم هشاشتها الظاهرة، ومن خلال هذا النموذج يطرح الفيلم أسئلة حول الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والسلطة الذكورية.

ويمتدح شويكة أداء الممثلة يسرى بوحموش، ويصفه بأنه أداء نابع من الجسد والروح، إذ خضعت الممثلة لتدريب ميداني حقيقي، وشاركت نساء الهامش في حياتهن اليومية لتفهم طبيعة دورها، وهو ما منحها قدرة على التجسيد الصادق الخالي من التصنع، مضيفا “الجهد النفسي والجسدي الذي بذلته أمام الكاميرا، جعل أداءها مؤثرًا حقا، وهو ما قدّرته لجنة التحكيم في المهرجان.”

مغامرة فنية

حح

يشير المخرج إلى أن تتويج “طحالب مرة” فتح أبوابًا جديدة، إذ بدأت جهات أوروبية، خاصة من ألمانيا وفرنسا، تبدي اهتمامًا بتوزيع الفيلم، بل هناك اتصالات جارية بشأن إمكانية عرضه في مهرجانات كبرى مثل “البندقية” و”برليناله”. ويرى أن هذا التتويج يشجع السينمائيين المغاربة على خوض مغامرات فنية أكثر جرأة، دون الخضوع لمتطلبات السوق.

ويُعد إدريس شويكة من المخرجين المغاربة الذين راكموا تجربة نوعية متفردة، كونه تنقل بين التلفزيون والمسرح والسينما، واشتغل دائمًا بروح الفنان المتأمل لا التقني فقط، كما درس الإخراج بباريس، واشتغل منذ التسعينات على أفلام وُصفت بالملتزمة، من بينها “مبروك” و”ضد التيار” و”فينك الأيام” و”فداء” و”علام الخيل” و”شادية”، وكلها أعمال اتسمت بطرح اجتماعي وإنساني مغربي.

ويواصل نشاطه إلى اليوم بنفس الوتيرة الفنية، وفيلم “طحالب مرة” يُعد خلاصة مرحلة فنية جديدة، حيث يقارب مواضيع مثل الإرث والتمييز ضد النساء في مجتمعات تعيش على هامش الحياة الحديثة، وتكافح من أجل البقاء والكرامة.

ويصر شويكة على أن السينما يجب أن تُصنع من أجل الإنسان، لا من أجل الجوائز أو المهرجانات فقط. ويرى أن الفيلم الجيد هو الذي يُحرّك شيئًا في الداخل، ويخلق حوارًا مع الواقع، حتى بعد أن تُطفأ الأضواء. من هذا المنظور، يُكرّس فنه لخدمة قضايا الناس، ويجعل من السينما أداة تأمل ونقد وحلم في آن واحد.

حح

13